بازگشت

كرب الرشيد لقبر الحسين


عن علي بن محمد بن مخلد الجعفي الدهان بالكوفة، قال حدثنا أحمد بن ميثم بن أبي نعيم [1] ، قال حدثنا يحيي بن عبدالحميد الجماني [2] أملاه علي في منزله، قال: خرجت أيام ولايت موسي بن عيسي الهاشمي في الكوفة [3] من منزلي، فلقيني أبوبكر بن عياش [4] ، فقال لي امضي بنا يا يحيي، فلم أدر من يعني، و كنت أجل أبابكر عن مراجعته، و كان راكبا حمارا له، فجعل يسير عليه و أنا أمشي مع ركابه. فلما صرنا عند الدار، المعروفة بدار عبدالله بن حازم، التفت الي فقال لي، يا ابن الجماني


انما جررتك معي و حشمتك مع أن تمشي خلفي، لأسمعك ما أقول لهذا الطاغية، قال فقلت له: من هو يا أبابكر، قال: هذا الفاجر الكافر موسي بن عيسي. فسكت عنه. و مضي و أنا أتبعه، حتي اذا صرنا علي باب موسي بن عيسي و بصر به الحاجب، و كان الناس ينزلون عند الرحبة فلم ينزل أبوبكر هناك، و كان عليه يومئذ قميص و ازار، و هو محلول الازرار. قال: فدخل علي حماره و ناداني: تعال يا ابن الجماني، فمنعني الحاجب، فزجره أبوبكر، و قال له: أتمنعه يا فاعل و هو معي، فتركني. فمازال يسير علي حماره حتي دخل الابواب، فبصر بنا موسي و هو قاعد في صدر الايوان علي سريره، و بجنبي السرير رجال مسلحون و كذلك كانوا يصنعون. فلما رآه موسي رحب به و أقعده علي سريره، و منعت أنا حين وصلت الي الايوان أن أتجاوزه فلما استقر أبوبكر علي السرير التفت فرآني حيث أنا واقف، فناداني: تعال ويحك، فصرت اليه و نعلي في رجلي و علي قميص و ازار، فأجلسني بين يديه فالتفت اليه موسي فقال: هذا رجل تكلمنا فيه، قال: لا ولكن جئت به شاهدا عليك. قال: في ماذا، قال: اني رأيتك و ما صنعت بهذا القبر، قال: أي قبر، قال: قبر الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله (ص).

و كان موسي قد وجه اليه اليه من كربه و كرب جميع أرض الحاير، و حرثها و زرع الزرع فيها. فانتفخ موسي حتي كاد أن يتقد، ثم قال: و ما أنت وذا، قال: اسمع حتي أخبرك، اعلم اني رأيت في منامي كأني خرجت الي قومي بني غاضره، فلما صرت بقنطرة الكوفة أعرضني خنازير عشرة، فأعانني الله برجل كنت أعرفه من بني أسد، فدفعهم عني. فمضيت لوجهي فلما صرت الي شاهي [5] ظللت الطريق فرأيت هناك عجوزا


فقال لي: اين تريد أيها الشيخ؟ قلت: أريد الغاضرية [6] ، قال لي: تنظر هذا الوادي، فانك اذا أتيت آخره اتضح لك الطريق. فمضيت فلما صرت الي نينوا [7] اذ أنا بشيخ كبير جالس هناك، فقلت من أين أنت أيها الشيخ، فقال لي: أنا من أهل هذه القرية. فقلت: كم تعد من السنين. فقال: ما أحفظ ما مضي من سني عمري، ولكن أبعد ذكري اني رأيت الحسين بن علي عليهماالسلام، و من كان معه من أهله، و من تبعه يمنعون الماء الذي تراه، و لا يمنع الكلب و لا الوحوش شربه. فاستعظمت ذلك، و قلت له: ويحك أنت رأيت هذا. قال: اي و الذي سمك السماء، لقد رأيت هذا أيها الشيخ و عاينته، و انك و أصحابك هم الذين يعينون علي ما قد رأينا مما أقرح عيون المسلمين، ان كان في الدنيا مسلم.

فقلت ويحك و ما هو، قال: حيث لم تنكروا ما أجري سلطانكم اليه، قال: أيكرب قبر ابن النبي، و يحرث أرضه. قلت: و أين القبر قال: ها هوذا، أنت واقف. فأما القبر، فقد عمي عن أن يعرف موضعه. قال أبوبكر بن عياش و ما كنت رأيت القبر قبل ذلك الوقت قط، و لا أتيته في طول عمري. فقلت: من لي بمعرفته، فمضي معي الشيخ حتي وقف


علي [8] حير له باب و آذن. و اذا بجماعة كثيرة علي الباب، فقلت للآذان: أريد الدخول علي ابن رسول الله (ص)، فقال: لا تقدر علي الوصول في هذا الوقت. قلت و لم؟: قال: هذا وقت زيارة ابراهيم خليل الله و محمد رسول الله، و معهما جبرائيل و ميكائيل في رعيل الملائكة كثير. قال أبوبكر بن عياش: فانتبهت و قد دخلني روع شديد و حزن و كآبة.

و مضت بي الأيام حتي كدت أن أنسي المنام، ثم اضطررت الي الخروج الي بني غاضرة لدين كان لي علي رجل منهم. فخرجت و أنا لا أذكر الحديث حتي صرت بقنطرة الكوفة، لقيتني عشرة من اللصوص، فحين رأيتهم ذكرت الحديث و رعبت من خشيتي لهم. فقالوا لي: الق ما معك و انج بنفسك. و كانت معي ئفيقة، فقلت: ويحكم أنا أبوبكر بن عياش، و انما خرجت في طلب دين لي، و الله الله لا تقطعوني عن طلب ديني، و تضروني في نفقتي فاني شديد الاضاقة. فنادي رجل منهم: مولاي و رب الكعبة لا تعرض له. ثم قال لبعض فتيانهم كن معه حتي تصير به الي الطريق الايمن.

قال أبوبكر: فجعلت أتذكر ما رأيته في المنام و أتعجب من تأويل الخنازير. حتي صرت الي نينوا، فرأيت و الله لا اله الا هو الشيخ الذي كنت رأيته في منامي بصورته و هيئته، رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء. فحين رأيته ذكرت الأمر و الرؤيا، فقلت لا اله الا الله ما كان الا


هذا الا وحيا. ثم سألته كمسألتي اياه في المنام، فأجابني ثم قال لي: امضي بنا، فمضيت فوقفت معه علي الموضع و هو مكروب، فلم يفتني شي ء في منامي، الا الآذن و الحير، فاني لم أر حيرا و لم أر آذنا.

فاتق الله أيها الرجل، فاني قد آليت علي نفسي ألا أدع اذاعة هذا الحديث و لا زيارة ذلك الموضع و قصده و اعظامه، فان موضعا يأتيه ابراهيم و محمد و جبرائيل و ميكائيل لحقيق بأن يرغب في اتيانه و زيارته. فان أباحصين حدثني، ان رسول الله (ص)، قال: من رآني في المنام فاياي رأي. فان الشيطان لا يتشبه به. فقال له موسي: انما أمسكت عن اجابة كلامك لأستوفي هذه الحمقة التي ظهرت منك، و بالله لئن بلغني بعد هذا الوقت انك تتحدث بهذا لأضربن عنقك و عنق هذا الذي جئت به شاهدا علي. فقال أبوبكر: اذا يمنعني و الله و اياه منك، فاني انما أردت الله بما كلمتك به، فقال له أتراجعني يا عاض وشتمه. فقال له: اسكت أخزاك الله و قطع لسانك، فأرعد موسي علي سريره ثم قال خذوه، فاخذ الشيخ عن السرير، فاخذت أنا فوالله لقد مر بنا من السحب و الجر و الضرب ما ظننت اننا لا نكثر الاحياء أبدا. و كان أشد ما مربي من ذلك، ان رأسي كان يجر علي الصخرة، و كان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي، و موسي يقول اقتلوهما بني كذا و كذا لا يكني، و أبوبكر يقول له: امسك قطع الله لسانك و انتقم منك، اللهم اياك أردنا، و لولد وليك غضبنا، و عليك توكلنا. فصيرنا جميعا في الحبس فما لبثنا الا قليلا، فالتفت أبوبكر و رأي ثيابي قد خرقت و سالت دمائي، فقال يا جماني قد قضينا لله حقا و اكتسبنا في يومنا هذا أجرا، و لن يضيع ذلك عند الله و لا عند رسوله. فما لبثنا الا مقدار غذائه و نومه، حتي جاءنا رسوله فأخرجنا اليه و طلب حمار أبي بكر، فلم يوجد فدخلنا عليه فاذا هو في سرداب له يشبه الدور سعة و كبرا فتعبنا في المشي اليه تعبا شديدا. و كان أبوبكر اذا تعب في مشيه جلس


يسيرا، ثم يقول اللهم ان هذا فيك فلا تنسه، فلما دخلنا علي موسي، و اذا هو علي سرير له فحين بصر بنا قال لا حيا الله و لا قرب من جاهل أحمق يتعرض لما يكره. ويلك يا دعي ما دخولك فيما بيننا معشر بني هاشم. فقال له أبوبكر: سمعت كلامك و الله حسبك. فقال له: اخرج قبحك الله، و الله لئن بلغني ان هذا الحديث شاع أو ذكر عنك لأضربن عنقك. ثم التفت الي فقال: يا كلب، وشتمني و قال اياك أن تظهر هذا فانه انما خيل لهذا الشيخ الأحمق شيطان يلعب به في منامه. اخرجا عليكما لعنة الله و غضبه. فخرجنا، و قد يئسنا من الحياة. فلما وصلنا الي منزل الشيخ أبي بكر و هو يمشي و قد ذهب حماره، فلما أراد أن يدخل منزله، التفت الي و قال: احفظ هذا الحديث و اثبته عندك، و لا تحدثن هؤلاء الرعاع، ولكن حدث به أهل العقول و الدين.



پاورقي

[1] وصفه الطوسي في الفهرست ص 25. بقوله: کان من ثقات أصحابنا الکوفيين وفقهائهم و له مصنفات. ثم عدد أسماء مصنفاته.

[2] ذکره الشيخ الطوسي في الفهرست ص 177.

[3] کانت ولاية موسي بن عيسي العباسي للکوفة، من سنة 169 ه الي سنة 171 ه (برواية الطبري أبوجعفر).

[4] ترجمته في معجم الادباء لياقوت الحموي ج 7 ص 90. و قد توفي في سنة ثلاث و تسعين و مائة، في السنة التي مات فيها الرشيد. و هو من طبقة الفقهاء الادباء.

[5] شاهي: موضع قرب القادسية مما أحسب (معجم البلدان ج 5 ص 224). و قد جاء في مقاتل الطالبيين ص 218 ان يحيي بن عمر بن يحيي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (ع)، عندما أراد الخروج بدء فزار قبر الحسين (ع) و أظهر لمن حضره من الزوار ما أراده، فاجتمعت اليه جمعية من الاعراب و مضي فقصد (شاهي) فأقام بها الليل، ثم دخل الکوفة ليلا و ذلک في خلافة المستعين بالله العباسي.

[6] الغاضرية: من نواحي الکوفة، قريبة من کربلاء (مراصد الاطلاع لابن عبدالحق الحنبلي). راجع ص 106 من الکتاب.

[7] نينوي: بالکسر ثم السکون، و فتح النون و الواو بوزن طيطوي... و بسواد الکوفة ناحية يقال لها نينوي. منها کربلاء التي قتل فيها الحسين (مراصد الاطلاع). راجع ص 106 من الکتاب.

[8] جاء في تاج العروس للزبيدي (ج 3 ص 164) عن الحير ما لفظه: (الحير مخففة من) الحائر بطرح الالف کما عليه أکثر الناس، و عامتهم، کما يقولون لعائشة: عيشه. قيل هو خطأ و أنکره أبوحنيفة أيضا. و جاء في ج 3 ص 166 منه: و الحير بفتح فسکون.. و منه مشهد الحسين بکربلاء. کما في الصحاح و اللسان. و منه المثل من اعتمد علي حير جاره. أورده الميداني.