بازگشت

العقيلة زينب تحرض الأصحاب و هم يعدونها بالحماية ببذل النفوس


[هلال بن نافع]: ثم فارقني و دخل خيمة أخته، فوقفت الي جنبها رجاء أن يسرع في خروجه منها، فاستقبلته زينب، و وضعت له متكئا، و جلس و جعل يحدثها سرا، فما لبثت أن اختنقت بعبرتها، و قالت: وا أخاه! أشاهد مصرعك، و أبتلي برعاية هذه المذاعير من النساء، و القوم كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم، ذلك خطب جسيم يعز علي مصرع هؤلاء الفتية الصفوة، و أقمار بني هاشم.

ثم قالت: أخي هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟ فاني أخشي أن يسلموك عند الوثبة، و اصطكاك الأسنة. فبكي عليه السلام و قال: أما و الله لقد نهرتهم، و بلوتهم، و ليس فيهم الا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل بلبن أمه.

فلما سمع هلال ذلك، بكي رقة، و جعل طريقه علي منزل حبيب بن مظاهر، فرآه جالسا، و بيده سيف مصلت، فسلم عليه، و جلس بباب الخيمة، ثم قال له: ما أخرجك يا هلال؟ فحكي له ما كان. فقال حبيب: اي و الله لولا انتظار أمره لعاجلتهم، و عالجتهم هذه الليلة بسيفي. ثم قال هلال: يا حبيب! فارقت الحسين عليه السلام عند أخته، و هي في حال و جل، و رعب، و أظن أن النساء أفقن، و شاركنها في الحسرة و الزفرة، فهل لك أن تجمع أصحابك، و تواجههن بكلام يسكن قلوبهن، و يذهب رعبهن، فلقد شاهدت منها ما لا قرار لي مع بقائه. فقال له: طوع ارادتك.

فبرز حبيب ناحية، و هلال الي جانبه و انتدب أصحابه، فتطالعوا من منازلهم، فلما اجتمعوا، قال لبني هاشم: ارجعوا الي منازلكم، لا سهرت عيونكم. ثم خطب أصحابه، و قال: يا أصحاب الحمية، و ليوث الكريهة، هذا هلال يخبرني الساعة بكيت و كيت، و قد خلف أخت سيدكم و بقايا عياله يتشاكين، و يتباكين، أخبروني عما أنتم عليه.

فجردوا صوارمهم، و رموا عمائمهم، و قالوا: يا حبيب! أما و الله الذي من علينا بهذا الموقف، لئن زحف القوم لنحصدن رؤوسهم، و لنلحقنهم بأشياخهم أذلاء صاغرين،


و لنحفظن وصية رسول الله صلي الله عليه و آله في أبنائه، و بناته. فقال: هلموا معي. فقام يخبط الأرض، و هم يعدون خلفه حتي وقف بين أطناب الخيم و نادي: يا أهلنا! و يا ساداتنا! و يا معاشر حرائر رسول الله! هذه صوارم فتياتكم آلوا أن لا يغمدوها الا في رقاب من يبتغي السوء فيكم، و هذه أسنة غلمانكم، أقسموا أن لا يركضوها [1] الا في صدور من يفرق ناديكم. فقال الحسين عليه السلام: اخرجن عليهم يا آل الله. فخرجن، و هن ينتدبن، و هن يقلن: حاموا أيها الطيبون من الفاطميات، ما عذركم اذا لقينا جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله، و شكونا اليه ما نزل بنا.

البهبهاني، الدمعة الساكبة، 274 - 273/4 مساوي عنه: المازندراني، معالي السبطين، 346 - 344/1

ثم دخل الحسين خيمة زينب، و وقف نافع بازاء الخيمة ينتظره، فسمع زينب تقول له: هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟ فاني أخشي أن يسلموك عند الوثبة.

فقال لها: و الله لقد بلوتهم، فما وجدت فيهم الا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل الي محالب أمه.

قال نافع: فلما سمعت هذا منه بكيت، و أتيت حبيب بن مظاهر و حكيت ما سمعت منه، و من أخته زينب.

قال حبيب: و الله لولا انتظار أمره، لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة. قلت: اني خلفته عند أخته و أظن النساء أفقن، و شاركنها في الحسرة، فهل لك أن تجمع أصحابك و تواجهوهن بكلام يطيب قلوبهن؟ فقام حبيب، و نادي: يا أصحاب الحمية، و ليوث الكريهة، فتطالعوا من مضاربهم كالأسود الضارية. فقال لبني هاشم: ارجعوا الي مقركم، لا سهرت عيونكم.

ثم التفت الي أصحابه، و حكي لهم ما شاهده و سمعه نافع، فقالوا بأجمعهم: و الله الذي من علينا بهذا الموقف، لولا انتظار أمره، لعاجلناهم بسيوفنا الساعة! فطب نفسا و قر عينا. فجزاهم خيرا.

و قال: هلموا معي لنواجه النسوة، و نطيب خاطرهن. فجاء حبيب و معه أصحابه
و صاح: يا معشر حرائر رسول الله! هذه صوارم فتيانكم، آلوا ألا يغمدوها الا في رقاب من يريد السوء فيكم، و هذه أسنة غلمانكم، أقسموا ألا يركزوها الا في صدور من يفرق ناديكم.

فخرجن النساء اليهم ببكاء و عويل، و قلن: أيها الطيبون! حاموا عن بنات رسول الله و حرائر أميرالمؤمنين.

فضج القوم بالبكاء حتي كأن الأرض تميد بهم. [2] .

المقرم، مقتل الحسين عليه السلام، /266 - 265

ثم دخل الحسين خيمة النساء، و وقف نافع بازاء الخيمة ينتظره. فسمع زينب تقول للحسين - و قد اختنقت بعبرتها -: وا أخاه! وا حسيناه! أشاهد مصرعك، و أبتلي برعايتي هذه المذاعير من النساء، و القوم - يا ابن أمي - كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم، ذلك خطب جسيم، يعز علي مصرع هذه الفتية و أقمار بني هاشم.

ثم قالت: يا أخي! هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟ فاني أخشي أن يسلموك عند الوثبة، و اصطكاك الأسنة.

فبكي الحسين عليه السلام و قال لها: أما و الله، لقد بلوتهم، فما وجدت فيهم الا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل الي محالب أمه.

قال نافع: فلما سمعت هذا منه، بكيت، و أتيت حبيب بن مظاهر، فوجدته جالسا في خيمته، و السيف مصلت بين يديه، فحكيت له ما سمعت من الحسين و من أخته زينب، الي قول الحسين «يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل الي محالب أمه»، فنهض حبيب قائما علي قدميه، و قال: و الله، لولا انتظار أمره، لعاجلتهم و عالجتهم بسيفي هذه الليلة ما ثبت قائمه بيدي.

فقلت له: اني خلفته عند أخته زينب، و هي في حال و جل و رعب، و أظن أن النساء قد أفقن، و شاركنها في الحسرة، فهل لك أن تجمع أصحابك، تواجههن بكلام يطيب


قلوبهن، و يذهب رعبهن.

فقام حبيب - و معه نافع - و نادي بين الخيام: يا أصحاب الحمية، و يا ليوث الكريهة.

فتطالعوا من مضاربهم كالأسود الضارية، يقدمهم أبوالفضل العباس بن علي عليه السلام. فقال لبني هاشم: ارجعوا الي مقركم، لا سهرت عيونكم.

ثم التفت الي أصحابه، و حكي لهم ما شاهده و سمعه نافع من الحسين و من أخته زينب.

فقالوا - بأجمعهم -: و الله الذي من علينا بهذا الموقف، لولا انتظار أمره، لعاجلناهم بسيوفنا الساعة، فطب نفسا، و قر عينا.

فجزاهم حبيب خيرا، و قال: هلموا لنواجه النسوة، و نطيب خاطرهن.

و جاء حبيب - و معه أصحابه - الي خيم النساء، و أخذ ينادي: السلام عليكم يا ساداتنا، السلام عليكم يا معشر حرائر رسول الله، هذه صوارم فتيانكم، آلوا أن لا يغمدوها الا في رقاب من يريد السوء بكم، و هذه أسنة غلمانكم، أقسموا أن لا يركزوها الا في صدور من يفرق ناديكم.

فخرجن النساء اليهم ببكاء و عويل - تقدمهن العقيلة زينب - و قلن لهم: «أيها الطيبون، حاموا عن بنات رسول الله و حرائر أميرالمؤمنين». فضج القوم بالبكاء حتي كأن الأرض تميد بهم.

بحرالعلوم، مقتل الحسين عليه السلام (الهامش)، /285 - 284



پاورقي

[1] [المعالي: «لا يرکزوها»].

[2] الدمعة الساکبة ص 325، و تکرر في کلامه هلال بن نافع و هو اشتباه، فان المضبوط «نافع بن هلال»، کما في زيارة الناحية و تاريخ الطبري و کامل ابن‏الأثير.