بازگشت

المناصحة للحسين و امامه


فانه عليه السلام بذل تمام الجهد في نصيحة أخيه الحسين عليه السلام، و ظهرت مناصحته له في الجهاد بين يديه، و القيام بواجب الاخلاص، و الطاعة له. و النصيحة و المناصحة معناهما واحد، و لكن اختلفا بالاضافة الي ما نسبا اليه من المضافات اليهما، فان كان المورد مورد مشورة، و ابداء رأي، أو مدافعة قولية فقط، فتلك النصيحة؛ و ان كان مورد مجالدة لا مجادلة بمقال، بل باجتذاب مشرفيه و اعتقال يزنية، فتلك المناصحة و المعني واحد، و هو الاخلاص قولا و فعلا.

و النصيحة أفضل صفة في النوع البشري، كما أن نقيضها و هو الغش أقبح خصلة في الانسان. (و النصيحة) تجب لعامة المسلمين اعانة و ارشادا بحق و الي حق، كما يحرم نقيضها و هو الغش لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: (من غشنا فليس منا)، يعني المسلمين.

فان كانت النصيحة للمعصوم، كالنبي و الامام، كانت أعظم في الوجوب درجة، و أبلغ تأكيدا، و تطرف بعضهم، فقال: هي واجبة لكل من اعتمد عليك و وثق بك. و قد كان في طبع جماعة من الأشراف النصيحة حتي للأعداء، و الأدلة العقلية و النقلية علي لزوم


النصيحة و الالتزام بالمناصحة كثيرة.

معني النصيحة و المناصحة لغة

قال الفيروزآبادي في القاموس: نصحه و له نصحا بالضم نصاحة و نصاحية و هو ناصح، و نصيح من نصح، و نصاح و الاسم النصيحة. و نصح: خلص.

و قال ابن الأثير في (النهاية) ص 48 ج 3 في الحديث: (ان الدين النصيحة لله و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم). و النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي ارادة الخير للمنصوح له، و ليس يمكن أن يعبر هذا المعني بكلمة واحدة، جمع معناه غيرها، و أصل النصيحة في اللغة الخلوص. يقال: نصحته و نصحت له. و معني نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانية الله و اخلاص النية في عبادته؛ و النصيحة لكتاب الله هو التصديق به و العمل بما فيه. و نصيحة رسوله التصديق بنبوته و رسالته و الانقياد لما أمر به نهي عنه. و نصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحق و لا يري الخروج عليهم اذا جاروا. و نصيحة عامة المسلمين ارشادهم الي مصالحهم [...]

مناصحة أبي الفضل بن أميرالمؤمنين عليه السلام لأخيه الحسين عليه السلام

فقد كانت قولية و فعلية. أما القولية، فقد مر عليك من أقواله و أشعاره ما يكفيك. و من مناصحته القولية، ما مر آنفا من قوله لاخوته: حاموا عن سيدكم و امامكم الحسين عليه السلام. و قوله عليه السلام لأشقائه: تقدموا يا بني أمي حتي أعلم أنكم قد نصحتم لله و لرسوله الي آخره.

أما المناصحة الفعلية

فأثرها ظاهر، قطعت يمينه و شماله، و هو واقف في خطة الحرب، ثابت في ساحة القتال، لم يطلب لنفسه ملجأ و لا مأمنا، و لم يعد لأخيه الحسين عليه السلام يحتمي به من الأعداء، حاذر أن يغتم لأجله الحسين عليه السلام، فثبت في مركزه بعد قطع يديه، و وقف من غير يدين يذب بهما عن نفسه، فكأنه قطعة جبل صلد لا يتزعزع، أو زبرة حديد لم تتحلحل. و أن هيبته تمنع العدو من الاقتراب اليه، حتي اغتاله بعضهم متسترا بنخلة،


ففضخ هامته بعامود الحديد، فانجدل صريعا علي وجه الثري، فهذه من أعظم المناصحة و أجلها.

و قد مدح بهذه المناصحة، و أثني بها عليه الأئمة المعصومون عليهم السلام. قال الامام أبوعبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في زيارته التي رواها ابن قولويه في كامل الزيارة:

(أشهد لك بالتسليم و التصديق و الوفاء و النصيحة لخلف النبي المرسل و السبط المنتخب و الدليل العالم و الوصي المبلغ و المظلوم المهتضم...) الي آخره. و في محل آخر: (أشهد أنك قد بالغت في النصيحة و أعطيت غاية المجهود...) و في محل آخر منها: (أشهد أنك قد نصحت لله و لرسوله و لأخيك...) و في محل آخر: (أشهد أنك قد بالغت في النصيحة، و أديت الأمانة، و جاهدت عدوك و عدو أخيك، فصلوات الله علي روحك الطيبة، و جزاك الله من أخ خيرا و رحمة الله و بركاته).

و قوله عليه السلام: أديت الأمانة، يحتمل ثلاثة وجوه:

أحدها: أن الامامة منصب الهي، و وظيفة ربانية قد أخذ عهدها في الميثاق الأول، و هي المشار اليها بقوله تعالي: «انا عرضنا الأمانة علي السموات و الأرض...» [1] الآية، فكانت هذه الأمانة، هي الامامة، كما أشار اليها ابن أبي الحديد الكاتب في خطاب أميرالمؤمنين علي عليه السلام:



أنت الأمانة لا يقوم بحملها

خلقاء هابطة و أطلس أرفع



تأبي الجبال الشم عن تقليدها

و تضج تيهاء و يشفق برقع



و عرضها عبارة عن التعهد و الالتزام بواجب طاعة الامام التي افترضها الله علي عامة البشر، فكان هذا العرض علي المخلوقات عرض اختبار، لا عرض اختيار، اذ لا خيرة لمخلوق مع ارادة الخالق، و اباء السموات و الأرض و من في معناها ليست اباء امتناع و معصية، بل اباء عدم تكليف، فحملها الانسان الذي هو أظهر أفراد الأنواع المكلفة من الحيوانات، لأنه محسوس بخلاف الملك و الجن، فانها أجسام غير مرئية، و لهذا جحدها


الجاهلون من الفلاسفة، فكان الانسان ظلوما بحملها في العهد السابق، و مخالفته لها في العهد اللاحق، جهولا بما ثبت عن الله تعالي في السابق و اللاحق. فيقول: بخ بخ مرة، و يقول مرة أخري: و سعوها في قريش تتسع. و كل من قام بطاعة الامام و نصره، فقد أدي الأمانة، و أبوالفضل من أعظم أفراد هذا القسم.

(ثانيهما): أن الحسين عليه السلام من العترة التي هي أحد الثقلين اللذين أوصي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أمته في التمسك بهما، و بحفظهما، و الاقتداء بهما، و جعلهما أمانة عند أمته. و أبوالفضل العباس عليه السلام من أعيان الأوفياء بتأدية هذه الأمانة و ايصالها لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم محترمة معظمة، بذل دون حفظها نفسه النفيسة، و جعل يتلقي السلاح بوجهه و صدره و نحره، لئلا يصل الي وديعة رسول الله منه شي ء، و ضحي اخوته و ولده لفداء الحسين عليه السلام.

(ثالثهما) البيعة للحسين صلي الله عليه و آله و سلم، و البيعة أمانة عند المبايع، و ان التزامه بشرائطها تأدية لها، و القتل من أظهر مصاديق الوفاء، و أجلي مظاهر التأدية للأمانة، و لهذا، كل من أراد الشهادة من أصحاب الحسين عليه السلام يقف أمامه، و يستأذن للبراز، و يقول: السلام عليك يا أباعبدالله، أوفيت يا ابن رسول الله؟ فيقول عليه السلام: نعم أنت أمامي في الجنة، فاقرأ، جدي و أبي و أمي عني السلام، و قل لهم: تركت حسينا وحيدا فريدا لا ناصر له و لا معين.

و نحتمل في تأدية الأمانة وجها (رابعا): و هو ما رواه بعض أرباب المقاتل، من أن مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام أوصي ولده العباس الأكبر عليه السلام بنصرة أخيه الحسين عليه السلام، فكانت هذه التوصية أمانة عنده من أبيه عليه السلام، فقد أداها، و سقط عنه فرض التكليف بها.

و كل هذه الوجوه صالح للحمل عليه، و لا مانع من ارادة الجميع، و ان كان الحمل علي الامامة أظهر لمصير أكثر المفسرين الي أن المراد من الأمانة هي الامامة.

أما الشعر في مدح العباس عليه السلام بالمناصحة:

فهو كثير، و منه قول الامام السبط سيد الشهداء الحسين عليه السلام فيما رواه الفاضل


الدربندي في [أسرار الشهادة] و لفظه ص 322 قال: فلما أتاه الحسين عليه السلام رآه صريعا علي شاطئ الفرات، بكي، ثم قال: وا أخاه، وا عباساه، الآن انكسر ظهري، و قلت حيلتي، ثم قال: جزاك الله عني يا أخي يا أباالفضل العباس خيرا. قيل: ثم أنشأ:



أخي يا نور عيني يا شقيقي

فلي قد كنت كالركن الوثيق



أيا ابن أبي نصحت أخاك حتي

سقاك الله من كأس رحيق



أيا قمرا منيرا كنت عوني

علي كل النوائب في المضيق



فبعدك لا تطيب لنا حياة

سنجمع في الغداة علي الحقيق



ألا لله شكوائي و صبري

و ما ألقاه من ظمأ وضيق



و قال الأزري البغدادي الحاج محمدرضا:



و أخ كريم لم يخنه بمشهد

حيث السراة كبابها أقدامها



المظفر، بطل العلقمي، 333 - 330، 313 - 312 / 2


پاورقي

[1] الأحزاب: 72.