رثاء عبدالله بن المعتز بن المتوكل
و ممن رثاهم عليهم السلام في القرن الثالث - و هو من أعدائهم - هو أبوالعباس عبدالله بن المعتز بن المتوكل العباسي المولود سنة (247) الهالك عام (296) الذي ورث عداوة أهل البيت عليهم السلام عن كلالة و نال الزعامة بمقدار ما يلعق الكلب أنفه [1] قال:
رثيت الحجيج فقال العدا
ة سب عليا و بيت النبي
أآكل لحمي و أحسو دمي
فيا قوم للعجب الأعجب [2] .
علي يظنون بي بغضه
فهلا سوي الكفر ظنوه بي؟ [3] .
اذا لا سقتني غدا كفه
من الحوض و المشرب الأعذب [4] .
سببت فمن لامني منهم
فلست بمرض و لها معتب
مجلي الكروب و ليث الحروب
في الرهج الساطع الأهيب [5] .
و بحرالعلوم و غيظ الخصوم
متي يصطرح و هم يغلب؟
يقلب في فمه مقولا
كشقشقة الجمل المصعب [6] .
و أول من ظل في موقف
يصلي مع الطاهر الطيب [7] .
و كان أخا لنبي الهدي
و خص بذاك فلا تكذب [8] .
و كفوا لخير نساء العباد
ما بين شرق الي مغرب [9] .
و أقضي القضاة لفصل الخطاب
و المنطق الأعدل الأصوب [10] .
و في ليلة الغار وقي النبي
عشاءا الي الفلق الأشهب [11] .
و بات ضجيعا به في الفراش
موطن نفس علي الأصعب [12] .
و عمرو بن عبد و أحزابه
سقاهم حسا الموت في يثرب [13] .
و سل عنه خيبر ذات الحصون
تخبرك عنه و عن مرحب [14] .
و سبطاه جدهما أحمد
فبخ لجدهما و الأب
ولا عجب غير قتل الحسين
ظمآن يقصي عن المشرب [15] .
فيا أسدا ظل بين الكلاب
تنهشه دامي المخلب [16] .
لئن كان روعنا فقده
وفاجأ من حيث لم يحسب [17] .
و كم قد بكينا عليه دما
بسمر مثقفة الأكعب [18] .
و بيض صوارم مصقولة
متي يمتحن وقعها تشرب [19] .
و كم من شعار لنا باسمه
يجدد منها علي المذنب [20] .
و كم من سواد حددنا به
و تطويل شعر علي المنكب [21] .
و نوح عليه لنا بالصهيل
و صلصلة اللجم في منقب [22] .
و ذاك قليل له من بني
أبيه و منصبه الأقرب [23] .
المحمودي، زفرات الثقلين، 410 - 407 /1
پاورقي
[1] و ذلک لما رواه غير واحد من المؤرخين، منهم ابنخلکان في ترجمة الرجل من کتاب وفيات الأعيان: ج.. ص..
جرت له الکائنة في خلافة المقتدر، واتفق معه جماعة من رؤساء الأجناد، و وجوه الکتاب فخلعوا المقتدر يوم السبت لعشر - و قيل: لسبع - بقين من شهر ربيع الأول سنة ست و تسعين و مائتين، و بايعوا عبدالله المذکور؛ و لقبوه المرتضي بالله، و أقام يوما و ليلة ثم ان أصحاب المقتدر تحزبوا و تراجعوا و حاربوا أعوان ابنالمعتز: و شتتوهم و أعادوا المقتدر الي دسته، واختفي ابنالمعتز في دار ابنالجصاص التاجر الجوهري فأخذه المتقدر و سلمه الي مؤنس الخادم الخازن؛ فقتله و سلمه الي أهله ملفوفا في کساء، و ذلک يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر سنة ست و تسعين و مائتين، و دفن في خرابة بازاء داره و کأن مولده لسبع بقين من شعبان سنة سبع و أربعين و مائتين.
[2] و لعل أبالهب عم ابنالمعتز أيضا کان يدعي ذلک بالنسبة الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ولکن أعمالها تفضحهما.
[3] هذا دال علي أن ابنالمعتز يعترف بما ثبت عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في حق علي عليهالسلام من قوله: «يا علي لا يحبک الا مؤمن، و لا يبغضک الا منافق»، و ليراجع الحديث بأسانيده و مصادره تحت الرقم: (100) و ما بعده من کتاب خصائص علي (عليهالسلام) للنسائي، ص 196 - 187، بتحقيقنا.
و رواه أيضا بأسانيد کثيرة ابنعساکر في الحديث: (747) و ما حوله من ترجمة علي عليهالسلام من تاريخ دمشق: ج 2، ص 234.
[4] هذا الکلام دال علي أن ابنالمعتز معتقد بأن عليا يوم القيامة يسقي أولياءه من الحوض الکوثر و يطرد أعداءه منه ظماء، و هذا عند شيعة أهل البيت عليهمالسلام کالضروري و أخبارهم به متواترة، وانظر شواهده من طريق أهل السنة تحت الرقم: (761) و ما بعده من ترجمة أميرالمؤمنين من تاريخ دمشق: ج 2، ص 252 - 243، ط 2.
[5] الرهج الساطع: الغبار المرتفع. و الأهيب: أي الأشد هيبة و مخافة.
[6] مقولا: لسانا. قولا ظريفا حسنا. و الشقشقة:شيء کالرئة يخرجه البعير من فمه اذ هاج.
[7] و هذا الأمر مما أجمع عيه شيعة أهل البيت عليهمالسلام؛ و شيعة بني أمية و بني العباس جميعا.
[8] و هذا من ضروريات تاريخ الاسلام و فن الحديث، و يراجع الطالب الحديث:» 162 «و ما بعده من ترجمة أميرالمؤمنين (عليهالسلام) من تاريخ دمشق: ج 1، ص 133، ط 2.
[9] و هذه مفخرة عظيمة کان أميرالمؤمنين و أولاده صلوات الله عليهم أجمعين يفتخرون بها، و کان کثير من الصحابة يتأسفون من حرمانهم عنها مع اقدامهم علي الطلب.
[10] و هذا مما تسالم عليه أحاديث شيعة أهل البيت و مخالفيهم جميعا؛ و سيرة أميرالمؤمنين و ما بقي من کلمه عليهالسلام شواهد صدق علي ذلک، و من أراد أن يري هذا المعني ملموسا فعليه بمراجعة نهجالبلاغة أو عنوان: «نوادر الأثر» من کتاب الغدير: ج 6، ص 333 - 83، أو الفصل (6) من کتاب زين الفتي، ص 322، و ما حولها.
[11] الأشهب: البياض الذي يختلله سواد.
[12] وانظر تفصيل ذلک في تفسير الآية: (207) من سورة البقرة في کتاب شواهد التنزيل: ج 1، ص 96، ط 1.
[13] وانظر تفسير الآية: (25) من سورة الأحزاب؛ في شواهد التنزيل: ج 2، ص 3، ط 1، والحديث (216) و ما حوله من ترجمة أميرالمؤمنين عليهالسلام من تاريخ دمشق: ج 1، ص 169، و ماحولها.
[14] وانظر تفصيله في غزوة خيبر من تاريخ الطبري أو الحديث: (290 - 218) من ترجمة علي عليهالسلام من تاريخ دمشق: ج 1، ص 248 - 174.
[15] يقصي: يبعد و يطرد. والمشرب: موضع الشرب من النهر.
[16] تنهشه - علي زنة تضرب و تجرح و بابهما -: تناوله بفيه ليعضه. و المخلب: الظفر.
[17] السمر - کحمر - جمع السمراء: الرمح الذي لونه بين السواد و البياض. و مثقفة: خارقة نافذة. و الأکعب: جمع کعب:العقدة من عقد الرمح.
[18] السمر - کحمر - جمع السمراء: الرمح الذي لونه بين السواد و البياض. و مثقفة: خارقة نافذة. و الأکعب: جمع کعب: العقدة من عقد الرمح.
[19] و البيض: جمع الأبيض - يراد منه هنا -: السيف. و الصوارم: جمع صارمة: القاطعة. و مصقولة: أجلي عنها الصداکي لا يکل عن القطع عن الضرب. و يمتحن: يجرب.
[20] مراده من المذنب بني امية بحسب زعمهم فانهم قد کانوا يغتالون من لم يکن علي نزعة بني امية و الخوارج بالدعاء أنه أموي أو خارجي.
[21] المنکب: الکاهل. و لم يکن حداد هؤلاء و لا تطويل شعرهم لأجل أخذ ثار الامام الحسين عليهالسلا من أعدائه بدليل أنهم قتلوا من بني أمية و أتباعهم من لم يکن راضيا بقتل الحسين و لا شريکا في دمه. و بدليل أنهم فعلوا بأولاد الحسن و الحسين بل و بقبر الحسين ما لم يفعله بنوأمية. و بدليل أنهم کانوا في فاجعة الطف من أخسر الناس صفقة لم يحضرها أحد منهم.
[22] الصهيل: صوت الفرس. و اللجم: جمع اللجام: حديدة زمام الفرس التي يدخل فمه. و المنقب: الطريق في الجبل. الطريق الضيق بين شيئين. و لعله أراد المرصد و محل الرقابة لتعرف الأشخاص المارين. و کل ذلک من بني العباس کان حنانا علي الدنيا و حرصا عليها و طموحا اليه، و الدليل علي ذلک أعمالهم.
قد ذکرنا أن هذا لم يکن منهم للحسين (عليهالسلام) بل کان للدنيا، و لذا لم يرقبوا في مؤمن - بل ولا في مجرم - عهدا و لا ضمانا و لا حلفا و لا وثيقة؛ و قتلوا وزير آل محمد المکني بالخلال مع يده و نعمته عليهم.
ثم قتلوا مؤسس دولتهم أبامجرم الخراساني ثم قتلوا عمهم عبدالله بن علي بن عبدالله بن العباس الي أن قتلوا ابن المعتز ناظم هذه الأبيات.
[23] الي هنا، رواه السيد جواد، عن ديوان الرجل في کتابه أدب الطف: ج 1، ص 315، ط 2.