بازگشت

الجود والسخاء


من مزايا الامام أبي الاحرار (ع) الجود والسخاء فقد كان ملاذا للفقراء والمحرومين، وملجأ لمن جارت عليه الايام، وكان يثلج قلوب الوافدين إليه بهباته وعطاياه يقول كمال الدين بن طلحة: " وقد اشتهر النقل عنه أنه كان يكرم الضيف، ويمنح الطالب، ويصل الرحم، ويسعف السائل، ويكسوا العاري، ويشبع الجائع، ويعطي الغارم ويشد من الضعيف، ويشفق علي اليتيم، ويغني ذا الحاجة، وقل أن وصله مال إلا فرقه، وهذه سجية الجواد وشنشنه الكريم، وسمة ذي السماحة، وصفة من قد حوي مكارم الاخلاق، فأفعالهه المتلوة شاهدة له


بصنعه الكرم، ناطقة بأنه متصف بمحاسن الشيم... " [1] .

ويقول المؤرخون إنه كان يحمل في دجي الليل السهم الجراب يملؤه طعاما ونقودا إلي منازل الارامل واليتامي والمساكين حتي أثر ذلك في ظهره [2] .

وكان يحمل اليه المتاع الكثير فلا يقوم حتي يهب عامته، وقد عرف معاوية فيه هذه الظاهرة فأرسل اليه بهدايا والطاف كما أرسل إلي غيره من شخصيات يثرب وأخذ يحدث جلساءه بما يفعله كل واحد منهم بتلك الالطاف فقال في الحسين: " أما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين فان بقي شئ نحر به الجزور وسقي به اللبن... ". وبعث رقيبا يري ما يفعله القوم فكان كما أخبر فقال معاوية: " أنا ابن هند، أنا أعلم بقريش من قريش " [3] .

وعلي أي حال فقد نقل المؤرخون بوادر كثيرة من جود الامام وسخائه نلمع إلي بعضها: 1 - مع اسامة بن زيد. ومرض اسامة بن زيد مرضه الذي توفي فيه فدخل عليه الامام عائدا فلما استقر به المجلس قال أسامة: - واغماه. - ما غمك؟. - ديني وهو ستون الفا. - هو علي.


- أخشي أن أموت قبل أن يقضي. - لن تموت حتي أقضيها عنك. وبادر الامام (ع) فقضاها عنه قبل موته [4] وقد غض طرفه عن اسامة فقد كان من المتخلفين عن بيعة أبيه، فلم يجازيه بالمثل وإنما أغدق عليه بالاحسان. 2 - مع جارية له: روي أنس قال: كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحانة فحيته بها، فقال لها: أنت حرة لوجه الله تعالي، وبهر أنس فانصرف يقول: - جارية تجيئك بطاقة ريحان، فتعتقها؟!! - كذا أدبنا الله، قال تبارك وتعالي: " واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها "، وكان أحسن منها عتقها [5] وبهذا السخاء والخلق الرفيع ملك قلوب المسلمين وهاموا بحبه وولائه. 3 - مع غارم: كان الامام الحسين (ع) جالسا في مسجد جده الرسول (ص) وذلك بعد وفاة أخيه الحسن (ع)، وكان عبد الله بن الزبير جالسا في ناحية منه كما كان عتبة بن أبي سفيان جالسا في ناحية أخري منه، فجاء اعرابي علي ناقة فعقلها ودخل المسجد فوقف علي عتبة بن أبي سفيان فسلم عليه فرد عليه السلام، فقال له الاعرابي: " اني قتلت ابن عم لي، وطولبت بالدية فهل لك أن تعطيني شيئا؟ ".


فرفع عتبة اليه رأسه وقال لغلامه: ادفع اليه مائة درهم، فقال له الاعرابي: " ما أريد إلا الدية تامة ". فلم يعن به عتبة، فانصرف الاعربي آيسا منه، فالتقي بابن الزبير فعرض عليه قصته، فأمر له بمائتي درهم فردها عليهه، وأقبل نحو الامام الحسين (ع) فرفع اليه حاجته، فأمر له بعشرة آلاف درهم، وقال له: هذه لقضاء ديونك، وأمر له بعشرة آلاف درهم أخري وقال له: هذه تلم بها شعثك وتحسن بها حالك، وتنفق بها علي عيالك، فاستولت علي الاعرابي موجات من السرور واندفع يقول:



طربت وما هاج لي معبق

ولا لي مقام ولا معشق



ولكن طربت لآل الرسو

ل فلذ لي الشعر والمنطق



هم الاكرمون الانجبون

نجوم السماء بهم تشرق



سبقت الانام إلي المكرمات

وأنت الجواد فلا تلحق



أبوك الذي ساد بالمكرمات

وأنت الجواد فلا تلحق



أبوك الذي ساد بالمكرمات

فقصر عن سبقه السبق



به فتح الله باب الرشاد

وباب الفساد بكم مغلق [6] .



4 - مع اعرابي: وقصده اعرابي فسلم عليه وسأله حاجته، وقال: سمعت جدك يقول: إذا سألتم حاجة فاسألوها من أربعة أما عربي شريف، أو مولي كريم، أو حامل القرآن، أو صاحب وجه صبيح، فأما العرب فشرفت بجدك، وأما الكرم فدأبكم وسيرتكم، وأما القرآن ففي بيوتكم نزل، وأما الوجه الصبيح فاني سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا أردتم أن تنظروا الي فانظروا إلي الحسن والحسين.


فقال له الحسين (ع): ما حاجتك؟ فكتبها الاعرابي علي الارض، فقال له الحسين (ع): سمعت أبي عليا يقول: المعروف بقدر المعرفة فأسألك عن ثلاث مسائل إن أجبت عن واحدة فلك ثلث ما عندي، وان أجبت عن اثنين فلك ثلثا ما عندي وان أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي، وقد حملت الي صرة من العراق الاعرابي: سل ولا حول ولا قوة إلا بالله. الامام الحسين: أي الاعمال أفضل؟ - الايمان بالله. - ما نجاة العبد من الهلكة؟ - الثقة بالله. - ما يزين المرء؟ علم معه حلم. - فان أخطأه ذلك؟ - مال معه كرم. - فان أخطأه ذلك. - فقر معه صبر. - فان أخطأه ذلك. - صاعقة تنزل من السماء فتحرقه. فضحك الامام ورمي اليه بالصرة [7] .

5 - مع سائل: ووفد عليه سائل فقرع الباب وأنشاء يقول:



لم يخب اليوم من رجاك ومن

حرك من خلف بابك الحلقه






أنت ذو الجود أنت معدنه

أبوك قد كان قاتل الفسقه



وكان الامام واقفا يصلي فخف من صلاته، وخرج إلي الاعرابي فرأي عليه أثر الفاقة، فرجع ونادي بقنبر فلما مثل عندهه قال له: ما تبقي من نفقتنا؟ قال: مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك، فقال هاتها فقد أتي من هو أحق بها منهم، فاخذها ودفعها إلي الاعرابي معتذرا منه وهو ينشد هذههه الابيات:



خذها فاني اليك معتذر

واعلم بأني عليك ذو شفقة



لو كان في سيرنا عصاتمداذن

كانت سمانا عليك مندفقة



لكن ريب المنون ذو نكد

والكف منا قليلة النفقة



فاخذها الاعرابي شاكرا وداعيا له بالخير، وانبري مادحا له:



مطهرون نقيات جيوبهم

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا



وأنتم أنتم الاعلون عندكم

علم الكتاب وما جاءت به السور



من لم يكن علويا حين تنسبه

فما له في جميع الناس مفتخر [8] .



هذه بعض بوادر كرمه وسخائه وهي تكشف عن مدي تعاطفه وحنوه علي الفقراء، وأنه لم يبغ أي مكسب سوي ابتغاء مرضاة الله والتماس الاجر في الدار الآخرة... وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعاته وصفاته التي بلغ بها ذروة الكمال المطلق، واحتل بها قلوب المسلمين فهاموا بحبه والولاء له.


پاورقي

[1] مطالب السؤول (ص 73).

[2] ريحانة الرسول (ص 71).

[3] عيون الاخبار 3 / 40.

[4] أعيان الشيعة 4 / 104.

[5] الفصول المهمة لابن الصباغ (ص 184).

[6] عقد الآل في مناقب الآل للبحراني.

[7] فضائل الخمسة من الصحاح الستة 3 / 268.

[8] تاريخ ابن عساکر 4 / 323 - 324.