بازگشت

درة الصدف و محاولاتها للانتصار لهم، والتصدي لأعدائهم


فيما يتعلق بما وقع في حلب علي ما نقل جمع من الكتاب الكبير لأبي مخنف، فنقلوا عنه أنه لما جرد بموصل ثلاثون ألف سيف، و تحالفوا علي قتل خولي لعنه الله و من معه، فبلغه ذلك، فلم يدخل البلد و أخذ تل عفرا ثم علي عين الوردة طلب القوم حلب لعنه الله، و كتبوا الي صاحب حلب أن تلقانا، فان معنا رأس الحسين خارجي، فلما وصل الكتاب اليه علم به عبدالله بن عمر الأنصاري، فعظم ذلك عليه و كثر بكاؤه و تجددت أخزانه، لأنه كان في زمن الرسول يحمل لهم الهدايا، و كان الحسن والحسين لا يفارقانه علي عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فلما بلغه سم الحسن و موته مثل في منزله قبرا، و جلله بالحرير والديباج، و كان يندب الحسن و يرثيه و يبكي عليه صباحا و مساء، فلما بلغه حينئذ قتل الحسين و حمل رأسه الي يزيد لعنه الله و وصوله الي حلب دخل منزله، و هو يرعد و يبكي، فلقيته ابنته درة الصدف، فقالت: ما بك يا أبتاه لا كبا بك الدهر، و لا نزل بقومك القهر، أخبرني عن حالك؟ فقال لها: يا بنية! ان أهل الشقاق والنفاق قتلوا حسينا و سبوا حريمه، والقوم سائرون بهم الي اللعين يزيد.

و زاد نحيبه و بكاؤه، و جعل يقول:



قل العزاء و فاضت العينان

و بليت بالأرزاء والأشجان



قتلوا الحسين و سيروا لنسائه

حرم الرسول بسائر البلدان



منعوه من ماء الفرات بكربلاء

و عدت عليه عصابة الشيطان



سلبوا العمامة و القميص و رأسه

قسرا يعلا فوق رأس سنان



فقالت له ابنته: يا أبتاه لا خير في الحياة بعد قتل الهداة، فوالله لأحرضن في خلاص الرأس والأساري، و أخذ الرأس، و أدفنه عندي في داري، و افتخر به علي أهل الأرض ان ساعدني الأمكان.


و خرجت درة الصدف و هي تنادي في اطراف حلب، و أزقتها: «قتل يا ويلكم الاسلام». ثم دخلت منزلها، فلبست درعا و تأزرت بالسواد، و خرجت و خرج معها من بنات الأنصار و حمير سبعون فتاة بالدروع والمغافر، فتقدمتهن فتاة يقال لها نائلة بنت بكير بن سعد الأنصاري و سرن من ليلتهن حتي اذا كان عند طلوع الشمس اذ لاحت لهن الغبرة من البعد و لاحت الأعلام، و ضربت البوقات أمام الرأس، فكمنت درة الصدف و من معها حتي قرب القوم منهن، فسمعن بكاء الصبيان و نوح النساء، فبكت درة الصدف و من معها بكاء شديدا، و قالت: ما رأيكن؟ قلن: الرأي أن نصبر حتي يقربوا منا و ننظر عدة القوم، حتي اذا طلعت الرايات و اذا تحتها رجال قد تلثموا بالعمايم، و جردوا السيوف، و شرعوا الرماح، و البيض تلمع والدروع تسطع و كل منهم يرتجز.

فأقبلت درة الصدف عليهن و قالت: الرأي أن نستنجد ببعض قبائل العرب و نلتقي القوم. و توجه جيش يزيد لعنه الله الي حلب و دخلوا من باب الأربعين و أتوا الي رحبة الدلالين، فنصبوا الرأس هناك، فهي الي يومنا هذا لا يقضي فيها حاجة، فباتوا تلك الليلة و ارتحلوا الي قنسرين و هي مدينة صغيرة.

فلما أحسوا بمجيئهم أغلقوا الباب، فناداه خولي لعنه الله: ألستم تحت الطاعة؟ قالوا: نعم، و لكن لو قتل كبيرنا و صغيرا ما عبر رأس الحسين ابن بنت رسول الله من وسط بلدنا، فارتحلوا و لم يدخلوا بلدهم، و ساروا الي معرة النعمان، فتلقوهم بالفرح والسرور، و فتحوا لهم الأبواب، و ذبحوا الذبائح، و باتوا ليلتهم، فلما أصبحوا رحلوا الي كفرطاب، فأغلقوا الأبواب، فطلب خولي فتحها، فقالوا: ان صاحب خراج بلدنا لم يأذن لنا بفتحها أو ترحلوا، فساروا لم يدخلوها.

فاتصل الخبر بأهل شيزر [1] ، فاجتمعوا و تحالفوا علي أن يمنعوهم الجواز برأس الحسين و لو قتلوا عن آخرهم، و أغلقوا الأبواب في وجوههم فالزمهم خولي لعنه الله، فعند ذلك جردوا السيوف و حملوا عليه، فقتلوا من أصحابه أربعين رجلا، و قتل من أهل شيرز [2] .


تسعة رجال و طال بينه و بينهم الخطاب.

فقالت ام كلثوم: ما يقال لهذه المدينة؟ قالوا: شيزر [3] . قالت: عذب الله شربكم، و أرخص سعركم، و رفع أيدي الظالمين عنكم، فهي الي يومنا هذا ما يعرف فيها الا العدل و الرخاء.

ثم ارتحلوا الي حماة و الرستين، و كتبوا الي صاحب حمص أن تلقانا. فخرج بالأعلام والبوقات و استقبل الرأس ثم شهر في حمص.

قال: و أما درة الصدف و أترابها، فانهن لما عزمن علي الاستنجاد ببعض أحياء العرب، جدين بالمسير حتي أتصلن نجلة، فاذا فيها البكاء و العويل و تجدد الأحزان. فقالت درة الصدف: أظن أن هؤلاء من موالي علي بن أبي طالب لما سمعوا بقدوم الرأس تجدد حزنهم فنظرت راعي ابل يندب ويبكي، فسلمت عليه، فقالت: ممن الرجل و ما هذا الحزن؟ فقال: انا من بني وائل. قالت: سادة كرام و ليوث عظام، فمن سيدكم والمقدم عليكم؟

قالوا [4] : أبوالأسود الدئلي مولي أميرالمؤمنين: لما قتل مولانا الحسين بكربلاء بلغ أمرنا الي يزيد و جعل يطلبنا و نحن تنتقل من مكان الي مكان.

فعند ذلك بكت درة الصدف و أترابها رقة، و خرت بنات الحي، فلطمن الخدود، و نشرن الشعور، و نادين: وا محمداه! وا علياه! فنادت درة الصدف: هل من يجير؟ و هل من ينصر علي الأعداء؟ هذا رأس الحسين يهدي به الي يزيد. و جعلت تندب الحسين و نساء الحي كذلك، اذ أقبل الأمير أبوالأسود الدئلي فسأل عنهن، فقالت درة الصدف: أيها الأمير أنا ابنة عبدالله، سيدة قومي، و قد نهضت في بنات عمي و عشيرتي لأخذ رأس الحسين من هؤلاء اللئام، فرأيت القوم في كثرة من العدد، فأتيت أطلب لنا منجدا، فلم أجد حتي اشرفت علي دياركم، و القوم قد قربوا منكم، فهل فيكم من ناصر؟ قال: فأطرق متكفرا، فقالت: أظنك دخلت في بيعة يزيد لعنه الله، فانتقض أبوالأسود نفضة


كادت تنفصل لها عظامه، و هو يقول:



أقول و ذاك من ألم و وجد

أزال الله ملك بني زياد



و أبعدهم كما غدروا و خانوا

كما بعدت ثمود و قوم عاد



فقالت له: اذا كان فعلك موافقا لقولك، فخذ في أحبتك و اخرج مع عشيرتك، فاما الظفر فنفوز بما طلبناه، و أما غيره فنلحق بالسادة الهداة.

فعندها نادي في قومه و بني عمه فأجابوه شاكين بالسلاح، حتي تكامل عنده سبعمائة فارس و راجل، من جملتهم مائة جارية فهم قد عزموا علي المسير: و اذا قد أشرف جيش مكمل بالسلاح يقدمهم فارس لم ير أشد منه بأسا، و هو ينشد و يرثي الحسين، فتأملوه، فاذا هو حنظلة بن جندلة الخزاعي و معه قومه و بنو عمه في سبعمائة فارس، و هو من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام، أتوا للملاقاة القوم.

فاجتمعوا علي وجه واحد، فتقدمت درة الصدف و قالت: بالله عليكم اجعلوني مفتاح الحرب، و كونوا من ورائي سندا. قالوا: تقدمي ينصرك الله. ثم أنها حملت في قومها حتي اذا قاربتهم صممت بالحملة علي محمد بن الأشعث، فطعنته في خاصرته و كان حامل رأس العباس بن أميرالمؤمنين عليه السلام، فمال الرأس من يده، فاستقبلته، فلم تدعه يصل الي الأرض، فأخذته و وضعته علي صخرة هناك، ثم عطفت نحو النسوان بعد أن شد محمد بن الأشعث طعنته بالقطن، و لبس درعه و وقف ينظر اليها و هي قاصدة بحملتها نحو النساء، و معهن سبعمائة فارس يحفظوهن.

فلما قاربتهم صاحوا بها: ويلك ارجعي، [5] فلم تلوذون أن طعنت شكار ابن محمد الأشعث [6] في صدره أخرجت السنان من ظهره فانجدل صريعا، ثم عطفت علي مراد بن شداد المذحجي بطعنة أخرجت بها قلبه، فوقع يخور بدمه و لم تزل كذلك حتي قتلت أحد عشر رجلا، فصاحت بعشيرتها، فأجابوها و حملت الرجال، و تداعت الأبطال و التحم القتال، و اذا بفارس من ورائها و هو يقول: أبشري بالنصر أيتها السيدة الكريمة.


فقالت: من أنت؟ قال: القاسم بن سعد من شيعة علي. فقالت: يا قاسم دونك و احفظ الحريم، فاعدل بهم الي الوادي.

فمضي الرجل و ساق الابل يريد بها الوادي، فعرفته ام كلثوم، فقالت: جزاك الله خيرا يا أبامحمد، انخ المطايا حتي ننزل. ففعل ذلك، و عدل الي الحرب و اذا بغبرة قد تقشعت، فخرج منها فارس كالليث يحامي علي الأشبال، فاذا هو أبوالأسود الدؤلي، فقال: يا قاسم أين النسوان؟ قال: في الوادي. ففرح ثم قال: مكانك لأنظر ما يصنع حنظلة و اذا أراه [7] قد التقي مع رجل من القوم يرتجز و يقول:



اليوم أشفي بالسنان قلبي

اكشف عني احنتي و كربي



أنا الذي أعرف عند الضرب

معي رجال قد أتوا بالقضب



فلما سمع حنظلة شعره قال: يا عدو الله! سننظر اذا حشر الخلق، كيف يشفع لك يزيد لعنه الله، ويلك نحن أولياء الذين لا ينكر فضلهم، و لا يجحد حقهم الا زنيم. ثم حمل كل واحد منهما علي صاحبه، فناداه أبوالأسود: يا أباالضياغم! دونك عدو الله عجل عليه. فحمل حنظلة، فصممه عليه، فضربه علي مفرق رأسه، فمحا محاسن وجهه، فوقع يبحث برجليه الأرض، فلما رأي أصحابه ذلك انكسرت حميتهم، فما كانت الا ساعة حتي ملكوا منهم الرؤوس، فلما رأي ذلك رجل منهم نزع عمامته من رأسه و خرق أطماره و نادي: يا بني ظبة! يا بني كندة! ما هذا التقصير عن هؤلاء؟ دونكم الحرب يا بني الكرام.

قال: فحمل المارقون علي شيعة آل محمد، فلم يكن لأعداء الله علي أوليائه طاقة. و قاتل حنظلة و أبوالأسود وقومه قتالا شديدا، فلما نظر مقدم الجيش ما فعل حنظلة و من معه قال: ما لنا الا أن نكاتب أهل حلب، فينجدنا عسكرهم فأرسل اليهم، فجاءت ستة آلاف فارس و راجل.


ثم انه نزل عن جواده و كاتب سائر البدان. فتواصلت اليه الجيوش من كل مكان، و أقام كل منهم القتال أيام، فتكاثرت الجيوش علي حنظلة و درة الصدف و من معهما، فقالوا: قد جاءنا ما لا طاقة لنا به، و لم يزل يقاتلون القوم الي أن قتلت درة الصدف و أخذت منهم الرؤوس والسبايا والحرم و اركبت النسوان و أتوا بهم الي حمص.

فقالت العامة: يا قوم! لا تدعوا رأس الحسين ابن بنت نبيكم يدخل مدينتكم، و منعوا خولي لعنه الله، فقاتلوه، فقتل من أهل المدينة ستة رجال، و اثنتا عشرة امرأة، انا لله وانااليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

الدربندي، أسرار الشهادة، / 492 - 490



پاورقي

[1] [في المطبوع:«شيرز»].

[2] [في المطبوع: «شيرز»].

[3] [في المطبوع: «شيرز»].

[4] [في المطبوع: «قال»].

[5] [هکذا، و في ط شرکة المصطفي: «فلم تسلو دون أن طعنت شکار ابن‏عم محمد الأشعث»].

[6] [هکذا، و في ط شرکة المصطفي: «فلم تسلو دون أن طعنت شکار ابن‏عم محمد الأشعث»].

[7] [في المطبوع: «يراه»].