بازگشت

في حلبات الشعر


وعرضت مصادر التاريخ والادب العربي إلي بعض ما نظمه الامام الحسين (ع) من الشعر وما استشهد به في بعض المناسبات، وإن كان بعضها - فيما نحسب - لا يخلو من الانتحال، وهذه بعضها: 1 - دخل اعرابي مسجد الرسول الاعظم (ص) فوقف علي الحسين ابن علي وحوله حلقة مجتمعة من الناس فسأل عنه، فقيل له إنه الحسن ابن علي، فقال: إياه أردت بلغتي أنهم يتكلمون فيعربون في كلامهم، واني قطعت بوادي، وقفارا، وأودية، وجبالا، وجئت لا طارحة الكلام وأسأله عن عويص العربية، فقال له أحد جلساء الامام: ان كنت جئت لهذا فابدأ بذلك الشاب، وأومأ إلي الحسين، فبادر اليه، ووقف فسلم عليه فرد الامام عليه السلام، فقال له: - ما حاجتك؟ - جئتك من الهرقل والجعلل والاينم، والهمهم. فتبسم الامام الحسين، وقال له: يا اعرابي لقد تكلمت بكلام ما يعقله الا العالمون، فقال الاعرابي: وأقول: أكثر من هذا، فهل أنت مجيبي علي قدر كلامي؟ فقال له الحسين: - قل ما شئت فاني مجيبك. - إني بدوي، وأكثر مقالي الشعر، وهو ديوان العرب. - قل ما شئت فاني مجيبك.


وأنشأ الاعرابي يقول:



هفا قلبي إلي اللهو

وقد ودع شرخيه



وقد كان أنيقا عصر تجراري ذيليه



عيالات ولذات

فيا سقيا لعصريه



فلما عمم الشيب

من الرأس نطاقيه



وأمسي قد عناني منه تجديد خضابيه



تسليت عن اللهو

وألقيت قناعيه



وفي الدهر أعاجيب

لمن يلبس حاليه



فلو يعمل ذو رأي

أصيل فيه رأييه



لالفي عبرة منه

له في كر عصريهه



فأجابه الامام الحسين (ع) ارتجالا:



فما رسم شجاني قد

محت آيات رسميه



سفور درجت ذيلين

في بوغاء قاعيه [1] .



هتوف حرجف تتري

علي تلبيد ثوبيه [2] .



وولاج من المزن

دنا نوء سماكيه



أتي مثغنجر الورق

بجود من خلاليه



وقد أحمد برقاه

فلا ذم لبرقيه



وقد جلل رعداه

فلا ذم لرعديه



ثجيج الرعد ثجاج

اذا أرخي نطاقيه






فاضحي دارسا قفرا

لبينونة أهليه



فلما سمع الاعرابي ذلك بهر وانطلق يقول: ما رأيت كاليوم أحسن من هذا الغلام كلاما وأذرب لسانا، ولا أفصح منه نطقا، فقال له الامام الحسن (ع) يا اعرابي:



غلام كرم الرحمن بالتطهير جديه

كساه القمر القمقام من نور سنائيه



وقد أرصنت من شعري وقومت عروضيه فلما سمع الاعرابي قول الامام الحسن (ع) انبري يقول: بارك الله عليكما، مثلكما تجلهما الرجال فجزاكما الله خيرا وانصرف [3] ودلت هذه البادرة علي مدي ما يتمتع به الامام (ع) من قوة العارضة في الشعر، ومقدرته الفائقة في الارتجال والابداع، إلا أن بعض فصول هذه القصة - فيما نحسب - لا يخلو من الانتحال، وهو مجئ الاعرابي من بلد نائي قد تحمل عناء السفر وشدته من أجل اختبار الامام ومعرفة مقدراته الادبية 2 - نسبت له هذه الابيات الحكمية:



اذا ما عضك الدهر

فلا تجنح إلي الخلق



ولا تسأل سوي الله

تعالي قاسم الرزق



فلو عشت وطوفت

من الغرب إلي الشرق



لما صادفت من يقد

ر أن يسعد أو يشقي [4] .



وحث هذا الشعر علي القناعة واباء النفس، وعدم الخنوع للغير، وأهاب بالانسان أن يسأل أحدا إلا ربه الذي بيده مجريات الاحداث.


3 - قال (ع):



اغن عن المخلوق بالخالق

تغن عن الكاذب والصادق



واسترزق الرحمن من فضله

فليس غير الله من رازق



من ظن أن الناس يغنونه

فليس بالرحمن بالواثق



أو ظن أن المال من كسبه

زلت به النعلان من حالق [5] .



وفي هذههه الابيات دعوة إلي الالتجاء إلي الله خالق الكون وواهب الحياة، والاستغناء عمن سواه فان من ركن لغيره فقد خاب سعيه وحاد عن الصواب. 4 - زار الامام الحسين (ع) مقابر الشهداء بالبقيع فانبري يقول:



ناديت سكان القبور فاسكتوا

فأجابني عن صمتهم ترب الحشا



قالت: أتدري ما صنعت بساكني

مزقت لحمهم وخرقت الكسا



وحشوت أعينهم ترابا بعدما

كانت تأذي باليسير من القذا



أما العظام فانني مزقتها

حتي تباينت المفاصل والشوي



قطعت ذا من ذا ومن هذا كذا

فتركتها مما يطول بها البلي [6] .



وحفلت هذه الابيات بالدعوة إلي الاعتبار والعظة بمصير الانسان وأنه حينما يودع في بطن الارض لم يلبث أن يتلاشي وتذهب نضارته ويعود بعد قليل كتلة من التراب المهين. 5 - ونسب الاعشي هذه الابيات للامام الحسين (ع):



كلما زيد صاحب المال مالا

زيد في همه وفي الاشتغال



قد عرفناك يا منغصة العيش ويا دار كل فان وبال


ليس يصفو لزاهد طلب الزهد اذا كان مثقلا بالعيال [7] .

وتحدث الامام بهذه الابيات عن ظاهرة خاصة من ظواهر الحياة وهي أن الانسان كلما اتسع نطاقه المادي ازدادت آلامه وهمومه، وازداد جهدا وعناءا في تصريف شؤون أمواله، وزيادة أرباحه، كما تحدث الامام عمن يرغب في الزهد في الحياة فانه لا يجد سبيلا إلي ذلك ما دام مثقلا بالعيال فان شغله بذلك يمنعه عن الزهد في الدنيا. 6 - روي الاربلي أن الامام قال هذه الابيات في ذم البغي:



ذهب الذين أحبهم

وبقيت فيمن لا أحبه



في من أراه يسبني

ظهر المغيب ولا أسبه



يبغي فسادي ما استطا

ع وأمره مما أربه [8] .



حنقا يدب لي الضرا

ء وذاك مما لا أدبه



ويري ذباب الشر من

حولي يطن ولا يذبه



واذا خبا [9] وغر الصدو

ر فلا يزال به يشبه



أفلا يعيج بعقله [10] .

أفلا يثوب إليه لبه [11] .



أفلا يري من فعله

ما قد يسور اليه غبه [12] .



حسبي بربي كافيا

ما أختشي والبغي حسبه






ولقل من يبغي عليه

فما كفاه الله ربه [13] .



وتحدث الامام (ع) بهذه الابيات عن احدي النزعات الشريرة في الانسان وهي البغي فان من يتلوث به يسعي دوما إلي سب أخيه والاعتداء عليه وافساده أمره، وانه اذا سكن وغر الصدور فانه يسعي لاثارتها انطلاقا منه في البغي والاعتداء، وقد وجه (ع) اليه النصح فانه اذا رجع عقله وفكر في أمره فان غيه علي حيه يرجع اليه، وتلحقه أضراره وآثامه ومن الطبيعي انه اذا أطال التفكير في ذلك فانه يقلع عن نفسه هذه الصفة الشريرة حسب ما نص عليه علماء الاخلاق. 7 - وزعم أبوالفرج الاصبهاني ان الامام الحسين (ع) قال: هذين البيتين في بنته سكينة وامها الرباب:



لعمرك أنني لاحب دارا

تكون بها سكينة والرباب



أحبهما وأبذل جل مالي

وليس لعاتب عندي عتاب [14] .



وزاد غيره هذا البيت:



فلست لهم وان غابوا مضيعا

حياتي أو يغيبني التراب [15] .



وهذه الابيات فيما نحسب من المنتحلات والموضوعات فان الامام الحسين عليه السلام أجل شأنا وأرفع قدرا من أن يذيع حبه لزوجته وابنته بين الناس، فليس هذا من خلقه، ولا يليق به، ان ذلك - من دون شك - من المفتريات التي تعمد وضعها للحط من شأن أهل البيت (ع). 8 - ومما قاله:



الله يعلم أن ما

بيدي يزيد لغيره






وبأنه لم يكتسب

ه بخيره وبميره



لو انصف النفس الخؤو

ن لقصرت من سيره



ولكان ذلك منه أد

ني شره من خيره [16] .



وبهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض مثل الامام الحسين (ع) ونزعاته التي كان بها فذا من أفذاذ العقل الانساني ومثلا رائعا من أمثلة الرسالة الاسلامية بجميع قيمها ومكوناتها.



پاورقي

[1] سفور: مأخوذ من سفرت الريح التراب أو الورق أزالتهما وذهبت بهما کل مذهب، درجت من نعوت الريح، البوغاء التراب.

[2] الهتوف: الريح ذات الصوت، والحرجف: الريح الباردة.



التلبيد: التداخل.

[3] مطالب السؤل في مناقب آل الرسول.

[4] کشف الغمة 2 / 246 الفصول المهمة.

[5] تاريخ ابن عساکر 4 / 324.

[6] البداية والنهاية 8 / 208.

[7] تاريخ ابن عساکر 4 / 324.

[8] أربه: أصلحه.

[9] خبا: سکن.

[10] يعيج: ينتفع.

[11] اللب: العقل.

[12] يسور: يرجع.

[13] کشف الغمة. ريحانة الرسول (ص 48).

[14] الاغاني.

[15] ذکري الحسين 1 / 139، البداية والنهاية 8 / 209.

[16] ريحانة الرسول (ص 49).