بازگشت

الصراحة


من صفات ابي الاحرار الصراحة في القول، والصراحة في السلوك ففي جميع فترات حياته لم يوارب ولم يخادع، ولم يسلك طريقا فيه أي


التواء، وإنما سلك الطريق الواضح الذي يتجاوب مع ضميره الحي، وابتعد عن المنعطفات التي لا يقرها دينه وخلقه، وكان من الوان ذلك السلوك النير أن الوليد حاكم يثرب دعاه في غلس الليل، وأحاطه علما بهلاك معاوية، وطلب منه البيعة ليزيد مكتفيا بها في جنح الظلام، فامتنع (ع) وصارحه بالواقع قائلا: " يا أمير إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد فاسق فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله... ". وكشف هذه الكلمات عن مدي صراحته، وسمو ذاته، وقوة العارضة عنده في سبيل الحق. ومن الوان تلك الصراحة التي اعتادها وصارت من ذاتياته أنه لما خرج إلي العراق وافاه النبأ المؤلم وهو في أثناء الطريق بمقتل سفيره مسلم ابن عقيل، وخذلان أهل الكوفة، فقال للذين اتبعوه طلبا للعافية لا للحق: " قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف، ليس عليه ذمام... ". فتفرق عنه ذوو الاطماع، وبقي مع الصفوة من أهل بيته [1] لقد تجنب (ع) في تلك الساعات الحرجة التي يتطلب فيها إلي الناصر الاغراء والخداع مؤمنا ان ذلك لا يمكن أن تتصف به النفوس العظيمة المؤمنة بربها والمؤمنة بعدالة قضيتها. ومن الوان تلك الصراحة أنه جمع أهل بيته وأصحابه في ليلة العاشر من المحرم، فاحاطهم علما بأنه يقتل في غد، ويقتل جميع من كان معه صارحهم بذلك ليكونوا علي بصيرة وبينة من أمرهم، وأمرهم بالتفرق


في سواد ذلك الليل، فأبت تلك الاسرة العظيمة مفارقته، وأصرت علي الشهادة بين يديه. تدول الدول، وتزول المالك، وهذه الاخلاق الرفيعة أحق بالبقاء وأجدر بالخلود من كل كائن حي لانها تمثل القيم العليا التي لا كرامة للانسان بدونها.


پاورقي

[1] أنساب الاشراف ج 1 ق 1.