بازگشت

بين يديك يا انشودة الاحرار


تمثلت يومك يوم الطفوف، وأنت ترفع الضحايا من أهل بيتك وأصحابك قرابين خالصة لوجه الله إيمانا منك بأن الاسلام لا يمكن أن ينتصر في كفاحه ضد قوي البغي والالحاد إلا بالتضحية الفذة التي لا يقوي علي ادائها سواك. لقد استطعت أيها الفاتح العظيم أن تملي إرادتك علي صفحات هذا الكون وتعالج المشاكل الرهيبة التي مني بها عصرك بالحلول المطلوبة، لكن ذلك قام بدمك القاني المعطر بشذي الرسالة ووحي السماء فدمرت أولئك الاقزام من حكام بني أمية الذين اغتالوا الاصلاح الاجتماعيي، ودفعوا الناس إلي السراب السياسي، وتاجروا بمقومات الامة ومقدراتها، وقذفوا بها في متاهات سحيقة لا حد لها من الانحطاط والجهل والتأخر، حتي توارت فكرة النور التي أو قد سناها الرسول (ص) وحلت محلها الوثنية القرشية فعقد لها في كل جامع ومنتدي من بلاد المسلمين صنم يقذف بشواظ من نار لاذابة هدي العقيدة، وتدمير المثل العليا، وتجريد الامة من عناصرها الخلاقة وأفكارها الاصيلة، حتي توارت بوارق النهضة الفكرية والاجتماعية وكادت تنطوي رسالة الاسلام بقيمها ومثلها ومكوناتها.


وانبعث صوتك - أيها الفاتح العظيم - فاستوعب صداه جميع أنحاء العالم الاسلامي، وهو ينادي بفجر جديد ويوم جديد ليستأنف فيه الانسان المسلم رسالته، ويبدأ تأريخه، ويبني كرامته، ويعدل سلوكه، وينفض عنه غبار الذل، وعار العبودية، وينطلق في ميادين التحرر ليساهم في بناء الحضارة ويدخل موكب التاريخ. لقد تحدي أبوالاحرار بثورته الكبري الطبيعة البشرية التي هي أسيرة الغرائز والعواطف، فقد تحرر منها، ولم يعد لها أي حكم أو سلطان عليه، وقد مكنته قواه الروحية في ذاتية مذهلة أن يشق طريقه الخالد ليحقق المعجز، ويقول كلمة الله بايمان لا حد لابعاده. إنه الايمان الذي هيمن علي جميع مناحي تفكيره ومقومات ذاتياته فهون عليه أهوال تلك الكوارث التي تذوب منها القلوب، ويقف الفكر أمامها هائما وهو حسير... فقد رأي أصحابه الذين هم من أصدق وأنبل وأوفي من عرفهم التاريخ الانساني يتسابقون إلي الموت بين يديه... رأي الكواكب من أهل بيته وأبنائه، وهم في غضارة العمر وريعان الشباب تتناهب أشلاءهم السيوف والرماح. رأي حرم الرسالة ومخدرات النبوة تعج من ألم الرزايا وتستغيث به من أليم العطش والظمأ القاتل وهو لا يجد سبيلا لانقاذهن فوقف السبط أمام هذه الخطوب التي تذهل كل كائن حي، فقال كلمته الخالدة التي نمت عن


عمق الايمان وروعة التصميم: " هون ما نزل بي أنه بعين الله... ". أجل بعين الله رزاياك، وفي سبيل الاسلام ما عانيته من أهوال تلك الكوارث والخطوب. سيدي أبا الاحرار. لقد عوضك الله عما قاسيته من ضروب المحن، وصنوف البلاء أنواع الكرامة، فمنحك في الدار الآخرة الفردوس الاعلي، وأنزلك به منزلا كريما تتبوأ به حيثما شئت وجعلك سيد شباب أهل الجنة، والشفيع المطاع. وأما في هذه الدار الفانية فقد جعل ذكرك فيها نديا خالدا، والدنيا بأسرها خاضعة لك، فأنت حديث الدهر مهما تطاولت لياليه أياما وصرن لياليا. وأما خصومك فقد تمزقوا كل ممزق، ودفنهم التاريخ في مجاهل سحيقة من الخزي والعار ولعنة الناس. لقد بقيت أنت وحدك ملء فم الدنيا ورهن الخلود وأنشودة الاحرار في كل جبل وعلما يهتدي بك المصلحون في تحقيق ما ينفع الناس.