بازگشت

تربية الامام له


أما الامام علي (ع) فهو المربي الاول الذي وضع أصول التربية، ومناهج السلوك، وقواعد الآداب، وقد ربي ولده الامام الحسين (ع) بتربيته المشرقة فغذاه بالحكمة، وغذاه بالعفة والنزاهة، ورسم له مكارم الاخلاق والآداب، وغرس في نفسه معنوياته المتدفقة فجعله يتطلع إلي الفضائل حتي جعل اتجاهه السليم نحو الخير والحق، وقد زوده بعدة وصايا حافلة بالقيم الكريمة والمثل الانسانية ومنها هذه الوصية القيمة الحافلة بالمواعظ والآداب الاجتماعية وما يحتاج اليه الناس في سلوكهم، وهي من أروع


ما جاء في الاسلام من الاسس التربوية التي تبعث علي التوازن، والاستقامة في السلوك قال عليه السلام: " يا بني أوصيك بتقوي الله عزوجل في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا [1] والقصد في الغني والفقر، والعدل في الصديق والعدو والعمل في النشاط والكسل، والرضا عن الله تعالي في الشدة والرخاء. يا بني ما شر بعده الجنة بشر، ولا خير بعد النار بخير، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية... اعلم يا بني أن من أبصر عيب نفسه شغل عن غيره، ومن رضي بقسم الله تعالي لم يحزن علي ما فاته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر بئرا وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره انكشف عورات بيته، ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن كابد الامور عطب، ومن اقتحم البحر غرق، ومن أعجب برأيه ضل ومن استغني بعقله زل، ومن تكبر علي الناس ذل، ومن سفه عليهم شتم، ومن دخل مداخل السوء اتهم، ومن خالط الانذال حقر، ومن جالس العلماء وقر، ومن مزح استخف به، ومن اعتزل سلم، ومن ترك الشهوات كان حرا، ومن ترك الحسد كان له المحبة من الناس. يا بني عز المؤمن غناه عن الناس، والقناعة مال لا ينفذ ومن اكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه، العجب ممن خاف العقاب ورجا الثواب فلم يعمل، الذكر نور والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، والسعيد من وعظ بغيره، والادب خير ميراث، وحسن الخلق خير قرين. يا بني ليس من قطيعة الرحم نماء، ولا مع الفجور غني،... يا بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله، وواحد في ترك


مجالسة السفهاء، ومن تزين بمعاصي الله عزوجل في المجالس ورثه ذلا من طلب العلم علم. يا بني رأس العلم الرفق وآفتة الخرق، ومن كنوز الايمان الصبر علي المصائب، العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغني، ومن أكثر من شئ عرف به، ومن كثر كلامه كثر خطأوه، ومن كثر خطأوه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار. يا بني لا تؤيسن مذنبا فكم من عاكف علي ذنبه ختم له بالخير، ومن مقبل علي عمله مفسد له في آخر عمره صار إلي النار من تحري القصد خفت عليه الامور. يا بني كثرة الزيارة تورث الملالة، يا بني الطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم، اعجاب المرء بنفسه دليل علي ضعف عقله. يا بني كم من نظرة جلبت حسرة، وكم من كلمة جلبت نعمة، لا شرف أعلي من الاسلام ولا كرم أعلي من التقوي، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا مال أذهب للفاقة من الرضي بالقوت، ومن اقتصر علي بلغة الكفاف تعجل الراحة، وتبوأ حفظ الدعة، الحرص مفتاح التعب، ومطية النصب وداع إلي التقحم في الذنوب، والشر جامع لمساوئ العيوب، وكفي أدبا لنفسك ما كرهته من غيرك، لاخيك مثل الذي عليك [2] لك، ومن تورط في الامور من غير نظر في الصواب فقد تعرض لمفاجأة النوائب، التدبير قبل العمل يؤمنك الندم، من استقبل وجوه العمل والآراء عرف مواقع الخطأ، الصبر جنة من الفاقة، في خلاف النفس رشدها، الساعات


تنقص الاعمار، ربك للباغين من أحكم الحاكمين، وعالم بضمير المضمرين بئس الزاد للمعاد العدوان علي العباد، في كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص، لا تنال نعمة إلا بفراق أخري، ما أقرب الراحة من التعب، والبؤس من النعيم، والموت من الحياة، فطوبي لمن أخلص لله تعالي علمه وعمله وحبه وبغضه وأخذه وتركه، وكلامه وصمته، وبخ بخ لعالم علم فكف، وعمل فجد وخاف التباب [3] فأعد واستعد، إن سئل أفصح، وان ترك سكت، كلامه صواب، وصمته من غير عي عن الجواب، والويل كل الويل لمن بلي بحرمان وخذلان وعصيان، واستحسن لنفسه ما يكرهه لغيره، من لانت كلمته وجبت محبته، من لم يكن له حياء ولا سخاء فالموت أولي به من الحياة، لا تتم مرؤة الرجل حتي لا يبالي أي ثوبيه لبس، ولا أي طعاميه أكل " [4] .

وحفلت هذه الوصية بآداب السلوك وتهذيب الاخلاق، والدعوة إلي تقوي الله التي هي القاعدة الاولي في وقاية النفس من الانحراف والآثام وتوجيهها الوجه الصالحة التي تتسم بالهدي والرشاد.


پاورقي

[1] في نسخة في الرضا والغضب.

[2] هکذا في الاصل ولعل الصواب (عليه).

[3] التباب: الهلاک والخسران، ومنه قوله تعالي: " تبت يدا أبي لهب ".

[4] الاعجاز والايجاز (ص 33).