بازگشت

النهر الغازاني


غازان خان هو من آل جنكيز. و الخامس من ملوك التتر الذين حكموا العراق بعد أن أسقطوا الخلافة العباسية.

قطع عليه الامير نوروز عهدا - أحد الامراء الكبار و والي أقليم خراسان - قبيل تسنمه العرش بأن يشد أزره و يعضده لارتقاء سدة الخلافة ولكن بشرط أن يعتنق الدين الاسلامي. فأعلن غازان اعتناقه للدين الاسلامي بعد أن تمهد له الامر مع من اتبعوه من المغول لسنة أربع و تسعين و ستمائة للهجرة. و علي أثر (رؤياه) بعد اسلامه الذي آخا


النبي (ص) بينه و بين ابن عمه علي (ع) أخذ يعطف علي العلويين و يتفقدهم و يبالغ في اكرامهم. و أمر لهم في كافة أنحاء المملكة ببناء دور لايوائهم علي غرار أربطة المجاهدين و خانقاه الصوفية. أطلق عليها اسم دار السيادة فضلا عما أبداه من الاهتمام بشؤون المشاهد المشرفة و تعاهد زيارتها. يقول مؤلف (الحوادث الجامعة) [1] : في سنة ثمان و تسعون و ستمائة توجه السلطان غازان الي الحلة. و قصد زيارة المشاهد الشريفة. و أمر للعلويين و المقيمين بمال كثير. ثم أمر بحفر نهر من أعلي الحلة. فحفر و سمي الغازاني. و تولي ذلك شمس الدين صواب الخادم السكورجي و غرس الدولة.

و يقول مؤلف (تاريخ المغول) [2] في الوصاف: اهتز اللواء الملكي المؤيد بالنصر يوم الخميس و انتهز اجتياز طف الفرات علي الطريق الذي هو من مستحدثات أيام الدولة الغازانية. و ضياعه الموات فيما مضي كان يطلق عليه بالعلقمي. و لاستحداثه و جريان الفرات فيه لنضارة خضرته طغي نطاق الفكر في التقدير جري الوادي فطم علي القري. و حاز اللواء الملكي زيارة حائر الحسين المقدس. ثم اتجه علي طريق الفرات الي الانبار و هيت.

اجتاح ملوك المغول الوثنيون (أسلاف غازان) العراق فحلوا بها الخراب و الدمار و أحالوا نضارة مروجها الخضراء الي فيافي قاحلة جرداء و أخليت معالمها من المتعاهدين الذين أبادتهم بربرية المغول. و أصبح العمران أثرا بعد عين. و تركت منظومة الري و أهملت المجاري لعدم وجود من يبذل الجهود و يهمه استمرار بقائها لارواء المدن العطشي. و علي الاخص لمثل نهر العلقمي لطول مجراه. لذلك أمر غازان بتجديد نهر


العلقمي و تقريب مأخذه من الفرات. فبتروا أعالي مجري النهر و أوصلوا القسم الآخر بالنهر الذي حفره غازان من فرات الحلة و لم يستسيغوا بقاء اسم العلقمي علي هذا النهر لاسيما و قد طرأ عليه الكثير من التغيير و التبديل فأطلقوا عليه اسم (الغازاني) تخليدا لذكري حافره غازان [3] .

و كان العمود المنحصر بالفرد للفرات علي أثر اضمحلال الفروع التي كانت تأخذ منه و تصب في دجلة، كنهر عيسي و فوهته من الصقلا. و به تقريبا مع نهر السراط الذي كان يتفرع منه. فبعد أن كانا يرويان دار السلام أو - مدينة المنصور - و الاراضي المحيطة بهما يصبان في دجلة داخل بغداد. ثم نهر صرصر. ينصب ازاء المدائن. و نهر الملك و يصب فيما بين النعمانية و المدائن. ثم نهر سوري الذي انحصر به المجري. و أصبح المندفع الاعظم لمائه. و كان موقع جسره نفس قضاء المسيب الحالي. و في الشرقي منه علي بعد ميلين كان موقع قصر ابن هبيرة - علي ما رواه ابن واضح في البلدان [4] - علي فرع يأخذ مائه من الفرات سمي بنهر النيل أو الصراط. و آثار هذا القصر باقية الي يومنا هذا في الجزيرة. في نفس القضاء بمقربة من ضريح ابن القاسم، يطلق عليه بتل هبيرة.

و يتفرع من نهر سوري أو شط الحلة، نهر النيل الذي حفره


الحجاج بن يوسف الثقفي أبان عهد الدولة الامويه. و فوهته اليوم - تقريبا تحاذي موقع الحجمه من شط الحلة.

و كان نهري سوري و النيل يحدثان عند افتراق مجراهما و اتصالهما شبه جزيرة بيضوية الشكل. ثم يصبان في بطائح أو أهوار الكوفة.

و لم يزل عمود الفرات علي جريانه صوب شط الحلة حتي بعد الالف و مائتين و ثمانية الهجرية. اذ حفر نهر الهندية، بتبرع المتغمد بالرحمة آصف الدولة، ملك أود - الهندي بقصد أرواء ساحة الغري الاقدس. و قد صادف الماء مستوي أخفض من مجراه الطبيعي [5] .


فعندها غير مجراه الي هذا المستوي المنخفض. حتي كاد أن يقضي أبديا علي فرات الحلة لولا تدارك و عناية المغفور له السلطان عبدالحميد الثاني العثماني. اذ كلف شركة جاكسن الانكليزية بتدارك ذلك. فشيدت الشركة المذكورة السدة القائمة اليوم. و كان قد عجز قبل ذلك ولاة بغداد - و كبدهم الكثير من الخسائر - من تشييد السدود لنفس الغاية.

فعلي أثر تشييد السدة الموجودة اليوم ارتوت أراضي الحلة و كربلاء و استمر بها جري الماء طوال أيام السنة.


پاورقي

[1] الحوادث الجامعة لابن‏الفوطي ص 497.

[2] تاريخ وصاف الحضرة لعبدالله بن فضل الله ص 401.

[3] قد أسدي المغول - علي اختلاف طوائفهم - خدمات عظيمة للمشاهد المشرفة کما تقدم. و يجدر بنا في هذا المقام أن نذکر ما قام به تيمور منهم من مساعي حميدة. فقد أورد في (تزوکه ص: 115 ط لندن) الذي کتبه بيده ما ترجمته: ان أول ما أوقفت علي روضة أميرالمؤمنين علي بن أبي‏طالب محال الحلة و النجف. و للروضة المنورة الحسينية و سائر المشايخ و الأکابر من رؤساء الدين الذين هم ببغداد، کل علي قدر مرتبته محال کربلاء و بغداد. و للروضة الجوادية و الکاظمية و روضة سلمان الفارسي المحال من مزارع و الجزائر الواردة من المدائن. (عادل).

[4] ص 72 من ط النجف.

[5] راجع حول نهر الهندية: مسير طالبي لابي‏طالب الاصفهاني. و تحفة العالم لمير عبداللطيف الشوشتري ص 32 ط الهند. و راجع (ماضي النجف و حاضرها للشيخ جعفر محبوبه ص: 131).

و لم تکن هذه اولي المحاولات لجلب الماء الي الغربي الأقدس. فقد سبقتها محاولات کثيرة. فکان ممن حظي بشرف ذلک ملکشاه السلجوقي عند زيارته للمشاهد المقدسة سنة 479 ه اذ أمر باستخراج نهر من الفرات يطرح الماء الي النجف فبدي‏ء فيه. (المنتظم ج 9 ص 29).

(کذلک ولده سنجر أراد القيام بنفس العمل ولکنه لم يوفق الي ذلک کما جاء في کامل ابن‏الاثير، حتي أن وفق الحظ الصاحب عطا ملک ابن محمد الجويني صاحب ديوان الدولة الايلخانية. و أجري الماء اليها سنة ستة و سبعين و ستمائة (فرحة الغري ص 60). و عند زيارة الشاه اسماعيل الاول الصفوي للنجف سنة 914 لم يغفل من تجديد و کري النهر الذي کان مشرفا علي الاضمحلال. و قد کلفه ذلک حوالي 20000 تومان - من نقود تلک الايام - و أطلق عليه اسم (النهر الشريف). (فارسنامه ناصري ج 1 ص 13). و في سنة 1022 ه جدد و عمر مجري النهر (الشريف) الشاه عباس الاول الصفوي و کان يروم الي حفر قنوات تحت الارض من مسجد الکوفة الي النجف، ثم يوصلها الي بحر النجف، و کان ذلک سنة 1033 ه (فارسنامه ناصري ج 1 ص 141) و في سنة 1041 ه بسعي الشاه صفي الصفوي شق نهرا من فرات الحلة الي مسجد الکوفة و أمرره قرب قصر الخورنق ثم اوصل الماء الي بحر النجف. و لغرض خزن مياه هذا النهر شيد خزان کبير في وسط البحر ثم بواسطة قناة تحت الارض اوصلوا الماء الي داخل سور النجف (روضة الصفاي ناصري المجلد الثامن). و قد أرخ هذا العمل المجيد بعض شعراء الفرس بقصيدة مطلعها:



شاه اقبال قرين خسرو دين شاه صفي

آنکه خاک قدمش زبور أفسر امد



(عادل).

فارس نامه ناصري ج 1 ص 145.