بازگشت

الوراثة


حددث الوراثة بانها مشابهة الفرع لاصله، ولا تقتصر علي المشابهة في المظاهر الشكلية وإنما تشمل الخواص الذاتية، والمقومات الطبيعية، كما نص علي ذلك علماء الوراثة وقالوا: أن ذلك أمر بين في جميع الكائنات الحية فبذور القطن تخرج القطن، وبذور الزهرة تخرج الزهرة، وهكذا غيرها، فالفرع يحاكي أصله ويساويه في خواصه، وأدق صفاته، يقول (مندل): " ان كثيرا من الصفات الوراثية تنتقل بدون تجزئة أو تغير من أحد الاصلين أو منهما إلي الفرع... ". وأكد هذه الظاهرة " هكسلي " بقوله: " إنه ما أثر أو خاصة لكائن عضوي إلا ويرجع إلي الوراثة أو إلي البيئة فالتكوين الوراثي يضع الحدود لما هو محتمل، والبيئة تقرر أن هذا


الاحتمال سيتحقق، فالتكوين الوراثي اذن ليس إلا القدرة علي التفاعل مع أية بيئة بطريق خاص... ". ومعني ذلك أن جميع الآثار والخواص التي تبدو في الاجهزة الحساسة من جسم الانسان ترجع إلي العوامل الوراثية وقوانينها، والبيئة تقرر وقوع تلك المميزات وظهورها في الخارج، فاذن ليست البيئة إلا عاملا مساعدا للوراثة، حسب البحوث التجربية التي قام بها الاختصاصيون في بحوث الوراثة. وعلي أي حال فقد أكد علماء الوراثة بدون تردد أن الابناء والاحفاد يرثون معظم صفات آبائهم وأجدادهم النفسية والجمسية، وهي تنتقل اليهم بغير ارادة ولا اختيار، وقد جاء هذا المعني صريحا فيما كتبه الدكتور " الكسيس كارل " عن الوراثة بقوله: " يمتد الزمن مثلما يمتد في الفرع إلي ما وراء حدوده الجسمية.. وحدوده الزمنية ليست اكثر دقة ولا ثباتا من حدوده الاتساعية، فهو مرتبط بالماضي والمستقبل، علي الرغم من أن ذاته لا تمتد خارج الحاضر... وتأتي فرديتنا كما نعلم إلي الوجود حينما يدخل الحويمن في البويضة. ولكن عناصر الذات تكون موجودة قبل هذهه اللحظة ومبعثرة في أنسجة أبوينا وأجدادنا وأسلافنا البعيدين جدا لانا مصنوعون من مواد آبائنا وأمهاتنا الخلوية. وتتوقف في الماضي علي حالة عضوية لا تتحلل... وتحمل في انفسنا قطعا ضئيلة لاعداد من أجسام أسلافنا، وما صفاتنا ونقائصنا إلا امتداد لنقائصهم وصفاتهم... " [1] .

وقد اكتشف الاسلام - قبل غيره - هذه الظاهرة، ودلل علي فعاليتها، في التكوين النفسي والتربوي للفرد، وقد حث باصرار بالغ علي


أن تقوم الرابطة الزوجية علي أساس وثيق من الاختيار والفحص عن سلوك الزوجين، وسلامتهما النفسية والخلقية من العيوب والنقص، ففي الحديث " تخيروا لنطفتكم فان العرق دساس " وأشار القرآن الكريم إلي ما تنقله الوراثة من أدق الصفات قال تعالي حكاية عن نبيه نوح: " رب لا تذر علي الارض من الكافرين ديارا. إنك أن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا. " [2] فالآية دلت بوضوح علي انتقال الكفر والالحاد بالوراثة من الآباء إلي الابناء، وقد حفلت موسوعات الحديث بكوكبة كبيرة من الاخبار التي أثرت عن أئمة أهل البيت (ع) وهي تدلل علي واقع الوراثة وقوانينها وما لها من الاهمية البالغة في سلوك الانسان، وتقويم كيانه. علي ضوء هذه الظاهرة التي لا تشذ في عطائها نجزم بأن سبط الرسول صلي الله عليه وآله قد ورث من جده الرسول (ص) صفاته الخلقية والنفسية، ومكوناته الروحية التي امتاز بها علي سائر النبيين، وقد حدد كثير من الروايات مدي ما ورثه هو وأخوه الامام الحسن من الصفات الجسمية من جدهما النبي (ص) فقد جاء عن علي (ع) أنه قال: " من سره أن ينظر إلي أشبه الناس برسول الله (ص) ما بين عنقه وشعره فلينظر إلي الحسن، ومن سره أن ينظر إلي أشبه الناس برسول الله (ص) ما بين عنقه إلي كعبه خلقا ولونا فلينظر إلي الحسين " [3] وفي رواية أنه كان أشبه النبي ما بين سرته إلي قدمه [4] وكما ورث هذه الظاهرة من جده فقد ورث منه مثله وسائر نزعاته وصفاته.



پاورقي

[1] النظام التربوي في الاسلام (ص 61 - 62).

[2] سورة نوح: 26 و 27.

[3] المعجم الکبير للطبراني مخطوط بخط العلامة السيد عزيز الطباطبائي اليزدي.

[4] المنمق في أخبار قريش (499).