رثاء القاسم بن يوسف الكاتب
و ممن رثاء من قدماء الشعراء، القاسم بن يوسف الكاتب، أحد متكلمي الشيعة و شعرائهم ذكره المرزباني فقال من قصيدة طويلة:
يا ابن النبي و خير أمته
بعد النبي مقال ذي خبر
ماذا تحمل قاتلوك من ال
آصار و الأعباء والوزر
ما تنقضي حسرات ذي ورع
و دم الحسين علي الثري يجري
و دماء اخوته و شيعته
مستلحمون بجانب النهر
خذلوا و قل هناك ناصرهم
فاستعصموا بالله و الصبر
مستقدمين علي بصائرهم
لا ينكصون لروعية الذعر
يأبون أن يعطوا الدنية أو
يرضوا مهادنة علي قسر
آل الرسول و سر ارته
والطاهرون لطيب الطهر
حلوا من الشرف اليفاع علي
علياء بين الغفر و النسر
لا يبلغ المثني مداه ولا
تحوي المديح مقالة المطري
مأوي اليتامي والأرامل وال
أضياف في اللزبات و العسر
لا مانعا حق الصديق ولا
يخفي عليه مبيت ذي الفقر
كم سائل أعطي و ذي عدم
أغني وعان فك من أسر
و تخال في الظلماء سنته
قمرا توسط ليلة البدر
لا تنطق العوراء حضرته
عف يعاف مقالة الهجر
الأمين، أعيان الشيعة، 624 - 623 / 1
ذكره المرزباني في أخبار شعراء الشيعة، ص 108، و قال: و له أشعار حسنة في فنون كثيرة و من شعره:
أيها السائل عن خير الوري
خير من تحت السماوات نزار
و قريش ذروة المجد وفي
هاشم أرست فمثوي و قرار
محتد طاب فأثري مغرسا
و استطال الفرع والعود نضار
هاشم فخر قريش كلها
أين عمر و عمير و الفخار
لهم أيد طوال في العلي
و لمن ساماهم أيد قصار
لهم الوحي و فيهم بعده
امرة الحق و للحق منار
ما بعيد كقريب نسبا
لا و لا يعدل بالطرف الحمار
انما تجري علي أحسابها
عتق الخيل و للعير عثار
ليس من أخره السعي كمن
قدم الله و لله الخيار
خسر الآخذ ما ليس له
عمد عين و الشريك المستشار؟
و لفيفا الفوا بينهم
بيعة فيها اختلاط و انتشار
و رسول الله لم يدفن فما
شغل القوم اغتمام و انتظار
كان منهم قتل آل المصطفي
أن يلوا الأمر حذار و نذار
زعموها فلتة ثم ادعوا
أنها جامعة و هي البوار
قد خبت ناركم و ارتفعت
لسنا آل رسول الله نار
دولة دان بها الدهر الي
معدن الحق فما فيها انبتار
دولة ينصرها الله و هل
لذوي البغي من الله انتصار
أنا في الدين لكم مولي و ما
عنكم ان طار أقوام مطار
و بكم نرضي عن الدنيا فان
أسخطتكم [1] فعلي الدنيا الدمار؟
المحمودي، زفرات الثقلين، 299 / 1
سلم علي قبر الحسين وقل
صلي عليك الله من قبر
و سقاك صوب الغاديات ولا
زالت عليك روائح تسري [2] .
يا ابن النبي و خير أمته
بعد النبي مقال ذي خبر
أصبحت مغتربا لمختلف
الراسيات و واكف القطر [3] .
و نأيت عن دار الأحبة
و استوطنت دار البعد و القفر [4] .
بل جنة الفردوس تسكنها
جار النبي و آله الزهر [5] .
ماذا تحمل قاتلوك من الآ
صار و الأعباء والوزر [6] .
خرجوا من الاسلام ضاحية
واستبدلوا بدلا من الكفر [7] .
كتبوا اليك و أرسلوا رسلا
تتري بما وعدوا من النصر [8] .
أعطوك بيعتهم و موثقهم
بالله بين الركن و الحجر [9] .
حتي اذا أصرخت دعوتهم
طلبا لوجه الله و الأجر
و خرجت محتسبا لتحيي ما
قد مات من سنن الهدي الدثر [10] .
خروا مواثقهم و عهدهم
لا يرهبون عواقب الخر [11] .
ركنوا الي الدنيا فلم يئلوا
فيها الي حظ و لا [و] فر [12] .
جعلوا سمية منكم خلفا
و بني أمية حاملي الأصر [13] .
قتلوك واتخذوهم سترا
مادون علم الله من ستر
فأبادهم سيف الفناء بدا
للظالمين بدلك الوتر [14] .
يجدون بالمرصاد ربهم
بعدا لأهل النكث و الغدر [15] .
أبني سمية أنتم بغر
ولد البغايا غير ما نكر [16] .
تدعون صخرا والدا لكم
لا خير في عبد و لا صخر [17] .
منكم بشط الزاب مجتزر
للعاسلات العبس و النسر [18] .
ولكم مصارع مثل مصرعه
ما حن ذو وكر الي وكر [19] .
و بني امية سوموا ثلفا
بالمشرفية و القنا السمر [20] .
هشموا بهاشمة و حاق
بهم ما قدموا من سي ء المكر [21] .
و لهم فلا فوت و لا عجل
أمثالها في غابر الدهر [22] .
في محكمات الذكر لعنهم
فيما روي العلماء من ذكر [23] .
منهم معاوية اللعين و مروان
الطريد و شارب الخمر
و الأبتر السهمي رابعهم
عمرو [و] كل الشر في عمرو
اني لأرجو أن تنالهم
مني يد تشفي جوي الصدر [24] .
بالقائم المهدي ان عاجلا
أو آجلا ان مد في عمري
أو ينقضي من دونه أجلي
فالله أولي فيه بالعذر
ولكل عبد غيب نيته
في الخير مسطور و في الشر [25] .
ما تنقضي حسرات ذي ورع
و دم الحسين علي الثري يجري
و دماء اخوته و شيعته
مستلحمون بشاطئ النهر [26] .
خذلوا و قل هناك ناصرهم
فاستعصموا بالله و الصبر
مستقدمين علي بصائرهم
لا ينكصون لروعة الذعر [27] .
تغشي مناياهم وجوههم
قبلا و لا يولون من دبر [28] .
يأبوون أن يعطوا الدنية
و يرضوا مهادنة علي قسر [29] .
البر ذخرهم و كنزهم
خير الكنوز و أفضل الذخر
آل الرسول و سر أسرته
و الطاهرون لطيب طهر [30] .
حلوا من الشرف اليفاع علي
علياء بين الغفر و النسر [31] .
فابك الحسين بمدمع قرح
وابك (الحسين) بوابل غزر [32] .
حق البكاء له و حق ل
حسن الثناء و طيب النثر
لا يبلغ المثني مداه و لا
يحوي المديح مقاله المطري [33] .
أبواليتامي و الأرامل و
الأضياف في اللزبات و العسر [34] .
لا مانعا حق الصديق ولا
يخفي عليه مبيت ذي الفقر
كم سائل أعطي و ذي عدم
أغني و عان فك من أسر [35] .
و تخال في الظلمات ستته
قمر توسط ليلة البدر [36] .
لا تنطق العوراء حضرته
عف يعاف مقالة الهجر [37] .
و مبرأ من كل فاحشة
بر السريرة طاهر الجهر
المحمودي، زفرات الثقلين، 303 - 299 / 1
پاورقي
[1] [في المطبوع: «أسخصتکم»].
[2] الصوب: العطاء، و يراد منه هنا: المطر لأنه عطية الله. و الغاديات: جمع الغادية: السحابة تنشأ صباحا و تمطر. مطرة الغداة. و الرائح: جمع الرائحة و هي الأمطار أو السحب التي تجيء رواحا أي عند العشي.
[3] الراسيات: جمع راسية: الجبال الثوابت و الرواسخ. و الواکف: المطر المنهل.
[4] نأيت: بعدت. و القفر: الأرض غير المعمورة.
[5] الزهر - بضم فسکون -: جمع زهراء: مؤنث الأزهر: النير. المشرق الوجه.
[6] الآصار: جمع الاصر - بتثليت أوله، و سکون الصاد - الاثم. الثقل. و الأعباء: جمع العبئ: الثقل.
[7] ضاحية: بارزة واضحة.
[8] تتري: متوالية.
[9] الموثق: العهد و الميثاق.
[10] أي ما قد مات و دثر و انمحي من سنن الهدي.
[11] خروا: أسقطوا و أبطلوا. و في أدب الطف: «ختروا... عواقب الختر».
[12] فلم يئلوا: لم ينالوا و لم يرجعوا. و الوفر: الکثير الواسع.
[13] أي آل سمية، و هي أم زياد بن أبيه. و الاصر: الذنب.
[14] أبادهم: أفناهم.
[15] المرصاد: موضع المراقبة للهدف الذي يتطلبه الراصد.
[16] و قد أقام رئيس الفئة الباغية معاوية شهودا علي ذلک في محضر عام بحضور زياد بن سمية.
[17] المراد من «صخر» هو أبوسفيان والد معاوية. و المراد من «عبد» هو عبيد أبوزياد، و کان عبدا لثقيف.
[18] الظاهر أن مراده من «الزاب» هو نهر الموصل الذي قتل عنده عبيدالله بن زياد. و مجتزر: منحور ترک في الفلا. و العاسلات: جمع العاسل: الذئاب العادية. و النسر - بتثليت أوله -: طائر من أقوي الطيور التي تصيد.
[19] الوکر - بفتح الواو، و سکون الکاف -: عش الطائر، والجمع: أوکر و أوکار و وکور.
[20] سوموا ثلفا: کلفوا اياه و أولوا اياه. أغير عليهم فعيث فيهم. و المشرفية: سيوف تصنع في قري من أرض العرب اسمها مشارف. و القني: جمع القناة: الرمح. و السمر - کأنه جمع أسمر -: الرمح الذي لونه بين السواد و البياض.
[21] هشموا - علي زنة ضربوا و بابه -: کسروا. و الهاشمة: شجة تهشم العظم أي تکسره. و حاق بهم: أحاط بهم و حل بهم.
[22] غابر الدهر: ما سلف منه و مضي.
[23] محکمات الذکر: واضحاته و جلياته. و المراد من الذکر - هنا - القرآن المجيد.
[24] المراد من قوله «يد» هو السلطة و القوة.و جوي الصدر: حرقته و شدة حزنه.
[25] غيب نيته: المستور من نيته.
[26] مستلحمون: الداخلون في الحرب بلا وجدان مخلص منها.
[27] لا ينکصون: لايرجعون. و الروعة: الفزعة. و الذعر - کقفل -: الخوف.
[28] أي ان الموت يغشاهم و يعرضهم و هم مستقبلون علي قرنهم و عدوهم غير مستدبرين.
[29] المهادنة: «المسالمة. و القسر: القهر و الجبر.
[30] السر - هنا - الصفوة. و الأسرة: العشيرة.
[31] اليفاع: الشامخ. الرفيع. و الغفر و النسر: کوکبان في غاية العلو و الارتفاع.
[32] القرح: الجريح. و الوابل: المطر الشديد. و الغزر: الکثير.
[33] المثني: الذي يثني و يمدح. و المطري:الذي يطري و يثني.
[34] اللزبات: جمع اللزبة - کحربة -: الشدة. القحط.
[35] العاني: السائل المتعب الذي ذل.
[36] لعل المراد من قوله: «ستة» سيدته أي أمه.و هذا شائع في الشام و ما حولها يعبرون عن السيدة بالست.
[37] العوراء: الکلمة القبيحة. و عف: عفيف. و يعاف - کيخاف -: يکره. والهجر: الکلام القبيح.