بازگشت

زعفر الجني


ثم لا يخفي أن في قضية الجن قصة عجيبة يناسب ذكرها المقام، لكونه مؤيدا لما قدمناه من صدور الاجابة و التلبية علي النحو الكلي، و هي:

ان جمعا من الصلحاء الأخيار، نقلوا: عن لسان عالم من العلماء المعاصرين أنه قال: حدثني رجل ثبت ثقه [1] من طلاب العلوم، انه قال: كنت في برهة من الأزمنة، أو بخ و ألوم عند نفسي، بل عند جمع من الناس الزعفر الجني و كنت أتأسف علي رجوعه من كربلاء يوم عاشوراء بلا صدور نصرة منه للامام عليه السلام، و ما أسكت نفسي في هذا الباب، بأنه معذور في الرجوع من كربلاء من حيث أنه لم يرخصه في المجاهدة و النصرة، ثم كنت في ليلة من الليالي من العشر الأول من المحرم جالسا وحدي في منزلي، في مدرسة من مدارس اصفهان، و كنت أطالع بعض كتب المقتل موضع مجي ء الزعفر الجني مع عكسره الي كربلاء، و رجوعهم منها بلا صدور نصرة منهم.

فاذا برجل قد فتح الباب، و دخل علي، فسلم علي فرددت، و جلس و رحبته، و لكن تعجبت من فتحه الباب، لأنه كان مسدودا بحلقة معلقة عليه من حديد، فقال لي: لا تخف مني، فأنا أخوك الزعفر الجني، جئتك لأزورك و اشتكي منك اليك في كثرة ملامتك و ذمك اياي. ثم قال: يا أخي! أنك ما فهمت حقيقة الأمر الي الآن، و ما عرفت ذلك كنه المعرفة، الي هذا الزمان.

فاعلم اين وصلت الي أرض كربلاء مع عسكري في وقت، كانت أرض كربلاء في ذلك الوقت مملوة من جميع الجوانب و الأطراف بجنود و عساكر من طوائف الجن، و لهم ملوك عظماء، و سلاطين فخماء، و كنت أصغر هم شأنا، و أدونهم و أقلهم جندا، و كانت الهواء أيضا متصلة بعنان السماء، مملوة من الملائكة و الجن، متصلة بعضها من البعض في مقدم مقدم كل صف رئيسهم من الملائكة و الجن.


و كان أهل كل صف من الصفوف من قرب، كانوا أو بعد يسلمون علي الامام من كان وقوفهم مع مراعاتهم تبجيله و تعظيمه كمراعات الرعايا، بتبجيل سلطان السلاطين، و ملك الملوك، و كانوا يتضرعون اليه و يطلبون منه الرخصة في النصرة، و قتال الكفار و كان موقفي، و موقف عسكري في بعد من الامام عليه السلام بمقدار أربعة فراسخ، و ذلك لعدم المكان الخالي عن الشاغل في أقرب من ذلك المكان في الأرض و لا في الهواء، فسلمنا بالتبجيل و التعظيم علي الامام عليه السلام، فرد علينا السلام.

ثم شرع في التكلم مع أهل كل صف صف من صفوف الملائكة و طوائف الجن، فجزي الكل خيرا و دعا لهم في آخر كلامه، فلم يرخص أحدا من الملائكة و طوائف الجن في النصرة و الجهاد، فرجع الكل الي أمكنتهم، و أنا مع ذلك ما زلت في أرض كربلاء، و لكن كنت مع عسكري في ناحية من أرض كربلاء، و كنا نبكي، و نجزع، و نلطم [2] .

فلما صار ما صار من أمر شهادة سيد الشهداء، فارتحل الكفار من أرض كربلاء مع السبايا، و حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و الرؤوس المطهرة المنورة، كنت أنا و أصحابي نمشي، و نسير في عقبهم، و ذلك كان منا بقصد خدمة أهل البيت و الحرم، و التعرض و التوجه الي جملة من الأمور، كحفظ الأطفال عن السقوط، عن ظهور الابل و نحو ذلك.

[3] فلما وصل عسكر ابن زياد (لعنة الله) الي الكوفة، غابت الشمس، فلم يتمكنوا من أن يدخلوا الكوفة بأجمعهم، فنزل طوائف منهم من الحرسة، و المتوكلين [4] علي السبايا، و الرؤوس المطهرة في خارج الكوفة، [5] و ضربوا في ناحية الفساطيط، و الخيام لأنفسهم [6] ، و أنزلوا السبايا، و أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في ناحية أخري. [7] .


فلما مضت ساعة من الليل خرجت جماعة من الكوفة، و معهم الظروف و الأواني و الموائد المملوة باللحوم المطبوخة، و سائر الأطعمة من المطبوخات و غيرها، فجاؤوا بهنا الي الحرسة و المتوكلين [8] و أطفال أهل البيت في ذلك الوقت في شدة البكاء و الجزع من ضر الجوع و زاد جزعهم، لما شموا رائحة المطبوخات.

فجاءت فضة الي زينب الصديقة [9] الطاهرة، و قالت: يا سيدتي! و سيدة النساء، أما ترين الأطفال،و ما فيهم من ضر الجوع؟فقالت الصديقة [10] عليهاالسلام: ما الحيلة: ما الحيلة يا فضة؟

قالت [11] : ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قال لي: أن لك ثلاث دعوات مستجابة، فمضت دعوتان منها، و بقيت الثالثة فأذني [12] لي أن أدعو الله تعالي، حتي يفرجنا في شأن الأطفال. فرخصتها.

فجاءت الي ناحية فيها تل صغير، فصلت فيه ركعتين لأستجابة الدعاء [13] فدعت الله تعالي [14] .

فبينما هي في أثناء دعوتها، فاذا قد نزلت من السماء قصعة مملوة باللحم و المرق، و فوقها قرصان من الخبز، و كانت نفحات المسك و العنبر و الزعفران،تفوح من تلك القصعة، فكان غذاء أهل البيت [15] من سيد الساجدين [16] و النساء و الأطفال من تلك القصعة، [17] و هذين [القرصين] [18] فكانوا كلما يحتاجون الي الغذاء، يأكلون منها، و يشبعون، ثم كانت القصعة بحالها، أي مملوة باللحم، و المرق كأنها لم ينقص منها شي ء أصلا، و كذا القرصان، فكانت هذه الآية الساطعة، و النعمة الالهية، و المائدة السماوية، موجودة عند أهل البيت الي اليوم الذي و ردوا المدينة، فبعد ذلك اليوم فقدت و ارتفعت [19] .


ثم قال الزعفر: هذه قصتي و الله ما فارقت أنا، و لا أصحابي أهل البيت من يوم عاشوراء الي أن و ردوا أهل البيت مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فلا تلمني، و لا تذمني بعد ذلك. ثم غاب الزعفر عن عين هذا الرجل الصالح، فتاب، و تندم عن ذمه اياه، و ترحم له.

الدربندي، أسرار الشهادة، / 408 - 407 مساوي عنه: المازندراني، معالي السبطين، 97 - 96 / 2



پاورقي

[1] الثبت الثقة: بجمع الأثبات.

[2] اللطم: ضرب الخد و صفحة الجسد بالکف.

[3] [من هنا حکاه عنه في المعالي و وسيلة الداين].

[4] [في المعالي و وسيلة الدارين: «و الموکلين»].

[5] [في المعالي: «و ضربوا الخيام و الفساطيط لأنفسهم في ناحية». و في وسيلة الدارين: «و ضربوا الخيام و الفساطيط من ناحية»].

[6] [في المعالي: «و ضربوا الخيام و الفساطيط لأنفسهم في ناحية». و في وسيلة الدارين: «و ضربوا الخيام و الفساطيط من ناحية»].

[7] [الي هنا حکاه في وسيلة الدارين، / 354].

[8] [المعالي: «الموکلين»].

[9] [لم يرد المعالي].

[10] [المعالي: زينب عليها السلام»].

[11] [زاد في المعالي: «يا سيدتي»].

[12] [في المطبوع: «فأذن»].

[13] [المعالي: «ثم دعت»].

[14] [المعالي: «ثم دعت»].

[15] [المالي: «و السجادعليه‏السلام»].

[16] [المالي: «و السجادعليه‏السلام»].

[17] [المعالي: «و من هذين القرصين»].

[18] [المعالي: «و من هذين القرصين»].

[19] [الي هنا حکاه عنه في المعالي].