بازگشت

التوحيد


وعرض الامام الحسين (ع) في كثير من كلامه إلي توحيد الله فبين حقيقته وجوهره، وفند شبه الملحدين وأوهامهم، ونعرض فيما يلي لبعض ما اثر عنه: 1 - قال (ع): " ايها الناس اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبهون الله بأنفسهم يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب، بل هو الله ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، لا تدركه الابصار، وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير، استخلص الوحدانية والجبروت، وامضي المشيئة والارادة والقدرة والعلم بما هو كائن، لا منازع له في شئ من امره، ولا كفو له يعادله، ولا ضد له ينازعه ولا سمي له يشابهه، ولا مثل له يشاركه، لا تتداوله الامور ولا تجري عليه الاحوال، ولا ينزل عليه


الاحداث، ولا يقدر الواصفون كنه عظمته، ولا يخطر علي القلوب مبلغ جبروته، لانه ليس له في الاشياء عديل، ولا تدركه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلا بالتحقيق، ايقانا بالغيب لانه لا يوصف بشئ من صفات المخلوقين، وهو الواحد الصمد، ماتصور في الاوهام فهو خلافه، ليس برب من طرح تحت البلاغ، ومعبود من وجد في هواء أو غير هواء، هو في الاشياء كائن، لا كينونة محظور بها عليه، ومن الاشياء بائن لا بينونة غائب عنها، ليس بقادر من قارنه ضد أو ساواه ند، ليس عن الدهر قدمه، ولا بالناحية اممه، احتجب عن العقول كما احتجب عن الابصار، وعمن في السماء احتجابه كمن في الارض، قر به كرامته، وبعده اهانته، لا يحله في، ولا توقته إذ، ولا تؤامره إن علو من غير توقل، ومجيئه من غير تنقل، يوجد المفقود، ويفقد الموجود ولا تجتمع لغيره الصفتان في وقت، يصيب الفكر منه الايمان به موجودا ووجود الايمان لا وجود صفة، به توصف الصفات لا بها يوصف، وبه تعرف المعارف لابها يعرف، فذلك الله لا سمي له، سبحانه ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير... " [1] .

وحذر الامام من تشبيه الخالق العظيم بعباده او بسائر الممكنات التي يلاحقها العدم، ويطاردها الفناء. ان الانسان مهما اوتي من طاقات فهي محدودة كما وكيفا، ويستحيل ان يصل إلي ادارك حقيقة المبدع العظيم الذي خلق هذه الاكوان وخلق هذه المجرات التي تذهل العقول تصورها، وما بنيت عليه من الانظمة الدقيقة المذهلة... إن الانسان قد عجز عن معرفة نفسه التي انطوت علي هذه


الاجهزة العميقة كجهاز البصر والسمع والاحساس وغيرها فكيف يصل إلي ادراك خالقه؟! وعلي اي حال فقد اوضحت هذه اللوحة الرائعة كثيرا من شؤون التوحيد، ودللت علي كيفيته، وهي من أثمن ما اثر من ائمة اهل البيت عليهم السلام في هذا المجال. 2 - يقول المؤرخون ان حبر الامة عبد الله بن عباس كان يحدث الناس في مسجد رسول الله (ص) فقام اليه نافع الازرق فقال له: تفتي الناس في النملة والقملة صف لي إلهك الذي تعبد، فاطرق اعظاما لقوله، وكان الامام الحسين (ع) جالسا فانبري قائلا: - إلي يابن الازرق؟ - لست اياك. فثار ابن عباس، وقال له: " إنه من بيت النبوة، وهم ورثة العلم... ". فاقبل نافع نحو الحسين فقال (ع) له: " يا نافع من وضع دينه علي القياس لم يزل الدهر في التباس سائلا ناكبا عن المنهاج، ظاعنا بالاعوجاج، ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل اصف لك إلهي، بما وصف به نفسه، واعرفه بما عرف به نفسه لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس قريب غير ملتصق بعيد غير منتقص يوحد ولا يبغض معروف بالآيات موصوف بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المتعال... " [2] .

فحار الازرق، ولم يطق جوابا، فقد ملكت الحيرة أهابه، وسد عليه الامام كل نافذة ينفذ منها، وبهر جميع من سمعوا مقالة الامام، وراحوا


يرددون كلام ابن عباس ان الحسين من بيت النبوة وهم ورثة العلم.


پاورقي

[1] تحف العقول (ص 244).

[2] الکواکب الدرية 1 / 58.