بازگشت

دفن بني اسد للجثث الطاهرة


(قد اخذ الله ميثاق اناس من هذه الامة، لا تعرفهم فراعنة الارض هم معروفون من أهل السموات انهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة و هذه الجسوم المضرجة فيوارونها و ينصبون لهذا الطف علما لقبر سيدالشهداء، لا يدرس أثره و لا يعفوا رسمه علي كرور الليالي و الايام).

علي بن الحسين (ع) [1] .

مع ما كان يتخلل وطئة ضغط المراقبة علي الحسين (ع) في آماد قصيرة منذ أن اتصل به الحر في (ذي حسم) بعض فتور.

كان بطبيعة الحال الاتصال غير مسموح به خاصة عندما أصبحت كربلاء منطقة حرب الي ان ارتحل ابن سعد منها مع الجند قافلا الي الكوفة و أخلي ساحة الموقف، قصدن نساء من بني أسد أهل الغاضرية للوقوف علي جلية الأمر لقرب جوارهم فاشرفوا (علي ما لا عين رأت و لا أذن سمعت، أجساد مجردة و ثياب مرملة، و خدود معفرة تصهرهم الشمس، و تسفي عليهم الرياح، زوارهم العقبان و الرخم) [2] .

فلم يتمالكن النسوة أنفسهن لروعته بل و لين الادبار متقهقرات و قد أخذ التأثر منهن كل مأخذ، فأخذن في تقريع الرجال من غير وعي و لا رشد بأشد لهجة و أقسي عتاب، لتوانيهم و قعودهم عن موارات تلك الجثث و الاشلاء الطاهرة. ففعل حديثهن فعل السحر في نفوس الرجال، و اثار الحفائظ و الهب الشيم. فنهضوا نهضة الرجل الواحد اجابة للدعوة الصاخبة


علي سبيل التضحية و الانتحار مستبسلين غير هيابين و لا وجلين من سلطان بني امية و شديد بطشها. فتسربلوا بسواد الليل لئلا يفتضح امرهم باذلين قصاري جهدهم في انجاز مهمتهم باختصار و سرعة متناهية من غير غسل و لا كفن، و يحق لنا أن نتساءل هنا، أفهل كان البعث عن عدم و املاق أم لغاية الاسراع و جلا أم نزولا عند حكم الشريعة مع كل من قتل في سبيل الدين مع غلواء الدعاية القائمة علي بذل الاموال (كما اعرب عن ذلك مجمع بن عبدالله للحسين باعتبارهم خوارج امتنعوا عن بيعة الامام و خليفة المسلمين (أميرالمؤمنين) يزيد. و هذا عمر بن الحجاج الزبيدي يخاطب الجند برفع صوته (الزموا طاعتكم و لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين و خالف الامام). و قد استمرت هذه الدعاية حتي بعد سقوط الامويين بعدة قرون. يقول ابن خلدون في المقدمة [3] عن القاضي أبوبكر ابن العربي المالكي ما معناه ان الحسين قتل بشرع جده.

و اقتصروا بني أسد في حومة الحائر علي ثلاث حفر، للحسين (ع) و علي الاكبر و للشهداء من بني هاشم و حفرة لبقية الشهداء من الانصار. و استحال عليهم نقل جثمان الحسين (ع) دفعة واحدة من محل مقتله الي حفرته اذ كان مقطع اربا اربا، و وضعوه فوق حصير بورياء و رفعوا أطرافه.


و كدسوا بقية الاشلاء من غير ما فارق بين ضجيع و ضجيع، و بعضهم فوق بعض و هالوا عليهم التربة. و قيل أسموا حفرة الشهداء لسعة فتحته بجذوع النخل و علموا الحفائر بما كان المعهود في مثله و جرت به السنن و أصبح للاسلام به عرف و عادة علي غرار ما هو المعمول به اليوم عند البدو.

و العلم بالتحريك لغة علم الثوب من أطراز و هو العلامة و جمعه أعلام مثل سبب و أسباب و علمت له علامة بالتشديد امارة يعرف بها، كانت أعلام حفرهم قائمة حتي أمر المتوكل بحرث قبر الحسين.

تحري محمد بن الحسين الاشناني لقبر الحسين (ع) و وضع حوله علامات، و بعد قتل المتوكل حضر مع بعض الطالبيين و الشيعة فاخرجوا و أعادوا علم حفرته الطاهرة دون بقية الحفر فطمست أعلامهم، و ذكر المفيد محمد بن محمد بن النعمان في الارشاد عند انصرام القرن الرابع و مستهل الخامس، أصحاب الحسين الذين قتلوا معه فانهم دفنوا حوله و لسنا نحصل لهم أجداثا علي التحقيق [4] و التفصيل الا انا لا نشك ان الحائر محيط بهم. و صرح في محلين آخرين: (و انهم كلهم مدفونون قرب الحسين في مشهده، حفروا لهم حفرة و أكثر و ألقوا فيها جميعا و سوي عليهم). و لغاية الاختبار الذي قمت به عند تجديد تبليط الروضة الزاكية أحطت بموضع حفرتهم يتصل بالقسم الشرقي من الشبكة المباركة بغير ما انفصال و لسماء حفرتهم أزج [5] رومي في ستة أمتار بعرض مترين. و لابد من أن تكون حفرة الهاشميين داخل الشبكة المنسوبة لعلي بن الحسين (ع)، فيما بين أجداث الشهداء و الجدث الاقدس الحسيني.

كان نبث علم الذي علموا به جدث المصطفي (صلعم) برواية ابن سعد في الطبقات عن الامام جفعر بن محمد عن أبيه كان وجه الأرض شبرا،


و وصف القاسم بن محمد انه حصباء حمراء [6] كان لجدث أميرالمؤمنين سلام الله عليه علما جرفه السيل برواية محمد بن خالد عن الامام جعفر ابن محمد بين الذكوات البيض علي ما رواه ابن طاوس في الفرحه.

و لم تجر العادة آنذاك باتخاذ أبنية (أضرحة) علي الأجداث الا المصطفي صلي الله عليه لدفنه في حجرته الطاهرة الذي أقامه بنفسه صلي الله عليه و آله حال حياته لايوائه. [7] .

بطبيعة الحال كان مظللا فاعتزلته السيدة عائشة الي ما يجاوره و فضلا عما كان يحيط ببني أسد. و لورود لفظ الجميع من الممكن أن شاركوهم أهل القرية نينوي، و كلاهما تقريبا يتساويان في البعد عن الحائر الاقدس. و لهذا العلم الذي رفعوه علي الاجداث الطاهرة، و عندئذ أشار السجاد في خبر زائدة.

مع ما كان من المقتضي لدفع الشبهات عن أنفسهم أن يساووا وجه الاجداث بعد الدفن من غير ما أي علامة بارزة ابقاء علي حياتهم. الا أن استبسالهم علي سبل تضحية بعثهم علي أن يعلموا علما و لتماسك تسوية العلم كان المصطفي صلي الله عليه أمر لجدث ولده ابراهيم من مارية القبطية بقربة ماء، أتاه به أحد الانصار [8] رش العلم و كذلك رش علي علم جدثه الاقدس صلي الله عليه بعد دفنه [9] فلابد من أن بني أسد آخر عمل قاموا به بعد دفن الاشلاء أن رشوا أعلام الحفر بماء عند انصرافهم لتتماسك التربة، و كان ذلك خاتمة عملهم في كل ما قاموا به.



پاورقي

[1] کامل الزيارة لابن‏قولويه.

[2] الطبري ص 641 و ورد فيه: و دفن الحسين و أصحابه أهل الغاضرية من بني‏أسد بعد ما قتلوا بيوم.

[3] المقدمة ص 417 طبعة القاهرة. و قد انتقد ابن‏خلدون انتقادا شديدا هذا الزعم و فنده بحجج قاهرة. و يدعم ابن العربي رأيه هذا - في کتابه العواصم من القواصم في ص 232 - ان النبي قال في حديث له (انه ستکون هنات و هنات فمن اراد ان يفرق امر هذه الامة و هي جمع فأضربوه بالسيف کائنا من کان). فيري ابن العربي ان الذين اشترکوا في قتل الحسين انما فعلوا ذلک اطاعة للامر النبوي و يقول الدکتور علي الوردي في کتابه - منطق ابن‏خلدون 189 -: و الغريب من ابن‏العربي انه في الوقت الذي يشجب فيه خروج الحسين علي يزيد تراه يدافع عن اولئک الذين خرجوا علي علي بن أبي‏طالب أثناء خلافته، فهو يحاول تبرير خروجهم بشتي الوسائل علي الرغم من اعترافه قد بايعوا عليا أول الامر.

[4] الأجداث القبور واحدها جدث.

[5] الازج - بالتحريک - البيت يبني طولا.

[6] الطبقات الکبري لابن‏سعد ص 807 ج 4 ط القاهرة سنة 1358 و ص 306 ج 2 ط بيروت.

[7] المصدر السابق ص 812 ج 4 ط القاهرة. و ص 292 ج 2 ط بيروت.

[8] الطبقات الکبري لأبن‏سعد ج 1 ص 123 ط القاهرة و ص 141 ج 1 ط بيروت.

[9] الطبقات الکبري لابن‏سعد ص 122 ج 4 ط القاهرة. و ص 306 ج 2 ط بيروت.