بازگشت

الصلح مع يزيد


كان يزيد يحقد علي الحسين (عليه السلام) اُموراً كثيرة، غير ما كان فيه من تضاغن وحقد لآبائه، علي الإسلام والمسلمين. ونحن نذكر أهمّها موقعية في التاريخ وأحزمها حقداً علي يزيد: (فمنها): صدّه عن نيل أوطاره وإظهار فحشائه، والإنكار عليه في كلّ المجالات، وكان هذا ممّا يغيضه كثيراً؛ لأنّه كان يري الحسين ـ وهو (لع) ابن الخليفة ـ رجلا من الاُمّة، وهو سلطانها، ولكن كلّما أراد أن يحمل علي الإمام ـ حملة الذئب ـ منعه أبوه الداهية عن ذلك. ومن الموارد التاريخيّة التي تنبيء عن عظمة الحسين (عليه السلام) وحقيقته وفضيلته، وعن رذالة معاوية، وإبنه: قصّة اُرينب بنت إسحاق القرشي. وذلك انّ يزيد كان يتحرّي أخبار الفتيات الحسان فسمع يوماً بحسن اُرينب، وكمال جمالها؛ فرغب فيها، وكان يتحيّن الفرصة لإخبار أبيه برغبته، وبينا ذلك، تزوّجها ابن عمّها ـ عبدالله بن سلام ـ فاشتدّ ذلك علي يزيد، وأخبر أباه بأمره، وما اعتراه من الغمّ. فأمره بكتمان أمره وأرسل إلي عبدالله بن سلام أن يأتي إلي الشام؛ فلما استقرّ به المقام: أرسل إليه أبا هريرة، يخبره بأنّ معاوية يرغب في مصاهرته، فرحّب عبدالله بذلك كثيراً. وأخبر أبو هريرة معاوية بذلك؛ فقال له معاوية: سرّ ياأبا هريرة إلي إبنتي، وأخبرها برغبتي فانّ الاقدام علي ما فيه رضاها أحوط (وكان قد تكلّم معها: بم تجيب؟)؛ فلمّا أتاها أبو هريرة، وأخبرها برغبة؛ أبيها؛ أجابت إلي ما رأوا لها، ولكنّها قالت:


انّي أخشي وجود زوجته اُرينب؛ فيدركني ما يدرك المرأة من الضرّة. فخرج أبو هريرة إلي عبدالله بالخبر، واستقرّ الرأي علي طلاق اُرينب؛ فطلّقها عبدالله، وبعد ما توثّق معاوية من الطلاق: أرسل أبا هريرة إلي اُرينب؛ ليخبرها بأمر زوجها، ويزوّجها من يزيد؛ فذهب أبو هريرة إلي الكوفة، ومرّ فيها علي الحسين بن علي (سبط رسول الله) فاحتفل به الإمام، واستخبره مجيئه، فأعلمه الخبر؛ فناشده ـ الحسين ـ الله: أن يذكره عندها؛ فأجاب أبو هريرة، وصار إليها.. وأخبرها بخبر زوجها، فبكت وجزعت، وبعد أن هدأت أعلمها بأنّ معاوية يستنكحها من إبنه يزيد، والحسين بن علي (عليه السلام)يريدها لنفسه فرغبت في الحسين سبط الرسول وتزوّجها.

وإلي هنا إنقطع أمل معاوية.. وانظر إلي عظمة حسين المجد والخلود فيما فعل: ولمّا عاد عبدالله بن سلام المخدوع إلي الكوفة طلب من الحسين: أن تردّ عليه اُرينب وديعته التي أودعها عندها، وصدّقته اُرينب علي ذلك؛ فأمره الحسين أن يستلم وديعته بنفسه كما أودعها بنفسه، ولمّا ترآي عبدالله واُرينب: جعلا يبكيان، بكاء تحسّر وحزن؛ وهناك نطق الحسين المجد والعزّ بقوله: أرجعا إلي ما كنتما عليه فإنّي أشهد انّها طالقة وإنّي لم ألمسها، وما أدخلتها في بيتي وتحت نكاحي: إلاّ محافظة لها من يزيد، ومن كيد أبيه.... هذا الحسين. وأمّا معاوية: فانتشر نبأه في الشام بأنّه دعا (عبدالله) إلي الشام، ومكره علي إبنته؛ ليطلّق اُرينب؛ فيزوّجها من إبنه. وذلك هدّ لركن معاوية عند شيعته؛ فما تري مبلغ الحقد الذي يحمله معاوية


وإبنه يزيد في الحسين؟ [1] (ومنها): إبائه (عليه السلام) عن بيعة يزيد وإنكاره تحكيمه علي معاوية، وقد صرّح بذلك في كلّ مجال ومكان، في خطبه ورسائله ومجالسه. وحسبك الكتاب الذي أرسله الإمام إلي معاوية في إستخلافه يزيد، فانّه (عليه السلام) صرّح فيه ممّا احتواه لحمه وشحمه، وما عملته يداه، واستوت عليه فطرته [2] ومعاوية لدهائه، لم ير من صلاحه معارضة الحسين، وتحريك عواطفه. وأمّا يزيد الكفر؛ فلم ير للحسين إلاّ القتل والحرق والإفناء.. ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة..!! والحسين يعلم ذلك كما صرّح به في أقواله مثل قوله: «لو كنت في حجر هامة من هوام الأرض لأستخرجوني ويقتلوني» وقوله لابن عبّاس حين أشار إليه (عليه السلام) بالصلح. «هيهات هيهات يابن عبّاس انّ القوم لن يدعوني، وانّهم يطلبونني أين ما كنت حتّي اُبايعهم كرهاً، أو يقتلونني». وقوله للفرزدق لمّا قال له: ما أعجلك عن الحجّ؟:ـ

ص37 «لو لم أعجل لاُخذت». وقوله لشيخ بني عكرمة: ـ «والله لا يدعوني حتّي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي» فهل بعد هذا كلّه كان له أن يصالح يزيد المتجاهر بالكفر. فتلخّص أهمّ أسباب عدم مبايعته يزيد في اُمور:

(الأوّل): ـ علمه بأنّ يزيد يريد التشفّي منه بقتله، لأحقاده عليه؛ سواء بايعه أم لم يبايعه، صالحه أم لا؛ سواء من اخبار جدّه،


وأبيه، وأخيه، أو من الظواهر التي كانت تدلّ عليه، من تعقيبه بالجيوش أينما ذهب، وأمر الولاة بقتله ومحاربته إلي غير ذلك.

(الثاني): ـ عدم إطمينانه (عليه السلام) بيزيد وأتباعه، وكيف يوثق من شيمتهم الغدر، وسجيّتهم الخيانة. أمّا صالح معاوية الإمام الحسن (عليه السلام) بشروط لم يفِ بواحدة منها؟ ألم يعطوا مسلم بن عقيل الأمان فغدروا به؟

(الثالث):ـ علمه (عليه السلام) بأنّه ان بايع ذهب مجد الدين وعزّه؛

ص38 فانّ بيعته بمعني امضائه أعمال يزيد وبني اُميّة المخالفة لصميم الدين والشريعة، ولذهبت معارف المبدأ والعقيدة هباءاً من دون أثر.

صلح الحسن (عليه السلام) وامّا صلح الإمام الحسين (عليه السلام) مع معاوية فقد كان مقتضي بيئته لأنّه كان في بيئة غير ما كان الحسين فيه، وقد أحسّ من أصحابه الغدر والخيانة ووقع بالعيان منهم ذلك؛ فانّهم راسلوا معاوية بكونهم معه، وانّهم يرسلون الحسن إليه مكبّلا ان أراد؛ بخلاف الإمام الثالث فانّه (عليه السلام) غلبه ظنّ الفوز بالكوفة وبعد علمه بالغدر حصر عليه الطريق وصدّ عن الرجوع؛ فلم ير إلاّ النضال. وامّا الإمام الحسن (عليه السلام) فلم حينئذ إلاّ الصلح والنجاة بأهله وأولاده من القتل من بعد أن شرط تلك الشروط. ومع هذا فلا يقاس معاوية ـ الداهية ـ الذي كان ـ بمكره يحافظ علي ظواهر الشريعة.. بيزيد المتجاهر بفسقه المعلن كفره. وأخيراً: هل كان يصالح يزيد الحسين إلاّ بالبيعة أو القتل؟



پاورقي

[1] اُنظر قصّة اُرينب مفصّلة في الإمامة والسياسة وغيرها من التواريخ والسير.

[2] تجد نصّ الکتاب في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص180.