بازگشت

لقاء معاوية مع الامام الحسين و ابن عباس


فلما كان صبيحة اليوم الثاني، أمر بفراش فوضع له، و سويت مقاعد الخاصة حوله و تلقاءه من أهله، ثم خرج و عليه حلة يمانية، و عمامة دكناء، و قد أسبل طرفها [1] بين كتفيه، و قد تغلي [2] و تعطر، فقعد علي سريره، و أجلس كتابه منه بحيث يسمعون ما يأمر به، و أمر حاجبه أن لا يأذن لأحد من الناس و ان قرب، ثم أرسل الي الحسين بن علي، و عبدالله بن عباس، فسبق ابن عباس، فلما دخل و سلم أقعده في الفراش عن يساره، فحادثه مليا، ثم قال: يا ابن عباس؛ لقد وفر الله حظكم من مجاورة هذا القبر الشريف، و دار الرسول عليه الصلاة و السلام. فقال ابن عباس: نعم أصلح الله أميرالمؤمنين، و حظنا من القناعة بالبعض و التجافي عن الكل أوفر، فجعل معاوية يحدثه و يحيد به عن طريق المجاوبة، و يعدل الي ذكر الأعمار علي اختلاف الغرائز و الطبائع، حتي أقبل الحسين بن علي؛ فلما رآه معاوية جمع له و سادة كانت علي يمينه، فدخل الحسين و سلم، فأشار اليه، فأجلسه عن يمينه مكان الوسادة، فسأله معاوية عن حال بني أخيه الحسن و أسنانهم، فأخبره، ثم سكت. قال: ثم ابتدأ معاوية، فقال: أما بعد، فالحمد لله ولي النعم، و منزل النقم، و أشهد أن لا اله الا الله المتعالي عما يقول الملحدون علوا كبيرا، و أن محمدا عبده المختص المبعوث الي الجن و الانس كافة، لينذرهم بقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. فأدي عن الله، و صدع بأمره، و صبر علي الأذي في جنبه، حتي وضح [3] دين الله، و عز أولياؤه، و قمع المشركون، و ظهر أمر الله و هم كارهون؛ فمضي - صلوات الله عليه -، و قد ترك من الدنيا ما بذل له، و اختار منها الترك لما سخر له، زهادة و اختيارا لله، و أنفقة و اقتدارا علي الصبر. بغيا لما يدوم و يبقي؛ [4] فهذه صفة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم [5] ، ثم خلفه رجلان محفوظان، و ثالث مشكور [6] ، و بين ذلك خوض طال ما


عالجناه مشاهدة و مكافحة و معاينة و سماعا، و ما أعلم منه فوق ما تعلمان، و قد كان [7] من أمر يزيد ما سبقتم اليه و الي تجويزه، و قد علم الله ما أحاول به في أمر الرعية، من سد الخلل، و لم الصدع بولاية يزيد [8] بما أيقظ العين، و أحمد الفعل، هذا معناي في يزيد [9] ، و فيكما فضل القرابة، و حظوة العلم، و كمال المروءة، و قد أصبت من ذلك عند يزيد علي المناظرة و المقابلة، ما أعياني مثله عندكما، و عند غيركما، مع علمه بالسنة، و قراءة القرآن، و الحلم الذي يرجح بالصم الصلاب، و قد علمتما أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة، قدم علي الصديق و الفاروق، و من دونهما من أكابر الصحابة، و أوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل، من لم يقارب القوم و لم يعاندهم برتبة في قرابة موصولة، و لا سنة مذكورة، فقادهم الرجل بأمره، و جمع بهم صلاتهم، و حفظ عليهم فيئهم، و قال فلم يقل معه، و في رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أسوة حسنة، فمهلا بني عبدالمطلب، فأنا و أنتم شعبا نفع وجد، و مازلت أرجو الانصاف في اجتماعكما، فما يقول القائل الا بفضل قولكما، فردا علي ذي رحم مستعتب ما يحمد به البصيرة في عتابكما، و أستغفر الله لي و لكما.

قال: فتيسر ابن عباس للكلام، و نصب يده للمخاطبة، فأشار اليه الحسين، و قال: علي رسلك، فأنا المراد، و نصبي في التهمة أوفر. فأمسك ابن عباس، فقام الحسين، فحمد الله و صلي علي الرسول، ثم قال: أما بعد يا معاوية، فلن يؤدي القائل، و ان أطنب في صفة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من جميع جزءا، و قد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من ايجاز الصفة و التنكب عن استبلاغ النعت [10] ، و هيهات هيهات يا معاوية: فضح الصبح فحمة الدجي، و بهرت الشمس أنوار السرج،- و لقد فضلت حتي أفرطت، و استأثرت حتي أجحفت، و منعت حتي [11] محلت، و جزت [12] حتي جاوزت ما بذلت لذي حق من اسم [13] حقه بنصيب، حتي أخذ الشيطان حظه الأوفر، و نصيبه الأكمل، و فهمت ما ذكرته عن


يزيد من اكتماله، و سياسته لأمة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوبا، أو تنعت غائبا، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص و قد دل يزيد من نفسه علي موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، و الحمام السبق لأترابهن، و القيان [14] ذوات المعازف و ضرب الملاهي تجده باصرا [15] ، ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقي الله من وزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور، و حنقا في ظلم حتي ملأت الأسقية [16] و ما بينك و بين الموت الا غمضة، فتقدم علي عمل محفوظ، في يوم مشهود، ولات حين مناص، و رأيك عرضت بنا بعد هذا الأمر، و منعتنا عن آبائنا تراثا، و لقد - لعمر الله - أورثنا الرسول عليه الصلاة و السلام ولادة، و جئت لنا [17] بها، أما [18] حججتم به القائم عند موت الرسول، فأذعن للحجة بذلك، ورده الايمان الي النصف، فركبتم الأعاليل، و فعلتم الأفاعيل، و قلتم: كان و يكون، حتي أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار، و ذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و تأميره له، [19] و قد كان ذلك [20] ، و لعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول، و بيعته [21] له، و ما صار - [22] لعمر الله - يومئذ مبعثهم [23] حتي أنف القوم امرته، و كرهوا تقديمه، و عدوا عليه أفعاله، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: لا جرم معشر المهاجرين، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري، فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول، في أوكد [24] الأحكام، و أولادها بالمجمع [25] عليه من الصواب؟ أم كيف صاحبت [26] بصاحب تابعا، و حولك من لا يؤمن في صحبته، و لا


يعتمد في دينه و قرابته، و تتخطأهم الي مسرف مفتون، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه، و تشقي بها في آخرتك. ان هذا لهو الخسران المبين. و أستغفر الله لي و لكم.

قال: فنظر معاوية الي ابن عباس فقال: ما هذا يا ابن عباس؟ و لما عندك أدهي و أمر. فقال ابن عباس: لعمر الله انها لذرية الرسول، و أحد أصحاب الكساء، و في البيت المطهر، فاله [27] عما تريد، فان لك في الناس مقنعا، حتي يحكم الله بأمره و هو خير الحاكمين [28] فقال معاوية: أعود [29] الحلم التحلم، قال [30] : و خيره التحلم عن الأهل. انصرفا في حفظ الله.

ابن قتيبة، الامامة و السياسة، 161 - 159 / 1 مساوي عنه: الأمين، أعيان الشيعة، 584 - 583 / 1؛ بحرالعلوم، مقتل الحسين عليه السلام، / 98 - 95



پاورقي

[1] [بحرالعلوم: «طرفيها»].

[2] تغلي: «تضمخ بالغالية و هي أحسن أنواع المسک.

[3] [بحرالعلوم: «أوضح»].

[4] [لم يرد في بحرالعلوم].

[5] [لم يرد في بحرالعلوم].

[6] [بحرالعلوم: «مشکوک»].

[7] [و في أعيان الشيعة مکانه: «ثم خطب معاوية خطبة ذکر فيها النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قال في آخرها: قد کان...»].

[8] [لم يرد في بحرالعلوم].

[9] [لم يرد في بحرالعلوم].

[10] [أعيان الشيعة: «البيعة»].

[11] [في أعيان الشيعة و بحرالعلوم «بخلت، و جرت»].

[12] [في أعيان الشيعة و بحرالعلوم «بخلت، و جرت»].

[13] [بحرالعلوم: «أتم»].

[14] [أعيان الشيعة: «القينات»].

[15] [أعيان الشيعة: «ناصرا»].

[16] الأسقية جمع سقاء و هو القربة، و المراد أنک تکلمت کثيرا حتي ملأت الأوعية من کثرة کلامک.

[17] [أعيان الشيعة: «بما»].

[18] [أعيان الشيعة: «بما»].

[19] [لم يرد في بحرالعلوم].

[20] [لم يرد في بحرالعلوم].

[21] [أعيان الشيعة: «ببعثه»].

[22] [في أعيان الشيعة و بحرالعلوم: «لعمرو - يومئذ -»].

[23] [في أعيان الشيعة و بحرالعلوم: «لعمرو - يومئذ -»].

[24] [بحرالعلوم: «الأحوال و أولادها بالمجتمع»].

[25] [بحرالعلوم: «الأحوال و أولادها بالمجتمع»].

[26] [أعيان الشيعة:«ضاهيت»].

[27] [أعيان الشيعة:«فأسأله»].

[28] [الي هنا حکاه عنه في أعيان الشيعة].

[29] [بحرالعلوم: «عود»].

[30] [لم يرد في بحرالعلوم].