بازگشت

الحاجب و المرافق


و من وظائف العباس بن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام الحجابة، لأنه الحاجب، و المرافق للحسين عليه السلام، حيث أن الحسين عليه السلام كملك سياسي يحتاج الي سفير، و عميد للجيش، لابد له مما لا يستغني عنه ملك سياسي أو ديني، و هو المرافق الخاص باصطلاح المدنيين، و الحاجب باصطلاح القدماء، و ان لم يكن محتجبا حقيقة ليتولي شؤونه الخاصة، و لا يفارقه في سفر و لا حضر، و لا في قيام و لا قعود، لأمور شتي، الا في شؤونه النفسية، و تلك الأمور التي يلازمه لأجلها، منها: أنه يتولي المدافعة عنه اذا أراد اغتياله أحد أعدائه، لأن من كان بهذا المنصب من العظمة و ارتفاع الشأن، فلا ريب أنه بمعرض الخطر من ناحية الاغتيال السري، و الفتك العني؛ و قد علمت ما جري للخليفتين عمر، و علي، و في مولانا أميرالمؤمنين يقول ابن عبدون في قصيدته:



فليتها اذ فدت عمرا بخارجة

فدت عليا بما شاءت من البشر




و تغزل عمر بن الوردي مشيرا الي اغتيال الخليفة الثاني بقوله:



مر بنا مقرطق

و وجهه يحكي القمر



قلت أبو لؤلؤة

منه خذوا ثار عمر



و لو لا أن معاوية تحصن باسته، لما نجا من سيف الخارجي. و قد كفانا التأريخ تسجيل أسماء من وقع عليهم الاغتيال، و علقوا بحبال الفتك من عظماء الرجال؛ فالمرافق في مثل هذه الحال، يدافع عن صاحبه، و هذا أميرالمؤمنين عليه السلام و دفاعه عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم يوم أحد و حنين، و قد فر عنه جميع الصحابة مشهور، و قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم له في يوم أحد: رد عني هذه الكتيبة، و هذه الكتيبة رواه الطبري و المفيد و غيرهما.

و كما أنه يحتاجه لذلك، يحتاجه الي ارسال رسول، أو احضار شخص، أو ما شاكله من المهمات و الفوتية، فيقوم الحاجب أو المرافق بمباشرة هذه الأعمال، و لابد فيه من الكفاءة و المعرفة و العقل و الشجاعة و العلم و اليقظة و البصيرة و الاخلاص لمن ولاه ذلك هذه الوظيفة، كان يتولاها أبوالفضل العباس ابن أميرالمؤمنين عليه السلام عند أخيه الحسين عليه السلام، لاجتماع هذه الصفات فيه، و هي لا تحوجنا الي تقديم الشاهد، و استدعاء الحجة للاتفاق علي أن أخص بني هاشم بالحسين عليه السلام و أقربهم منه، أخوه العباس الأكبر، و ابنه علي الأكبر؛ و العباس عليه السلام أكثر مباشرة لأعمال الحسين عليه السلام.

معني المرافق لغة و عرفا

و معلوم أن المعني اللغوي للمرافق هو: الرفيق المصاحب مادام في رفقته و صحبته؛ فاذا فارقه، زال الاسم عنه، كما نص عليه صاحب القاموس و غيره؛ و هذا المعني هو المرتكز في أذهان العوالم، و السائد علي أفهامهم؛ لكن ذكر اللغويون للمرافق معني قريب المأخذ ينطبق علي ما نريد و هو: أن المرافق الحاذق الماهر المتأني في حوائجه، و الطبيب الحاذق. و من مجموع هذه المعاني أخذ صفة المرافق للملك عند المدنيين [...] .

قد كان في العصور القديمة يتولي المقابلات الرسمية، و عرض القضايا و المخابرات، موظف واحد، يطلقون عليه اسم الحاجب، كرئيس الديوان اليوم؛ و له وظيفة المقابلات


من قسم التشريفات، و له أعوان و مساعدون. أما البواب، فهو الذي يلازم الباب برسم الخدمة، و بقية التشريفات يتولاها موظف خاص يطلقون عليه اسم صاحب الطعام، و صاحب المائدة، و هو يرأس ادارة المطعم؛ كما أن من يتولي أمر المشروبات يقال له: الشرابي، و صاحب الشراب، و صاحب الطعام هو رئيس الولائم الملوكية، و أغذية الملك و أطعمته بتنظيمه، و تحت ادارته جميع الطباخين و الطهاة و القلائين، و الشرابين المختصين بمشروبات الملك، و ادارة الولائم و الدعوات الملوكية، تسمي دار الضيافة.

أما الحاجب، فهو و معاونه يرافقان الملك في تجولاته و أسفاره، و يلازمان بابه سفرا و حضرا، و لا يفرقون بين الحاجب و المرافق، و هو المسؤول عن حفظ الملك، فمتي أدخل أحدا بدون أمره، أو دخل داخل لا يعلم به، عوقب أشد العقوبة، و جوزي بأوجع الجزاء. و اذا عرفت وظيفة المرافق قديما و حديثا، تعرف أن للحسين بن علي عليه السلام مرافقين فقط و هما: أخوه أبوالفضل العباس، و ابنه علي الأكبر، فانهما كانا يلازمان بابه، و يمشيان في ركابه، و اذا دخل علي بعض الأمراء، كانا معه، كل ذلك حفظا له، و حياطة له، و قياما بواجب أمره.

فقد تحدث المؤرخون و أرباب المقاتل في قصة دخول الحسين عليه السلام علي الوليد بن عتبة، و الي يزيد علي المدينة، و قد دعاه ليلا الي بيعة الفاجر يزيد، و أن الحسين عليه السلام جمع فتيانه، و جعلهم علي باب الوليد؛ و يتحدث اليزدي في مصائب المعصومين ص 224 في أخبار كربلاء قال: ثم أرسل الحسين عليه السلام الي عمر بن سعد اني أريد أن أكملك، فالقني الليلة بين عسكري و عسكرك، فخرج اليه ابن سعد في عشرين و خرج اليه الحسين عليه السلام في مثل ذاك، فلما التقيا، أمر الحسين عليه السلام أصحابه فتنحوا عنه، و بقي معه أخوه العباس، و ابنه علي الأكبر، و أمر عمر بن سعد أصحابه، فتنحوا عنه و بقي معه ابنه حفص و غلام له؛ فقال له الحسين عليه السلام: ويلك! أما تتقي الله الذي اليه معادك؟ أتقاتلني و أنا ابن من قد علمت؟! دع هؤلاء القوم و كن معي، فانه أقرب لك الي الله؛ فقال عمر بن سعد (لعنه الله): أخاف أن تهدم داري. فقال له الحسين عليه السلام: أنا أبنيها لك؛ فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي. فقال الحسين عليه السلام: أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز. فقال: لي


عيال و أخاف عليهم من ابن زياد. ثم سكت و لم يجبه الي شي ء، فانصرف عنه الحسين عليه السلام و هو يقول: ما لك؟ ذبحك الله علي فراشك عاجلا، و لا غفر لك يوم حشرك؛ فو الله اني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق الا يسيرا. فقال ابن سعد (لعنه الله): في الشعير كفاية عن البر، مستهزءا بذلك القول الي آخره.

المظفر، بطل العلقمي، 68 - 66، 65 - 64 / 3