بازگشت

البيئة


وأجمع المعنيون في البحوث التربوية والنفسية علي أن البيئة من أهم العوامل التي تعتمد عليها التربية في تشكيل شخصية الطفل واكسابه الغرائز والعادات، وهي مسؤولة عن أي انحطاط أو تأخر للقيم التربوية، كما أن استقرارها، وعدم اضطراب الاسرة لهما كبير في استقامة سلوك النشئ ووداعته، وقد بحثت مؤسسة اليونسكو في هيئة الامم المتحدة عن المؤثرات الخارجة عن الطبيعة في نفس الطفل، وبعد دراسته مستفيضة قام بها الاختصاصيون قدموا هذا التقرير: " مما لا شك فيه أن البيئة المستقرة سيكولوجيا، والاسرة الموحدة التي يعيش أعضاؤها في جو من العطف المتبادل هي أول أساس يرتكز عليه تكيف الطفل من الناحية العاطفية، وعلي هذا الاساس يستند الطفل فيما بعد في تركيز علاقاته الاجتماعية بصورة مرضية، أما اذا شوهت شخصية الطفل بسوء معاملة الوالدين فقد يعجز عن الاندماج في المجتمع... " [1] .

ان استقرار البيئة وعدم اضطرابها من أهم الاسباب الوثيقة في تماسك شخصية الطفل وازدهار حياته، ومناعته من القلق، وقد ذهب علماء النفس إلي أن اضطراب البيئة وما تحويه من تعقيدات، وما تشتمل عليه من أنواع الحرمان كل هذا يجعل الطفل يشعر بأنه يعيش في عالم متناقض ملئ بالغش والخداع والخيانة والحسد وأنه مخلوق ضعيف لا حول له، ولا قوة تجاه


هذا العالم العنيف... [2] وقد عني الاسلام بصورة ايجابية في شؤون البيئة فأرصد لاصلاحها وتطورها جميع أجهزته وطاقاته، وكان يهدف قبل كل شئ أن تسود فيها القيم العليا من الحق والعدل والمساواة، وأن تتلاشي فيها عوامل الانحطاط والتأخر من الجور والظلم والغبن، وأن تكون آمنة مستقرة خالية من الفتن والاضطراب حتي تمد الامة بخيرة الرجال وأكثرهم كفاءة، وانطلاقا في ميادين البر والخير والاصلاح. وقد انتخب البيئة الاسلامية العظماء والافذاذ والعباقرة المصلحين الذين هم من خيرة ما أنتجته الانسانية في جميع مراحل تاريخها كسيدنا الامام أمير المؤمنين (ع) وعمار بن ياسر، وأبي ذر وأمثالهم من بناة العدل الاجتماعي في الاسلام. لقد نشأ الامام الحسين (ع) في جو تلك البيئة الاسلامية الواعية التي فجرت النور وصنعت حضارة الانسان، وقادت شعوب الارض لتحقيق قضاياها المصيرية، وأبادت القوي التي تعمل علي تأخير الانسان، وانحطاطه تلك البيئة العظيمة التي هبت إلي ينابيع العدل تعب منها فتروي وتروي الاجيال الظامئة. وقد شاهد الامام الحسين وهو في غضون الصبا ما حققته البيئة الاسلامية من الاتنصارات الرائعة في اقامة دولة الاسلام، وتركيز أسسها، وأهدافها وبث مبادئها الهادفة إلي نشر المودة والدعة والامن بين الناس. هذه بعض المكونات التربوية التي توفرت للامام الحسين (ع) وقد أعدته ليكون الممثل الاعلي لجده الرسول (ص) في الدعوة إلي الحق، والصلابة في العدل.



پاورقي

[1] أثر الاسرة والمجتمع في الاحداث الذين هم دون الثالثة عشرة مؤسسة اليونسکو (ص 35).

[2] التکيف النفسي (ص 22).