بازگشت

الوعظ والارشاد


وعني الامام (ع) بوعظ الناس وارشادهم كما عني أبوه من قبله، مستهدفين من ذلك تنمية القوي الخيرة في النفوس، وتوجيه الناس نحو الحق والخير وإبعادهم عن نزعات الشر من الاعتداء والغرور والطيش وغير ذلك، ونعرض فيما يلي لبعض ما أثر عنه: 1 - قال (ع): " أوصيكم بتقوي الله، وأحذركم أيامه، وأرفع لكم أعلامه، فكأن المخوف قد أقل بمهول وروده، ونكير حلوله، وبشع مذاقه، فاغتلق مهجكم، وحال بين العمل وبينكم، فبادروا بصحة الاجسام ومدة الاعمار، كأنكم نبعات طوارقه فتنقلكم من ظهر الارض إلي بطنها، ومن علوها إلي سفلها، ومن أنسها إلي وحشتها، ومن روحها وضوئها إلي ظلمتها، ومن سعتها إلي ضيقها حيث لا يزار حميم، ولا يعاد سقيم، ولا يجاب صريخ، أعاننا الله وإياكم علي أهوال ذلك اليوم، ونجانا وإياكم من عقابه وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه. عباد الله: فلو كان ذلك قصر مرماكم، ومدي مضعنكم، كان حسب العامل شغلا يستفرغ عليه أحزانه، ويذهله عن دنياه، ويكثر نصبه لطلب الخلاص منه، فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه مستوقف علي حسابه، لا وزير له يمنعه، ولا ظهير عنه يدفعه ويومئذ " لا ينفع نفسا


إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانهم خيرا قل انتظروا إنا منتظرون " [1] .

أوصيكم بتقوي الله فان الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلي ما يحب، ويرزقه من حيث لا يحتسب، فإياك أن تكون ممن يخاف علي العباد بذنوبهم، ويأمن العقوبة من ذنبه، فان الله تبارك وتعالي لا يخدع عن جنته، ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله [2] .

وحفل هذا الكلام بما يقرب الناس إلي الله، وبما يبعدهم عن معاصيه ويجنبهم عن دواعي الهوي ونزعات الشرور. 2 - كتب إليه رجل يطلب منه أن يعظه بحرفين أي يوجز القول فكتب (ع) له: " من حاول أمرا بمعصية الله تعالي كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجئ ما يحذر... " [3] .

3 - قال (ع): " عباد الله اتقوا الله، وكونوا من الدنيا علي حذر فإن الدنيا لو بقيت لاحد أو بقي عليها أحد لكانت الانبياء أحق بالبقاء، وأولي بالرضاء، وأرضي بالقضاء، غير أن الله خلق الدنيا للبلاء وخلق أهلها للفناء، فجديدها بال، ونعيمها مضمحل، وسرورها مكفهر والمنزلة بلغة، والدار قلعة فتزودوا فإن خير الزاد التقوي... " [4] .

4 - كتب إليه رجل يسأله عن خير الدنيا والآخرة فأجابه (ع): " أما بعد: فإن من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور


الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله، وكله الله إلي الناس والسلام " [5] .

5 - قال (ع): " إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الارض ومغاربها، بحرها وبرها، سهلها وجبلها عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفئ الظلال... " [6] .

وأضاف يقول: " ألا حر يدع هذه اللماظة - يعني الدنيا - لاهلها، ليس لانفسكم ثم إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها، فانه من رضي الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس... ". 6 - قال له رجل: كيف أصبحت يابن رسول الله (ص)؟ فقال عليه السلام: " أصبحت ولي رب فوقي، والنار أمامي، والموت يطلبني والحساب محدق بي، وأنا مرتهن بعملي، لا أجد ما أحب، ولا أدفع ما اكره، والامور بيد غيري، فان شاء عذبني، وإن شاء عفا عني، فأي فقير أفقر مني؟ " [7] .

7 - قال (ع): يابن آدم تفكر، وقل: أين ملوك الدنيا وأربابها الذين عمروا خرابها واحتفروا أنهارها، وغرسوا أشجارها، ومدنوا مدائنها، فارقوها وهم كارهون، وورثها قوم آخرون، ونحن بهم عما قليل لاحقون. يابن آدم اذكر مصرعك، وفي قبرك مضجعك بين يدي الله، تشهد جوارحك عليك يوم تزول فيه الاقدام، وتبلغ القلوب الحناجر، وتبيض وجوه، وتبدو السرائر، ويوضع الميزان القسط.


يابن آدم اذكر مصارع آبائك، وأبنائك، كيف كانوا، وحيث حلوا، وكأنك عن قليل قد حللت محلهم، وصرت عبرة المعتبرة... ثم أنشد هذه الابيات:



أين الملوك التي عن حفظها غفلت

حتي سقاها بكأس الموت ساقيها



تلك المدائن في الآفاق خالية

عادت خرابا وذاق الموت بانيها



أموالنا لذوي الوارث نجمعها

ودورنا لخراب الدهر نبنيها [8] .



هذه بعض ما أثر عنه من المواعظ الهادفة إلي صلاح النفوس وتهذيبها وأبعادها عن نزعات الهوي والشرور.


پاورقي

[1] سورة الانعام: آية 158.

[2] الانوار البهية (ص 45).

[3] أصول الکافي 2 / 273.

[4] تاريخ ابن عساکر 4 / 333.

[5] مجالس الصدوق (ص 121).

[6] البحار.

[7] البحار.

[8] الارشاد للديلمي.