بازگشت

الدور الثالث


ابتدأ هذا الدور بعد سقوط داود و ولايت اللاز علي رضا عند مفتتح السادس و الاربعون بعد المأتين و الألف، فقام هذا الوزير بشؤون اصلاح


أمور العراق، و لم شعثها من ترك حاميات الجند في البلاد، و قد نصب الحكام بها و بذل الجهد في سبيل تأمين السبل و الطرق الا انه لم يدرك المقصود للهوي الذي كان في نفوس أهليه، و ما كان لهم من الاستحقار للقوي الحاكمة. اذ ان النفوس قد اشرأبت الي الحرية عند زمن الانحلال في أواخر الدور الثاني و زاد ذلك أن بعض الولايات التي استقلت في عهد داود قد بقيت علي انفصالها و خلاصة القول: ان أيام علي رضا علي طول زمنها لم تنتج تمام ما قصده. الا انها انصرمت بهدوء و سلام. و في أواخر أيامه توفي السلطان محمود و قام مقامه عبدالمجيد. و انشغل بادي ء أمره في استرجاع البلاد الشامية. و انتهي الامر الي عقد الصلح و ختم الامر بينه و بين المصري محمد علي.

ثم عطف نظره نحو العراق، و بعض للقبض علي زمام أمورها محمد نجيب فأدرك هذا بذكائه ما حبس التوفيق عن سلفه اذ لم تأت بطائل اصلاحاته لما في الأنوف من الشمخرة و الخيلاء. فقصد أولا الي تأديب بني حسن و الفتلة و طفيل داخل قضاء الهندية، فاقتصر في حربهم علي حبس جريان ماء الفرات عنهم و منعه من السيلان في شط الهندي آصف الدولة الا انه لم يقف علي طائل بالرغم من تكبده لخسائر فادحة و عالج ذلك بنفسه الا أن الطبيعة كانت أقوي منه اذ انفلق السد و لم يمتثل الماء لأمره.

ثم ساق جيوشا يرأسها سعد الله أحد قواده و أمرهم بمحاصرة كربلاء و اباحتها، في واقعة سنأتي بتفصيلها، فهابه العراقيون عندما توالت علي الأطراف هجماته. فتسني له من اجراء بعض الاصلاح من التشكيلات في ألويتها و أقضيتها و نواحيها من نصب أمراء و ترك الجند في البلاد.


علي ان القصد الذي أنا في سبيل تدوينه عسر السلوك مع اشتهار حوادثها كحادثة الوهابي و المناخور، و حادثة نجيب باشا و علي هدله لكن ليس بالأيدي ما يعول عليه، و لا من يعتمد عليه ليصح النقل عنه.

فاليك مثلا الواقعة الاخيرة المنسوبة لعلي هدله. فقد وقعت لسنة ثلاث و تسعين بعد المائتين و الألف و الهجرية. و لم يكن من لم يدركها. أو لم يشاهدها بل ان جل الأهلين قد شاركوا فيها أو شاهدوها عن كتب. فمع شدة تحرياتي لم أقع علي مدرك يمكن التعويل عليه و ضبطه سوي الكليات. فقد وقفت علي رسالتين في المناخور احدهما عربي العبارة غير انه علي غير ترتيب [1] و الثاني فارسي العبارة [2] . الا انه أشبه شي ء بالروايات منه بالوقائع التأريخية لشخص عاصر تلك الحادثة. و رسالة في واقعة نجيب باشا منظومة من بحر الرجز فارسية للميرزا زكي حسين الهندي، و هو عند الحادثة مشاهدا وقائعها. و أما أخبار نهب ابن سعود لها. فقد وقفت علي بعض حوادثها ضمن أخبار العلماء و تراجمهم و مرثية للشيخ محمد رضا الازري. و قد بلغني ان لوقعة علي هدله رسالة مدونة لبعض الأفاضل، أرجو من الله أن يمكنني منها لكي اتمم بها قصدي. و عليه التكلان.

حتي اذا جاءت سنة 1216 هجرية جهز الامير سعود الوهابي جيشا عرمرما مؤلفا من عشرين الف مقاتل و هجم علي مدينة كربلاء - و كانت علي غاية من الشهرة و الفخامة ينتابها زوار الفرس و الترك و العرب - فدخل


سعود المدينة بعد أن ضيق عليها و قاتل حاميتها و سكانها قتالا شديدا، و كان سور المدينة مركب من أفلاك النخيل مرصوصة خلف حائط من الطين. و قد ارتكب الجيش فيها من الفضائع ما لا يوصف. حتي قيل: انه قتل في ليلة واحدة عشرين الف شخص.

و بعد ان أتم الأمير سعود مهمته الحربية التفت نحو خزائن القبر و كانت مشحونة بالاموال الوفيرة و كل شي ء نفيس، فأخذ كل ما وجد فيها و قيل انه فتح كنزا كان فيها جمة جمعت من الزوار. و كان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة و عشرون سيفا محلاة جميعها بالذهب و مرصعة بالحجارة الكريمة. و أوان ذهبية و فضية و فيروز و الماس و غيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر. و من جملة ما نهبه ابن سعود أثاث الروضة و فرشها منها 4000 شال كشميري و 3000 سيف من الفضة و كثيرا من البنادق و الاسلحة.

و قد صارت كربلاء بعد هذه الواقعة في حال يرثي لها، و قد عاد اليها بعد هذه الحادثة من نجا بنفسه فأصلح بعض خرابها و أعاد اليها العمران رويدا رويدا [3] .


و للشيخ محمد رضا الازري يرثي ما حل بكربلاء من جراء ما فعله الوهابيون.



خطب علي الطف قد غشي بطوفان

فحط من جانبيه كل بنيان



و صلصلت فوقه سوداء عاتية

ترخي السحائب من مثعنجر قاني



شوهاء تكشر عن انيابها كلحا

فتبعث الموت عن تقطيب غضبان



ظلت تجلجل في اعلاه مرعدة

يكاد يجهش منها سمع كيوان



فما انجلت عن ضواحيه غياهبها

حتي التقي الدم غدران بغدران



الله أكبر أي القارعات رمت

جرثومة الدين فانثلت بأركان



فتلكم القوم صرعي في معابدها

كأنهم زهر في فيي ء أفنان



قتلي تري الدم يجري حولهم دفعا

كانها أنهر من حول كثبان



و الهفتا لو شفت وا لهفتا كمدا

علي رواعف أكباد و اجفان



و ارحمتا لمروعات ضمائرها

علي مصارع أشياخ و ولدان



الي ان قال:



تلكم تئن وهاتيكم تحن و لا

مسترحمين و لا من مشفق حاني



كأن اطفالها و البيض تنهبها

أفراخ ورقاء في أظفار عقبان



يا ليت شعري و هل ليت بنافعتي

لو يحضر المصطفي في ذلك الآن



و ينظر الحائر القدسي مسلخ جزار

و اولاده جاثين كالظان



كأن أجسادهم اذ ضرجت بدم

در مناط عليه سمط مرجان




الي ان قال:



رزء تحار له الرهبان لو سمعت

من دير سمعان لا بل دير سمعان



او طاق كسري بن ساسان يعيه اذا

لصدع الطاق من كسري بن ساسان



يا غيرة الله للارحام جامحة

لرضع ما أتوا يوما بعصيان



الي ان قال:



لشيبة خضبت بالدم و هي علي

محرابها بين مصباح و قرآن



لفتية دفنوا من غير ما غسلوا

و لم تزود بكافور و اكفان



لروعة هجمت و الناس غافلة

فأعصوصبوا فرقا من طيش اذهان



الي ان قال:



لمعشر أعلنوا التوحيد و التجأوا

له فلم يرع توحيد باعلان



لأرؤس لجلال الله راكعة

حزت بحد الظبا تهوي لاذقان



الي ان قال:



للموحشات اللواتي لا أنيس لها

الا تجاوب ضرغام و سرحان



للجائعات اللواتي للقري رفعت

آباؤها نارهم في كل ازمان



للعاديات اللواتي بعد ما سلبت

ظلت تواري باحقاف و جدران



لكن عشر سليبات تستر في

عبائة بين اخفاء و اعلان



لمعشر محضوا الايمان و اعتصموا

بالصبر و الصبر مرسي كل ايمان



لقتل خمسة آلاف بآونة

من النهار سوي المستشرف الفاني



الي ان قال:



لم ادر أي رزاياهم اعج لها

لذبح صبية أم هتك لنسوان



الي ان قال:



فلا و ربك لا تبصر لها مثلا

في كل ما جهة في كل أزمان






و من رأي يوم تشريق بغير مني

و هديه العز من علياء عدنان



سن ابن سعد سبيلا و اقتدي ابن سعو

د الشقي به ضل الشقيان



الي ان قال:



فسل بهابيل اذ قابيل غال به

من المحق ففيها اي تبيان



و سل بقصة نوح اذ مضت حقب

من قومه ما لقي في ذلك الآن



و تلك عاد عتوا عن أمر ربهم

فمتعوا زمنا يتلا بازمان



و سل بساحر فرعون الالي صلبوا

من بعد ما قطعت أيد و رجلان



و سل بموسي بن عمران و سيرته

ماذا رآه اذا موسي بن عمران



و سل طواغيت اهل السبت كم قتلوا

منهم نبيا و كم لجوا بطغيان



فلم يعجل لهم ذو العرش قطعهم

بل لم يعجل لفرعون و هامان



و سل بقصة اهل الرس ما فعلوا

بالانبياء و ما عاثوا بعصيان



و سل بعيسي رسول الله ما فعلت

به اليهود و ما جاؤا ببهتان



و سل بما لقي المختار من سلفي

قريش اذ اخرجوه ثاني الثاني



و سل باحد و ما لاقي النبي به

من شج رأس و من القاء اسنان



و سل خزاعة في البيت الحرام و ما

لا قوه من حزب اصنام و اوثان



و سل بحتف ابي حفص و مصرعه

و سل بمصرع عثمان بن عفان



و سل بحتف أميرالمؤمنين ابي ال

سبطين اذ غاله الأشقي برمضان



و سل بسم سليل المصطفي الحسن

الزاكي اخي الشرف القدسي و الشان



و سل بما لقي السبط ابن فاطمة

من ابن مرجانة في طف كوفان



و سل بنازلة الحري التي نزلت

بعقوة المصطفي تذكوا بنيران



حيث الدماء جرت ما بين منبره

و قبره جري أنهار و غدران



و سل بما لقيته آل حيدرة

من آل مروان لا رعيا لمروان



و سل بفتك بني العباس بعدهم

بالفاطميين من شيب و شبان



و انظر الي قصص القرآن اجمعها

ترشدك و الصبح لم يحتج لبرهان






هاتي طريقة اهل الله من قدم

لم يمض من اول الا اقتفي الثاني



الي ان قال:



يا راكبا ظهر علباء عذافرة

يكاد يسبق منها الطرف خفان



الي ان قال:



بلغ اباحسن مني مغلغلة

يكاد يصدع منها كل صفوان



الي ان قال:



و اشرح له ما جري و هو الخبير به

فالزند بالقدح قد يرمي بنيران



الي ان قال:



فانها طخية عمياء قد غشيت

علي الخلائق من انس و من جان



و يا لها وقعة ترث حوادثها

بمشمعل اجش الرعد هنان



و قال في يومها الأدهي مؤرخه

في كربلاء دهانا رزؤها الثاني



و له المغمور برحمته مرثية أخري كل شطر منها علي انفراد تأريخ سنة النازلة 1216 و أولها:



أريحا فقد لاحت طلايع كربلا

لنقبر أشلاء و نسعد مرملا



لنبكي دورا راعها قارع الردي

فاوجف منها ما استقر و ما علا



لعمري لقد عبت عليها مصائب

و جلي عليها الرعب للحتف قسطلا



مبان محا آياتها الويل فانمحت

و كلل شأويها الردي فتكللا



فيكف و صرف البين عاثت بنابه

و قل رسيميه و نوخ كلكلا



و هب بحق الدين يخفق برقه

مصاب بجو الحزن اضحي مجلجلا



يقل بثجاج يزمجر برقه

برجف فيثني الدو بالدم اشكلا



و كيف و قد مدت صواعق رعده

علي طود ربع المصطفي فتزلزلا



فتكلم ربوع الدين قل بها الصدي

و تلكم بيوت الوحي قد جابها البلي






نوائب قد فاءت فهاجت نوائبا

أمدن قنا العلياء في زمن خلا



ليبك التقي يوما به أهب التقي

و يا لك بينا زاد جسمي ضنا علي



و قد زارها في أوائل القرن التاسع عشر احد ملوك الهند فأشفق علي حالتها و بني فيها أسواقا عامرة و بيوتا قوراء أسكنها بعض من نكبوا و بني للبلدة سورا حصينا لصد هجمات الاعداء. و أقام حوله الابراج و المعاقل و نصب له آلاف الدفاع علي الطرز القديم و صارت علي من يهاجمها أمنع من عقاب الجو. فأمنت علي نفسها و عاد اليها بعض الرقي و التقدم.



پاورقي

[1] قد تکون الرسالة المسماة ب (نزهة الاخوان في وقعة بلد القتيل العطشان) لأديب کربلائي مجهول ممن عاصر هذه الحادثة. توجد نسخته المخطوطة عند السادة آل النقيب.

[2] لعله کتاب (کاشف الاعجاز الذي يبحث في حادثة المناخور، بالفارسية. منه نسخة خطية في مکتبة السيد عبدالرزاق الوهاب.

[3] هذا ما ذکره المرحوم المؤلف عن هذه الحادثة. لکنه عثر بعد ذلک علي بعض المؤلفات الفارسية الجليلة التي أرخت الحادثة بشي‏ء من التفصيل.

و نحن نثبت ترجمتها هنا لما لها من القيمة التأريخية و لندرة وجودها و عدم تيسرها للقاري‏ء العربي علي الأقل.

فمن هذه المؤلفات مسير طالبي لأبي‏طالب بن محمد الأصفهاني. ط الهند سنة 1227 ه.

«في الثامن عشر من ذي الحجة يوم غدير خم (حيث کان معظم سکان کربلاء قد ذهبوا لزيارة النجف الاشرف بقصد الزيارة المخصوصة). اذ داهم کربلاء خمسة و عشرون ألف من الفرسان و قد امتطوا الجياد العربية الأصيلة - و کانوا قبل ذلک قد بعثوا جماعة منهم الي ضواحي کربلاء و قد ارتدوا زي الزوار و جري بينهم و بين عمر أغا والي کربلاء اتفاقا و کان هذا الوالي سنيا متعصبا - و عند دخولهم المدينة تعالت أصواتهم (باقتلوا المشرکين).

- و کان من البديهي أن عوقب عمر أغا آخر الامر بأمر من سليمان باشا والي بغداد - بعد القتل العام أرادوا أن يخلعوا صفائح الذهب الابريز من جدران المشهد الحسيني ولکن لاستحکامها و متانة وضعها لم يستطيعوا ذلک. فقط خربوا قسما من الضريح الذي تحت القبة.

و في الغروب فجأة و بدون سبب ظاهر غادروا کربلاء متجهين الي الحجاز و قد قتل في هذه الحادثة أکثر من خمسة آلاف شخص. أما الجرحي فلا يحصون لکثرتهم. و کان من جملة القتلي ميرزا حسين شاهزاده الايراني. و ميرزا محمد طبيب اللکنهوري. و علي نقي خان اللاهوري مع أخيه ميرزا قمر علي مع غلامه و خادمه.».

و قد جاء في (زنبيل فرهاد) لمعتمد الدولة ص 348)... ولده الاکبر سعود مع 1200 فارس غدار فداهموا کربلاء يوم الغدير سنة 1216 هج بصورة فجائية فعملوا في أهلها السيف فقتلوا و نهبوا و أسروا مااستطاعوا. فاستشهد في هذه الواقعة کثير من العلماء الأعلام و من جملتهم جناب الشيخ ملا عبدالصمد الهمداني ففاضت روحه الطاهرة.

و دقوا القهوة في الرواق الحسيني الشريف.

و لم تمض ستة أو سبع ساعات حتي کان عدد المستشهدين الذين فاضت أرواحهم الطاهرة يربوا علي ستة آلاف شخص.

و کان أکثر أهالي کربلاء قد ذهبوا الي زيارة النجف الاشرف لزيارة الغدير المخصوصة. و في عصر ذلک اليوم المشؤوم غادر سعود کربلاء الي دياره».

و جاء أيضا في مجلد القاجاريه من ناسخ التواريخ لسبهر ص 63: «أسرع سعود من أتباعه صوب النجف الاشرف. و حاصر قلعة النجف و هاجمها عدة مرات ولکن لم يتمکن منها. فرجع الي کربلاء و ب 12000 فارس من أبطال الرجال. فغافل کربلاء و داهمها - و صادفت هذه الحادثة يوم عيد الغدير. و بدأ القتل و التذبيح بسکنة هذه المدينة حتي قتل منها خمسة آلاف رجل و امرأة. و کسروا الضريح المبارک و سرقوا الجواهر و الثريات و المفروشات و اللألي‏ء التي کانت حصيلة قرون عديدة من الهدايا الثمينة من الخلفاء و الامراء. و نهبت الخزينة و القناديل الثمينة. و بعد ستة ساعات من هذه الاعمال البربرية غادروا کربلاء». لزيادة التعريف بهذه الحادثة راجع: تأريخ نجد لعبدالله فيلبي ص - و تأريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ج 6 ص 144. و أربعة قرون من تأريخ العراق الحديث للونکريک. و مطالع السعود في أخبار الوالي داود ص 168.

(عادل).