بازگشت

السقاية الأولي


ذكر عامة أرباب المقاتل، أن أهل الكوفة منعوا الحسين عليه السلام من الوصول الي الشريعة ثلاثة أيام، لذلك أورد أبومخنف في المقتل الصغير، و سبط ابن الجوزي في التذكرة، شهادة العباس يوم السابع من المحرم، و لكن المروي عن السيدة سكينة - بنت الحسين عليهاالسلام أنها قالت: عز ماؤنا يوم التاسع، و هو الأوفق الأصوب، لأن استعداد الحسين عليه السلام بالماء حسبما سمعت، يكفي لسد حاجاتهم ثلاثة أيام فتشتد حاجتهم له ليلة العاشرة. و في كلام أبي حنيفة الدينوري في «الأخبار الطوال»: أن بقايا ماء بقيت عندهم لليوم العاشر، ذكر ذلك ص 255 في مقتل الحسين عليه السلام و نصه: و بقي مليا جالسا، و لو شاؤوا أن يقتلوه قتلوه، غير أن كل قبيلة كانت تتكل علي غيرها، و تكره الاقدام علي قتله، و عطش


الحسين عليه السلام، فدعي بقدح من ماء، فلما وضعه في فيه، رماه الحصين بن نمير بسهم، فأدخله في فمه، و حال بينه و بين شرب الماء، فوضع القدح من يده، و لما رأي القوم قد أحجموا عنه، قام يتمشي علي المسناة نحو الفرات، فحالوا بينه و بين الماء، فانصرف الي موضعه الذي كان فيه الي آخره.

و هذا القول في غاية الشذوذ و الغرابة، لاتفاق المؤرخين أنه عليه السلام قدم طفله الرضيع الي الأعداء، طالبا له منهم الماء لشدة ظمأ الطفل، و أنه قد أشرف علي الموت من العطش، فلو كان في خيامه قدح ماء آثر به الطفل، و ما احتاج الي طلب من أجلاف أنذال. قال سبط ابن الجوزي في التذكرة ص 141: لما رحل الحسين عليه السلام من القادسية، وقف يختار مكانا ينزل فيه، و اذا سواد الخيل أقبل كالليل، كأن راياتهم أجنحة النسور، و أسنتهم اليعاسيب، فنزلوا مقابلهم و منعوهم الماء ثلاثة أيام. ثم قال بعد أسطر: و لما اشتد العطش بالحسين عليه السلام و أصحابه، بعث بالعباس بن علي أخيه، الي المشارع في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا، فاقتتلوا عليه و لم يمكنوهم من الوصول اليه، انتهي. و فيه شذوذ أيضا من جهة اتفاق المؤرخين، أنه عليه السلام وصل الي الماء و أوصله الي الحسين عليه السلام؛ صرح بذلك الطبري و غيره. و هذا السيد الداودي قد سقط سقطة فاضحة، حيث قال في «عمدة الطالب» ص 323: يكني أباالفضل و يلقب السقاء، لأنه استسقي الماء لأخيه الحسين عليه السلام يوم الطف، و قتل دون أن يبلغه اياه، الي آخره.

و في هذا الكلام غلط و اشتباه. أما الغلط، فلأنه زعم أنه سمي سقاء لسقايته له مرة واحدة ثم نفاها، و كيف يسمي انسان بما لم يفعل، و انما عزم علي الفعل، و هذا غلط؛ لا يسمي الرسول رسولا حتي ينفذ بالرسالة، و لا الضارب ضاربا حتي يقع منه الضرب.

«أما الاشتباه» فلظنه أنه عليه السلام ما استسقي الا عند قرب مقتله، و هذا اشتباه قطعا، لأنه استسقي قبل مقتله اتفاقا، و ان اختلفوا في هذه السقاية، هل كانت ليلة العاشر، أم نهار العاشر؟ فذهب الي كل فريق. و يلزمنا هنا بيان أمر يدل علي فائدة الامعان في التاريخ الذكي، فيستخرج منها المعاني الصحيحة المخبأة في عناوين الآثار. فنقول:


ان في قول القائلين في سقاية العباس الأكبر عليه السلام التي صحبه فيها نافع بن هلال البجلي كانت ليلا، و أن أباالفرج و من وافقه قد و هموا في ذلك، فجعلوها نهارا، يدلنا علي ذلك اجتماع الأقوال علي أن أهل الكوفة قد عاجلوا الحسين عليه السلام بالقتال عند أول ظهور نور الفجر، حتي أنه عليه السلام غسل في الصلاة بأصحابه، لأن أهل الغدر ينتظرون بهم انقضاء الأجل في الموادعة الموقتة، و هي سواد الليلة العاشرة، فالتحمت الحرب مع تألق ضوء الصبح، و اشتبك القتال و الأصحاب في مراكزهم. و يدلنا اتفاق المؤرخين، أن الحسين عليه السلام أفرد خيمة يغتسل فيها هو و أصحابه لأجل أن يحيوا ليلتهم بالعبادة، و ازدحم أصحابه علي بابها ينتظرون خروجه ليطلوا و يغتسلوا و هم يتسابقون علي التبرك بالفاضل منه. و صريح عامة الأقوال، وقوع الاغتسال تلك الليلة، مع الاتفاق: أن الماء عز عندهم يوم التاسع، حتي لم يبق ما يكفي للشرب، فلو لا الاتيان بالماء ليلا، لما وقع الاغتسال. و اتفق المؤرخون أيضا، أنه لم تسنح فرصة في نهار العاشر لأي عمل كان، لاشتغال الأنصار بالحملات و المحاماة و المدافعة عن حشاشة الامام عليه السلام، فألهتهم تلك الحالة عن كل شي ء، لأن حفظه عليه السلام أهم الواجبات.

و العباس عليه السلام واقف في مركز القلب لا يتحلحل، و لن يزل عن موقفه تجاه الحسين عليه السلام، بيده اللواء يخفق، اذ مادام العلم ثابتا في مركزه، فقلوب المجاهدين طامنة و ادعة، فلو زال لاختل النظام العسكري، و اختلف الترتيب، و ضعف عزم صاحب العزم؛ ألست تقرأ في سيرة ابراهيم أحمر العينين بن عبدالله المحض: لما التحمت الحرب بينه و بين قائد جيش المنصور الدوانيقي عيسي بن موسي الهاشمي العباسي، فان جيش العباسي انهزم و أتبعه جيش العلوي، فعرضت له مخاصة في الطريق، فانحرف معها حامل لواء ابراهيم، فلما رأي عسكره انحرافه، تنادوا الهزيمة، فانهزموا، و عطف جيش العباسي و قتل ابراهيم، جاءه سهم غرب غائر فقتله.

فالحسين عليه السلام محافظ تمام المحافظة علي هذا النظام العسكري، لأنه عليه السلام له المهارة بالفنون العسكرية و الخبرة التامة بأساليب الكفاح و أنواع الحرب؛ فكلما قدم العباس


عليه السلام نفسه للتضحية أمامه أن يقتل دونه، يقول له: أنت حامل لوائي و رئيس عسكري، فمتي سنحت فرصة تمكن فيها من ارسال العباس عليه السلام مع خمسين من أصحابه يخلو بمراكزهم الحربية، و يدعو خطوط الدفاع شاغرة أمام الجيش المحدق بهم حتي يقصدوا الشريعة، ما كان ذلك في ذاك الوقت، بل كان ليلا. و قد صرحوا جميعا عند ذكر مصارع أعيان الشهداء، أمثال مسلم بن عوسجة، و حبيب، و الحر، و من أشبههم؛ أن الحسين عليه السلام يمشي اليهم مع بعض أصحابه، أو يأمر البعض بحملهم الي فسطاط القتلي المضروب في المعركة، و لم يأمر العباس عليه السلام بمغادرة مركزه حتي عند مصرع أعز فقيد عليه ولده علي الأكبر عليه السلام قال لفتيانه: احملوا أخاكم، و العباس عليه السلام واقف باللواء، كل ذلك محافظة علي بقاء عسكره مادام اللواء في مقره ثابتا في مركزه.

فاذن، كانت السقاية ليلا، و هي التي شهدها نافع بن هلال، و هذه هي [السقاية الأولي] . و بما قررناه، تبين لك أن أباالفرج قد وهم في ذكره لها نهارا، فلما لم يبق من الأنصار سوي نفرين أو ثلاثة، لم تكن حينئذ فائدة كبيرة في اللواء، فسمع العباس عليه السلام صرخة العائلة و ضجة الأطفال، فلم يستطع الصبر؛ فاستأذن الحسين عليه السلام، فأذن له في قصد المشرعة، فقصدها وحده و اللواء علي كتفه، و السيف مصلت بيده حتي اقتحم الفرات، و ملأ القربة، و أقبل بها ركضا الي العيال، فناولهم اياها، فكانت هذه هي «السقاية الثانية»، ثم وقف في مركزه حتي اذا لم يبق غيره و غير الحسين عليه السلام، تقدم أمامه يحمل اللواء و السقاء في كتفه، و أقحم فرسه في الفرات، و هذه هي «السقاية الثالثة»، و فيها اغترف غرفة من الماء و أدناها من فمه، ثم رماها حين ذكر عطش الحسين عليه السلام و عياله، كما يأتي شرحه في فصل الايثار. و هذه المرة لم يتمكن من ايصال الماء الي خيم الحسين عليه السلام، لأن بعض السهام مزق القربة، ففراها و أراق ماءها. و اليك نصوص أهل التاريخ. فالقائلون أن سقايته كانت ليلا كثيرون؛ أوردوها في حوادث الليلة العاشرة، منهم: العلامة المجلسي في البحار ص 191 ج 10، و الفاضل الدربندي في الأسرار ص 241، و ملا عبدالله في مقتل العوالم ص 76، و عبدالخالق اليزدي في مصائب


المعصومين ص 234، و مشاهير المؤرخين، كابن الأثير و ابن كثير و الطبري [1] .

المظفر، بطل العلقمي، 49 - 44 / 2


پاورقي

[1] [ثم ذکر کلام الطبري، أنظر ص 236 - 234] .