بازگشت

نتائج تلك النهضة


عوائد حركة الحسين.. ليست كالعوائد الشخصيّة، أو المرهونة بوقت؛ تموت بوفاة، أو فوات، بل هي آثار خالدة ـ تعود إلي المجتمع كلّه ـ خلود الدهر، ومناهج للبشر مدي الأجيال لإعلاء الحقّ وإزهاق الباطل فهي صرخة كانت للحقّ، وكان نتاجها الحقّ، وفوائدها كثيرة يمكن حصر أهمّها فيما يلي: ـ

(الأوّل):ـ صدر الحكم الاُموي الغاشم عن السير علي خططه الهدّامة التي محورها: «محق الإسلام»، وموادّها: «ما ملئت صحف التأريخ»: فمنها: معاداة «معاوية» أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومعارضته إيّاه في جميع الحالات، الأمر الذي أنتج إستهانة الناس بالسيادة الإسلامية «الخلافة»، وأصبحت الاُمّة من جرّاء ذلك لا تعني بعظمائها، ولم يأخذوا أفعالهم مناهج في سيرهم ولم يتّبعوا آثارهم وأقوالهم، ولم ينتهوا بمناهيهم، حتّي انّهم جعلوا القرآن وراء ظهورهم، وعرض بذلك عليهم الذلّ والهوان إلي أن انتبهوا (بصرخة الحقّ).

ومنها: قتلهم، ونفيهم: أصحاب الحقّ والفضيلة والإيمان والجهاد؛ من كلّ صحابي جليل، أو مجاهد قدير، أو آمر بالمعروف، أو ناه عن المنكر. كتبعيد عثمان أبا ذرّ الصحابي الأكبر الصدّيق الأمين إلي الربذة وكسحقه وقتله ابن مسعود الصحابي الكبير ذا المناقب الجمّة. وقتل معاوية عمّار الصابر في سبيل الله، وقتله حجر


بن عدي الصالح التقي ورفاقه الأبرار أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقتله محمّد بن أبي بكر وأشياعه المتّقين. إلي غيرهم من أصحاب أمير المؤمنين؛ أصحاب الحقّ والفضيلة والجرأة، فعلوا كلّ ذلك ليصفو لهم الجوّ حتّي إذا أخلوا الاُمّة منهم.. تسلّطوا عليها ملوكاً إلي أن أخرج الله من ادّخره لإنقاذ دينه: الحسين بن علي فنهض تلك النهضة التي بدّدت كيانهم. ومنها: تأميرهم كلّ فاجر فاسق، وكافر منافق علي الاُمّة المؤمنة يعيثون في الأرض فساداً، ويكثرون في الأرض العتوّ. كتأمير؛ معاوية علي الشام، والوليد علي الكوفة وكأستخلاف معاوية إبنه يزيد. وكتأمير يزيد عبيدالله بن زياد.. إلي غيرهم ممّن يبرأ منهم الحقّ من مجرمي التأريخ.

ومنها عداؤهم لأهل البيت ـ النبوي ـ وسعيهم في تحطيم شوكتهم، والجدّ في إبادتهم، وإهانتهم بشتّي الأسباب من قتل وسبّ وغصب وتشريد وهتك حرمه إلي غيرها من الإرهابات التي تحطّ من شأنهم وقوّتهم. فكانت ثورة أبي عبدالله بتراً لحكمهم، وصدّاً لهم، وردعاً لعدائهم. وبثورته (عليه السلام) تنبهّت الاُمّة إلي التأخّر الذي أوقعه الحكم الاُموي في مجتمعهم؛ فتمسّكوا بأهل البيت، واتّبعوا الحقّ.

(الثاني): كشف الحجب عن أعمال تلك السياسة ـ السوداء ـ، وإبانة المقاصد الخبيثة التي أكنّوها في أعماقهم ـ لإصابة الإسلام والمسلمين. فأحرق (عليه السلام) تلك الأغشية الخلاّبة الخدّاعة، التي نصبوها ستراً لقبائحهم، ومنكراتهم؛ بلهب ثورة شعّ نوره حتّي أوضح الحقائق للعالم. تلك ثورة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) كانت ـ


بدواً وختاماً ـ فضيحة لبني اُميّة. أمّا ابتداءً. فإخراج سيّد شباب أهل الجنّة من مقرّه إلي العراق، وحصر الطريق عليه، وصدّه عن الرجوع، أو دخوله أحد بلدان المسلمين يكون كأحدهم. ثمّ بعد الحصر ـ في أرض الشهادة ـ اعمال العنف والظلم الشديدين عليه وعلي أهل بيته وأطفاله؛ مع منع الماء عنهم ثلاثاً بلياليها في ذلك الموقف حيث الحرّ، والغربة في القفر، وهكذا في مقاتلة النفر النزر بأشنع محاربة وأفضع قساوة. وأمّا ختاماً: فحرق مأوي حرائر الرسول (صلي الله عليه وآله) الثواكل وذريّته حيث لا مقرّ ولا مأوي، وسبيهم من «الطفّ» بأبشع صورة إلي «الكوفة»، ثمّ إلي «الشام». وإهانتهم في الطرق والمجالس؛ كأنّهم سبايا الترك، أو الديلم... إلي غير ذلك من المظالم والفجور. فهذا كلّه أثّر في أنفس الاُمّة، وأنتج المقصود من إبادتهم وإجتثاث اُصولهم.

(الثالث): بثّ روح الحركة، والشعور بالمسؤولية في أنفس المصلحين من المؤمنين، وتنبيه الغافلين عن التأخّر إلي التقدّم والسعادة.

وكذلك حفّزت المنكرين علي يزيد فحشاءه الشنيع، وبذيه الذريع، إلي الإصلاح وزادتهم قوّة، وعزماً؛ فما مضت برهة من الزمن علي ثورته؛ إلاّ والمصلحون يثبون للإصلاح في وجه الاُمويين، والمنكرون يعلنون الإباء ضدّ حكمهم. فاقتفي بالحسين (عليه السلام) أهل المدينة في واقعة (الحرّة)، وعبدالله بن الزبير، والمختار بن عبيدة الثقفي، وابن الأشتر النخعي، والتوّابون، وزيد بن علي الشهيد، والحسين بن علي شهيد فخّ. إلي غيرهم من المصلحين في ثوراتهم


التي استحوت النضال ضدّ الباطل من ثورة أبي عبدالله الحسين (عليه السلام). (الرابع): إحياء العزم والقوّة اللذين ماتا ـ تلك الفترة ـ. في المسلمين ـ ذلك العزم الذي استولوا به علي نصف المعمورة وتلك القوّة التي زلزلوا بها عرش الروم. فانّه (عليه السلام) أعاد بثورته ذلك الخلق السامي إليهم... فأخذوا يجاهدون في سبيل الله، وينبذون الباطل وأوليائه، ويتّبعون الحقّ ودعاته. وأخيراً.. فثورته ينبوع خير أفاضه علينا لنعيش في نعمائه سعداء، ومنار قدس مضيء لنسير عليه في الحياة برغد. وهي جهاد روحي متواصل ضدّ الظلم تبقي آثارها مع الحياة ليجعلها كلّ من يريد الإصلاح، نصب عينيه، شعاراً ينهج علي سبيله.