بازگشت

حادثة المناخور


و في سنة 1241 وقعت واقعة عظيمة تعرف بواقعة المناخور -أمير الآخور - أي أمير الاصطبل. و ذلك ان الدولة العثمانية كانت في ذلك الزمن ضعيفة لاحتلال الجيش الانكشاري و استقلال البلاد القاصية و اشغالها بمحاربة العصاة في البلقان و طموح محمد علي والي مصر الي الاستقلال و استقلال علي باشا ذلتلي تبه في ألبانيا. و كان واليا علي العراق آن ذاك داود باشا و كان تقيا عادلا ورعا، مشهورا بالدهاء و فرط الذكاء. الا انه كان شديد الحرص علي الانسلاخ من جسم الدولة، و الاستقلال بالعراق اسوة بمن تقدمه. فسعي بادي ء ذي بدي ء الي جلب قلوب الاهالي بما انشأ من العمارات و البيانات و الجوامع و التكايا. و قرب علماء العراق و بالغ في اكرامهم و نظم جيشا كبيرا و سلحه علي الطراز الحديث. حينئذ فقام بعد ذلك يدعو الناس الي بيعته. و لكثرة ما كان لديه من الاعوان بايعته أكثر مدن العراق العربي الا - (كربلا) و الحلة. اذ رفعتا راية العصيان. و عند ذلك سير جيشا ضخما بقيادة أمير اصطبله. و كانت عشيرة عقيل تعضده فأخضع القائد الحلة و استباح حماها ثم جاء كربلا فحاصرها ثمانية عشر شهرا و لم يقو علي افتتاحها لحصانة سورها و مناعة معاقلها و لما رأي ذلك أقلع عنها ثم كر عليها ثانيا و ثالثا فلم يفز بأمنيته الا بعد حصار طالت مدته أربع سنوات من سنة 1241 الي سنة 1245 [1] . و كانت نتيجتها أن اسر الجيش نقيب كربلا فسجنه داود باشا في بغداد.



پاورقي

[1] قال صاحب (نزهة الاخوان في وقعة بلد القتيل العطشان - مخطوط، تفضل به السيد حسن الکليدار -): لقد احصيت تسع وقائع وقعت بين الفريقين. کان الفوز فيها من نصيب الکربلائيين و انهزام جند داود باشا.

فالواقعة الاولي هي واقعة - القنطرة - قتل فيها من الجند ثمانية عشر رجلا و من الاهلين رجلان.

الواقعة الثانية: واقعة (المشمش) و قد سميت بذلک لان الجند قصدوا ان ينهبوا، کما أفسدوا الزرع من قبل. و خرج الاهلون علي عادتهم الي الجناة فاقتتلوا في أرض الجويبه، و ظهر البلديون علي الجنود و هزموهم بعد ان قتل و جرح منهم خلق کثير.

و الثالثة: واقعة الهيابي، و هي من أعظم الوقائع و أشدها هولا. غطيت علي أثرها أرض الجويبه و ما يليها من أرض الحر و الهيابي بجثث القتلي. و قد استمرت المعرکة من الصبح الي الظهر. و انهزم الجند بعد أن قتل و جرح منهم جمع غفير. و من جملة الجرحي القائد الشهير صفوق - و هو قائد الحملة -... و لما تحقق داود باشا من انکسار حملته بقيادة صفوق. عندئذ عقد لواء الحملة الي - المناخور - و کان هذا بصيرا بالحرب، مشهورا بالضرب و الطعن. سبق له فتح الحلة و ماردين. فخرج من بغداد مع 1500 فارس مزود بالمدافع و القنابل، و انفذ داوود علي أثره من أصناف جنوده، الي طلبه، و الداوديه، و الارسيه، و الترکية، و اليوسفية. و نقل الجند معسکرهم الي جهة الحر. و وصل المناخور الي کربلا فسد عنها الماء ليومه. و فيه تقدم الي المدينة فأطلقت قنابله عليها و هاجمه الکربلائيون ففر اصحابه و اغتنمت ميرتهم. و هذه الواقعة هي الرابعة.

و الواقعة الخامسة: واقعة (الاطواب) نسبة الي المدافع. و تسمي أيضا بوقعة باخيه. و هي واقعة عظيمة دامت ست ساعات. اطلقت فيها (46) قذيفة مدفع. و قيل أکثر من ذلک. و لم تصب أحدا بل کانت تقابل من جانب الاهلين بالهزء و السخرية. و قد قتل و جرح فيها الکثير من أفراد العشائر. و قد أغارت خل المناخور علي المدينة مرات عديدة و باءت کلها بالفشل. و قد خرج اليهم الاهلون فأصابوا من أعدائهم و عادوا و لم يقتل منهم الا شخص واحد، و جرح أربعة أشخاص. و قد کف الجند عن القتال.

الواقعة السادسة: واقعة (المخيم) و هي واقعة عظيمة أيضا. تبادل فيها الفريقان اطلاق القذائف المدفعية. دمر علي أثرها احدي مدافع العدو و قد ابتدأت المعرکة منذ الفجر. و لم تمض ساعة حتي أن انهزم العدو ثم عاودوا القتال بعد ساعة، فکثر القتلي و الجرحي منهم ففر الجند أيضا.

و قد أصيب في هذه المعرکة أربعة قتلي من الاهلين.

الواقعة السابعة: واقعة (الرايه) اقتتل فيها الفريقان خارج البلدة انتصر فيها الاهلون و استولوا علي خيولهم و مدافعهم و بنادقهم.

الواقعة الثامنة: واقعة (بني‏حسن) و هي عظيمة أيضا و ذلک ان المناخور أحس بعجز جيشه و تخاذلهم. فعدل الي الاستنجاد بالعشائر و اجابه فيمن اجاب: بنوحسن - ناکثين عهدهم مع أهل کربلاء ضامنين للمناخور فتح المدينة، حتي تقدموا أمامه بعد العشاء الآخرة. من جهة المخيم و تمکنوا من عبور الانهار و تسلق الجدران. و نشبت الحرب بينهم و بين الاهلين. و حمل فرسانهم، و حمل الجند ثلاث مرات. فأخفق الجميع و جرح منهم جماعة.

الواقعة التاسعة: واقعة (الامان) لان المناخور أوقعها بعد صدور العفو و الامان من داود باشا. طمعا بفتح المدينة. فقد تقدم في منتصف ليلة ذي القعدة سنة 1241 - قد أطال المؤلف في سرد تفاصيل هذه الواقعة، و اليک مجملها:

فلما باءت کل محاولات داود باشا لاخضاع کربلا بالفشل استنجد بعرب عقيل القصيم و الاحساء، فعسکر هؤلاء علي صدر (الحسينية) و امر داود بقطع الماء عن کربلا، و لما لم تجد أيضا هذه المحاولات فتيلا، أمر داود باشا اعراب الشامية أن يقطعوا طريق کربلاء و ينهبوا السابلة فيها، و قد ضيقوا الحصار علي المدينة و قطعوا الاتصال الخارجي بها، فعند ذلک لم ير الاهالي بدا غير الصلح مع داود باشا، فدخل الاخير کربلاء ظافرا.