بازگشت

الحائر


الحاير بعد الالف ياء مكسورة وراء، هو في الاصل حوض طبيعي لانخفاضه يجتمع فيه مياه الامطار فيركد فيه لما لا يري مخرجا أخفض من مستواه، و عند هبوب الرياح يتحرك الماء بطبيعة الحال اذ يرجع أقصاه الي أدناه ينتهي الي المحل الذي ابتدأ منه أولا فيتحير منه. أو بالهبوب يتحرك بحركة دورية علي نفسه و هو مطمئن الوسط مرتفع الجوانب.

و ذكروا في جمعه حوران، و نفي أبوالقاسم برواية الحموي في المعجم من أن يكون له جمع علي أنه اسم علم لموضع قبر الحسين (ع) [1] .

و ليومنا لم يطرأ علي وضعه الطبيعي الذي وصفوه أي تغيير، سوي ارتفاع مستواه و قاعدته عما كان عليه يوم ضمت تربتها أجداث الجثث


الطاهرة. فاذا قصد الوارد الي الروضة الزاكية ينحدر الي الصحن الشريف من كافة جهاته مع اختلاف في الارتفاع الذي كان الجرف لنفس الحوض. و من الممكن أن يكون سبيل مصب المياه فيه كان من قسمه الشرقي لما ورد عن الامام الصادق في ترتيب آداب الزيارة منه الدخول الي مستوي هذا الحوض، أي الحائر. و لتوالي الابنية التي كانت تقام للروضة الطاهرة بحكم الضرورة و التجديد في أدوار متعاقبة تكون بالتدرج ارتفاع مستواه [2] .

بلغني عند تبليط الصحن الاقدس و بناء أسرابه في العقد العاشر من خاتمة القرن الثالث عشر الهجري، شوهد في القسم الجنوبي قطعة من حصن قائم لاحد أدوار تطور البناء يقارب شرفاته مستوي التبليط تقريبا.


و شاهدت بنفسي عند أخذ أساس الضلع الغربي من الصحن بأمر المغفور له عبدالحميد الثاني العثماني لتجديد البهو الكبير و غرفه الشمالية في مستهل القرن الرابع عشر: تنور، و الطابق الاول من دور ما لا يقل انخفاضه عن مستوي التبليط بأقل من خمسة أمتار تقريبا.

لم يغب عن ذاكرة الحسين (ع) مع حراجة موقفه و تكابده لاهوال غير مستطاعة من عطف النظر حتي الي ما بعد مصرعه لئلا يدع سبيلا لغرض الاشلاء الي الضياع و التلف. اختار مركزا في وسط مستوي هذا الحوض و علمه بفسطاط يقاتلوا أمامه و لنقل الاشلاء من مصارعهم في ساحة المعركة اليه. أمر فتيانه بحمل ولده (علي) من مصرعه حتي وضعوه بين هذا الفسطاط. و حمل بنفسه الزكية جسد ابن أخيه القاسم و ألقاه مع ولده و حوله القتلي من أهل بيته الهاشميين بجانب دون جانب أنصاره. و لولا عطفه كان من المستحيل تمايزهم خاصة بعد أن اقتطفت الرؤوس من الاجساد و رفعت علي الرماح. و أمام هذا الفسطاط في نفس الحوض شاهده عبدالله بن عمار البارقي بمفرده و هو راجل، فشد عليه رجاله من يمينه و شماله، حمل عليهم أن أيذعروا قال: ما رأيت مكسورا و قيل مكثورا قط قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جأشا و لا أمضي جانبا و أجرا مقداما قبله و لا بعده مثله. و كانت الرجالة تنكشف عنه يمينا و شمالا انكشاف المعزي اذا شد فيها الذئب. و في عين الحال برزت السيدة زينب تقول (ليت السماء تطابقت) و أشارت الي ابن سعد: أيقتل أبوعبدالله و أنت تنظر اليه، سالت دموعه علي خده و لحيته و أدار طرفه و هو يتقي الرمية و يفترس العورة و يشد علي الخيل حتي ضربه زرعة بن شريك علي حبل عاتقه و كفه اليسري. و انفرجوا عنه فصار ينوء و يكبو. أن بلغ مقتله من محل مصرعه.



پاورقي

[1] معجم البلدان ج 3 ص 203.

[2] جاء في مجلد المزار من بحارالانوار ط: تبريز سنة 1301 ه ص 76 ما نصه: اختلف الأصحاب في حد الحاير. فقيل: انه القبة الشريفة فحسب. و قيل: هي مع ما اتصل بها من العمارات کالمسجد و المقتل و الخزانة و غيرها، و الأول أظهر لاشتهاره بهذا الوصف بين أهل المشهد آخذين عن أسلافهم، و لظاهر کلمات أکثر الاصحاب. قال ابن‏ادريس في (السرائر) المراد بالحائر: ما دار عليه سور المشهد و المسجد عليه قال لان ذلک هو الحاير حقيقة. لان الحاير في لسان العرب الموضع المطمأن، لسان العرب ج 4 ص 223 الذي يحار فيه الماء. و ذکر الشهيد في (الذکري) ان في هذا الموضع حار الماء لما امر باطلاقه علي قبر الحسين (ع) ليعفيه فکان لا يبلغه، و ذکر السيد الفاضل أمير شرف الدين علي الشولستاني المجاور بالمشهد الغروي قدس الله روحه. و کان من مشايخنا - اني سمعت من کبار الشاميين من البلدة المشرفة ان الحاير: هو السعة التي عليها الحصار الرفيع من القبلة و اليمين و اليسار. و أما الخلف ما ندري له حد. و قالوا هذا الذي سمعناه من جماعة من قبلنا انتهي. و في شموله لحجرات الصحن أشکال لا يبعد أن يکون ما انخفض من هذا الصحن الشريف يکون داخلا في الحاير دون ما ارتفع منها و عليه أيضا شواهد من کلمات الأصحاب.