بازگشت

ايمان العباس بن أميرالمؤمنين و بصيرته


هو فيهما في درجة أهل بيته، لأنه عليه السلام قد جمع كل هذه الأسباب الموجبة لنفاذ البصيرة من الأخبار الصادقة عن الأئمة الطاهرين، كأبيه و أخويه السيدين الحسن و الحسين عليهماالسلام، و مشاهدة المعجز و التفكر في صحيفة الوجود و صفاء النفس و الكشف. فقد صح أن أصحاب الحسين عليه السلام كشف لهم، و ليس وراء عبادان قرية، يشهد له الامام جعفر الصادق عليه السلام فيما رواه السيد الداودي و غيره [1] [...]

و قوله عليه السلام في زيارته التي رواها ابن قولويه في كامل الزيارة:

أشهد أنك لم تهن و لم تنكل، و أشهد أنك مضيت علي بصيرة من دينك، مقتديا بالصالحين و متبعا للنبيين الي آخره.

المظفر، بطل العلقمي، 426 - 425، 415 - 413 / 2

آداب أبي الفضل العباس بن أميرالمؤمنين عليهماالسلام:

قد جمع عليه السلام هذه الأنواع من الأدب التي أشرنا اليها جميعا، و هي الأدب العلمي،


الذي هو فن المنظوم و المنثور من الكلام العربي، و الأدب الشرعي، الذي هو عبارة عن المحافظة علي ما ورد في الشرع. و الأدب الروحاني و العرفاني، و هو عبارة عن تهذيب النفس عن ذميم الأخلاق. و الأدب العقلي، الذي هو عبارة عن مراعاة حقوق الاحترام لأهل الرفعة و المنصب السامي. و قد استبان مما سبق تفوقه في الأدب العلمي و الشرعي و العرفاني فيما ذكرناه في علومه و عبادته. و أما أدبه العقلي، و هو السلوكي، ففي سلوكه الأدبي الذي ظهر في صحبته لأخيه الامام الحسين عليه السلام، فسلوك الأبرار، و طريقته طريقة الصلحاء الأخيار.

قد قضي حياته معه لا يرد عليه قولا، و لا يعارضه في فعل، و اذا أمره مضي لأمره، و اذا وجهه في مهم، لا يبرم أمرا، و لا ينقضه، حتي يطالع رأيه، و يحيل ذلك الي فكره قبولا و ردا و لم يخاطبه مدة حياته الا بقوله: سيدي، أو يا ابن رسول الله، و ما جري مجراهما من المخاطبات الدالة علي الاحترام و يعرض كثيرا عن الخطاب بالأخوة، و ان نطق بها أحيانا، لعلمه أنها تشعر بالكفاءة و أنها مما يخاطب بها الأكفاء الأكفاء، فيصلح مثل ذلك للحسين عليه السلام في خطاب الحسن عليه السلام. أما من عداهما من ولد علي عليه السلام فلا يخاطبهما بمثل هذا الخطاب المشعر بالمكافأة و المساواة، و انما يصلح لهم من باب الأدب أن يخاطبوهما بخطاب العبد للمولي، و المسود للسيد و لا كفؤ للحسين عليه السلام في نظر العباس عليه السلام، و ان كان هو أخوه النسبي و ابن أبيه، لكنه كان يجله و يحترمه، و يري أنه سيده و امامه، و ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فيري أن هذا هو الأصوب و الأوفق، لذلك كان لا يخاطبه الا بسيدي يا ابن رسول الله، أو يكنيه بأبي عبدالله، أو ما شابه ذلك، الا في موارد الحنان و الاشفاق، كما قال محمد ابن الحنفية في عزم الحسين عليه السلام علي الخروج، قال له: يا أخي، أنت أحب الناس الي و أعزهم علي، القصة المشهورة؛ فهذا خطاب حنان و عطف، أدي مثله العباس بن أميرالمؤمنين عليهماالسلام عند آخر نقطة من حياته، و قرب الوقت الذي لفظ فيه نفسه الزكية، و ذلك عند سقوطه علي شاطئ العلقمي، مقطوع اليدين، مفضوخ الهامة، و مخ رأسه يسيل علي وجهه، و السهم قد شك عينه، فنادي: السلام عليك يا أباعبدالله أدركني يا أخي، هذه كلمة الحنان اللاذعة و التي كان الحسين


عليه السلام يشتهي أن يسمعها من أخيه أبي الفضل، و يا للأسف، أنها قارنت الأحزان الموجعة لقلب الحسين عليه السلام، و قد كان يود سماعها مقترنة بالمسرة و الابتهاج، لأن مثل هذا الأخ المصافي، و الشقيق المهذب اذا خاطب الأخ العظيم المحترم في بعض الآنات بلفظ الأخوة، فانه يلتذ و يشتاق لسماعها، ففاه أبوالفضل بهذه الكلمة عندما أزف علي فراقه و ان خلا بعض المقاتل عن ذكرها، لكن المعروف أنه قال: أدركني يا أخي، مع قوله يا أباعبدالله، و يابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فروي كل ما وصل اليه و يدل علي أدب العباس عليه السلام القصة التاريخية المشهورة، و قد رواها جماعة منهم الشيخ المفيد و الطبري في التاريخ، و هي قصة زحف عسكر ابن سعد علي الحسين عليه السلام عصر الخميس، نهار التاسع من المحرم، و أن الحسين عليه السلام أرسل العباس بن علي عليه السلام اليهم ليعرف أمرهم، و أنهم أخبروه أنهم يريدون نزول الحسين عليه السلام علي حكم ابن زياد أو قتله، و العباس يعلم أن الحسين عليه السلام لا ينزل علي حكم الدعي، لكنه سلك طريق الأدب مع أخيه الحسين عليه السلام، فلم يقل أنه لا ينزل علي حكم ابن زياد، بل قال لهم: لا تعجلوا حتي أرجع اليه و أخبره بما ذكرتم. هذا ما رواه المفيد و الطبري، و ما رواه غيرهما من أهل المقاتل أنه قال: لسنا ندري الآن ما رأيه، و علي كلا القولين، فقد سلك طريق الأدب بأنه لم يجب علي حسب علمه حتي رجع الي أخيه الحسين عليه السلام و أخبره. و خذ القصة بتفصيلها من التاريخ، و هذه مرتبة عظيمة من مراتب الأدب السلوكي، تدل علي معرفة محكمة بحق الامام. و يقول صاحب معالي السبطين [2] ، أنه ما كان يجلس بين يدي الحسين عليه السلام الا باذنه، كان له كالعبد الذليل بين يدي المولي الجليل، ممتثلا لأوامره و نواهيه، مطيعا له، و كان له كما كان أبوه لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و من تأدبه لم يكن يخاطب الحسين عليه السلام الا و يقول له: يا سيدي يا أباعبدالله يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ما كان يخاطبه بالأخوة، قيل: مدة عمره، الا مرة واحدة خاطب الحسين عليه السلام بالأخوة و هي الساعة التي ضربوه بعمود الي آخره.

و ليس الأمر كما ذكر، بل خاطبه قبلها بأخي كما في القصة التي أشرنا اليها من حديث زحف القوم، و أنه قال يا أخي أتاك القوم، حسبما رواه المفيد و الطبري و غيرهما، لكنه


قليل بالنسبة الي سائر المقامات، فان سلوكه بها بخطاب التعظيم له.

المظفر، بطل العلقمي، 444 - 442 / 2


پاورقي

[1] [ثم ذکر کلام الامام جعفر الصادق عليه‏السلام، انظر، / 583] .

[2] معالي السبطين ص 271 ج 1 (ط تبريز)، معالي السبطين (ط قم)، 443 / 1.