بازگشت

آية المباهلة


من آيات الله البينات التي أعلنت فضل أهل البيت عليهم السلام آية المباهلة قال تعالي: " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين " [1] .

واتفق المفسرون ورواة الحديث أنها نزلت في أهل البيت [2] .

وان أبناءنا اشارة إلي (الحسنين) ونساءنا اشارة إلي (فاطمة)، وأنفسنا إلي علي... نزلت الآية الكريمة في واقعة تاريخية بالغة الخطورة جرت بين قوي الاسلام وبين القوي الممثلة للنصاري، وموجز هذه الحادثة أن وفدا من نصاري نجران قدموا علي رسول الله (ص) ليناظروه في الاسلام، وبعد حديث دار بينهم وبين النبي (ص) اتفقوا علي الابتهال أمام الله ليجعل لعنته، وعذابه علي الكاذبين والحائدين علي الحق، وعينوا


وقتا خاصا لذلك، وانصرف وفد النصاري علي موعد للعودة للمباهلة حتي يستبين أمر الله ويظهر الحق ويزهق الباطل، وقد هامت نفوسهم بتيارات من الهواجس والاحاسيس، لا يعلمون أن النبي (ص) بمن يباهلم؟ وفي اليوم الذي اتفقا عليه خرج النبي (ص) وقد اختار للمباهلة أفضل الناس وأكرمهم عند الله، وهم باب مدينة علمه وأبوسبطيه الامام أمير المؤمنين (ع) وبضعته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. وأقبل (ص) وقد احتضن الحسين، وأمسك بيده الاخري الحسن وسارت خلفه الزهراء مغشاه بملاة من نور الله، يسير خلفها الامام أمير المؤمنين (ع) وهو باد الجلال... وخرج السيد والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل، ومعهم نصاري نجران وفرسان بني الحرث علي خيولهم وهم علي أحسن هيأة واستعداد، واحتشدت الجماهير وقد اشرأبت الاعناق تراقب الحادث الخطير، وساد الوجوم وصار الكلام همسا، ولما رأت النصاري هيأة الرسول مع أهل بيته، وهي تملا العيون، وتعنو لها الجباه امتلات نفوسهم رعبا وهلعا من هيبة الرسول وروعة طلعته، وجثا النبي صلي الله عليه وآله للمباهلة بخضوع فتقدم اليه السيد والعاقب وقد سرت الرعدة في نفوسهم قائلين: " يا أبا القاسم بمن تباهلنا؟ ". فاجابهم (ص) بكلمات تمثلت فيها روعة الايمان والخشية من الله قائلا: " أباهلكم بخير أهل الارض، وأكرمهم إلي الله، وأشار إلي علي وفاطمة والحسنين ". وانبريا يسألان بتعجب قائلين:


" لم لا تباهلنا بأهل الكرامة، والكبر وأهل الشارة ممن آمن بك واتبعك؟!! ". فانطلق الرسول (ص) يؤكد لهم أن أهل بيته أفضل بيته أفضل الخلق عند الله قائلا: " أجل أباهلكم بهؤلاء خير أهل الارض وأفضل الخلق ". فذهلوا، وعرفوا أن الرسول (ص) علي حق، وقفلوا راجعين الي الاسقف زعيمهم يستشيرونه في الامر قائلين له: " يا أبا حارثة ماذا تري في الامر؟ " " أري وجوها لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلا من مكانه لازاله " ولا يكتفي بذلك، وانما دعهم قوله بالبرهان، واليمين قائلا: " أفلا تنظرون محمدا رافعا يديه، ينظر ما تجيئان به، وحق المسيح - إن نطق فوه بكلمة - لا نرجع الي أهل، ولا الي مال!!! ". وجعل ينهاهم عن المباهلة ويهتف فيهم قائلا: " ألا ترون الشمس قد تغير لونها، والافق تنجع فيه السحب الداكنة والريح تهب هائجة سوداء، حمراء، وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان، لقد أطل علينا العذاب، انظروا الي الطير وهي تقئ حواصلها والي الشجر كيف تتساقط أوراقها، والي هذه الارض كيف ترجف تحت أقدامنا!!! ". لقد غمرتهم تلك الوجوه العظيمة، رأوا بالعيان ما لها من مزيد الفضل والكرامة عند الله، ويتدارك النصاري الامر فاسرعوا الي النبي صلي الله عليه وآله قائلين: " يا أبا القاسم. إقلنا اقال الله عثرتك ". ويخضعون لما شرطه النبي (ص) عليهم، وأعلن بعد ذلك أنهم لو استجابوا للمباهلة لهلكت النصاري قائلا:


" والذي نفسي بيده ان العذاب تدلي علي أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولاستأصل الله نجران وأهله، حتي الطير علي الشجر، وما حال الحول علي النصاري كلهم... " [3] .

وأوضحت هذه الحادثة الخطيرة مدي أهمية أهل البيت (ع) وأنهم لا مثيل لهم في المجتمع الاسلامي الحافل آنذاك بالمجاهدين والمكافحين في سبيل الاسلام ولو أن النبي (ص) وجد من هو خير منهم ورعا وتقوي لاختارهم للمباهلة، بل لو كان هناك من يساويهم في الفضل لامتنع أن يقدم أهل بيته عليهم لقبح الترجيح بلا مرجح - كما يقول علماء الاصول - كما أنه (ص) لم ينتدب للمباهلة أحدا من عشيرته الاقربين فلم يدع صنو أبيه وعمه العباس بن عبد المطلب، ولم يدع أحدا من ابناء الهاشميين ليضمه إلي سبطيه وكذلك لم يدع واحدة من امهات المؤمنين وهن كن في حجراته بل لم يدع شقيقة أبيه صفية ولا غيرها ليضمها إلي بضعته سيدة نساء العالمين ولم يدع غيرها من عقائل الشرف وخفرات عمرو العلي وشيبة الحمد ولا واحدة من نساء الخلفاء الثلاثة وغيرهم من المهاجرين والانصار، وجميع أسرته كانوا بمرأي منه ومسمع، والغرض من ذلك التدليل علي فضل أهل بيته وعظيم شأنه عند الله " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ". يقول الامام شرف الدين رحمه الله... " وأنت تعلم أن مباهلته (ص) بهم والتماسه منهم التأمين علي دعائه بمجرده لفضل عظيم، وانتخابه إياهم لهذه المهمة العظيمة، واختصاصهم بهذا الشأن الكبير، وايثارهم فيه علي من سواهم من أهل السوابق، فضل علي فضل لم يسبقهم اليه سابق ولن


يلحقهم فيه لاحق، ونزول القرآن العزيز آمرا بالمباهلة بهم بالخصوص فضل ثالث، يزيد فضل المباهلة ظهورا، ويضيف إلي شرف اختصاصهم بها شرفا، والي نوره نورا " [4] .

كما دلت الآية - بوضوح - علي أن الامام أمير المؤمنين هو نفس رسول الله (ص) ورسول الله أفضل من جميع خلق الله فعلي كذلك بمقتضي المساواة بينهما، وقد أدلي بهذا الفخر الرازي في تفسيره الكبير قال: " كان في الري رجل يقال له محمد بن الحسن الحمصي، وكان معلم الاثني عشرية وكان يزعم أن عليا أفضل من جميع الانبياء سوي محمد (ص) واستدل علي ذلك بقوله تعالي: " وأنفسنا وأنفسكم " إذ ليس المراد بقوله: " وأنفسنا " نفس محمد (ص)، لان الانسان لا يدعو نفسه بل المراد غيرها، وأجمعوا علي أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب، فدلت الآية علي أن نفس علي هي نفس محمد، ولا يمكن أن يكون المراد أن هذه النفس هي عين تلك، فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس، وذلك يقتضي المساواة بينهما في جميع الوجوه، تركنا العمل بهذا العموم في حق النبوة، وفي حق الفضل بقيام الدلائل علي أن محمدا (ص) كان نبيا، وما كان علي كذلك، ولانعقاد الاجماع علي أن محمدا (ص) كان أفضل من علي فبقي ما وراءه معمولا به، ثم الاجماع دل علي أن محمدا (ص) كان أفضل من سائر الانبياء (ع) فيلزم أن يكون علي أفضل من سائر الانبياء... " [5] .



پاورقي

[1] سورة آل عمران: آية 60.

[2] تفسير الرازي 2 / 699، تفسير البيضاوي (ص 76) تفسير الکشاف 1 / 49، تفسير روح البيان 1 / 457، تفسير الجلالين 1 / 35، صحيح الترمذي 2 / 166، سنن البيهقي 7 / 63، صحيح مسلم کتاب فضائل الصحابة، مسند أحمد بن حنبل 1 / 185، مصابيح السنة للبغوي 2 / 201، سير أعلام النبلاء 3 / 193.

[3] نور الابصار (ص 100).

[4] الکلمة الغراء (ص 184).

[5] تفسير الرازي 2 / 488.