بازگشت

ما ورد في قاطع السدرة


ذكر ابن شهر أشوب في كلامه المتقدم أن خبر لعن قاطع السدرة موجود في حلية الأولياء.

و هو كذلك، ففي حلية الأولياء ج 3 ص 179، في ترجمة محمد بن الحنفية تحت رقم (234)، باسناده عن الحسن بن محمد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: اخرج، فأذن في الناس من الله - لا من رسوله - لعن الله قاطع السدر).

و رواه البيهقي في السنن الكبري ج 6 ص 232 - 231، حديث (11765) في الباب (9) من كتاب المزارعة، ولكن فيه: (لعن الله قاطع السدرة)، مثله حديث (11766).

و في نفس المصدر حديث 11767، باسناده عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر قال: (قالي النبي صلي الله عليه و سلم لعلي في مرضه الذي مات فيه: اخرج يا علي، فقل عن الله، لا عن رسوله: لعن الله من يقطع السدر).

و في نفس المصدر حديث (11768)، باسناده عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: (قال رسول الله صلي الله عليه


و سلم: قاطع السدر يصوب الله رأسه في النار).

و في نفس المصدر حديث (11769)، باسناده عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلي الله عليه و سلم قال: (من الله، لا من رسوله، لعن الله عاضد السدر).

و في نفس المصدر حديث (11762)، باسناده عن عروة قال:

قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: ان الذين يقطعون السدر يصبهم الله علي رؤوسهم في النار صبا).

نعم أوردوا أخبارا متضمنة للعن قاطع السدر أو السدرة مع ضميمة و هي (الا من رزع).

كما في سنن البيهقي - المصدر السابق - حديث (11764): (من قطع السدر الا من زرع صب علي العذاب صبا، و بعدما أورد البيهقي حديث (لعن اله قاطع السدرة) و أورد مثله عن عمر بن أوسع الثقفي عن النبي صلي الله عليه و سلم: (و قال: الا من زرع)، و باعتبار أن قطع السدر غير محرم بالاتفاق، لا ستعماله في غسل الميت، لذا قال البيهقي في نفس المصدر السابق:

(و احتج المزني بما احتج به الشافعي رحمهما الله، من اجازة النبي صلي الله عليه و سلم أن يغسل الميت بالسدر، و لو كان حراما لم يجز الانتفاع به، قال: و الورق من السدر كالغصن، و قد سوي رسول الله صلي الله عليه و سلم فيما حرم قطعه من شجر الحرم بين ورقه و بين غيره، فلما لم أر أحدا يمنع من ورق السدر دل علي جواز قطع السدر).

بل بعض رواة الأخبار المتقدمة كان يقطع السدر كعروة، كما


في المصدر السابق تحت رقم (11770)، باسناده عن حسان بن ابراهيم، قال:

(سألت هشام بن عروة عن قطع السدر، و هو مسند الي قصر عروة، فقال: أتري هذه الأبواب و المصاريع انما هي من سدرة عروة، كان عروة يقطعه من أرضه، و قال: لا بأس به).

لذا حمل النهي أبوداوود الذي أورد بعض هذه الأخبار في صحيحه، علي ما نقله البيهق في المصدر السابق ص 233 بقوله:

(قال أبوداوود: يعني من قطع السدر في فلاة يستظل بها ابن السبيل و البهائم عبثا و ظلما بغير حق يكون له فيها).

و المزني الذي يقول بجواز قطع السدر مطلقا علي ما تقدم كلامه حمل النهي في الأخبار المتقدمة علي جواب عن سؤال خاص في قضية شخصية، حيث قال البيهقي عنه في المصدر السابق ص 234 - 233:

(و قرأت في كتاب أبي سليمان الخطابي رحمه الله: أن اسماعيل بن يحيي المزني رحمه الله سئل عن هذا، فقال: وجهه أن يكون صلي الله عليه و سلم سئل عمن هجم علي قطع سدر لقوم أو ليتيم أو لمن حرم الله أن يقطع عليه، فتحامل عليه بقطعه، فاستحق ما قاله، فتكون المسألة سبقت السامع فسمع الجواب و لم يسمع المسألة)

و قال ابن الاثير في نهايته ج 2 ص 354 - 353:

(و منه: من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار، قيل: أراد به سدر مكة، لأنها حرم، و قيل: سدر المدينة، نهي عن قطعه ليكون أنسا و ظلا لمن يهاجر اليها، و قيل: أراد السدر الذي يكون في الفلاة


يستظل به ابناء السبيل و الحيوان، أو في ملك انسان فيتحامل عليه ظالم فيقطعه بغير حق.

و مع هذا فالحديث مضطرب الرواية، فان أكثر ما يروي عن عروة بن الزبير، و كان هو يقطع السدر، و يتخذ منه أبوابا، قال هشام:

و هذه أبواب من سدر، قطعه أبي، و أهل العلم مجمعون علي اباحة قطعه).

و كتب السيوطي في عرض أخبار قطع السدرة و توجيهها رسالة، سماها (رفع الخدر عن قطع السدر) و ردت في الحاوي للفتاوي له ج 2 ص 123 - 117.

و لم يأت بجديد، لأنه أورد الأخبار المتقدمة واورد ما تقدم من وجوه حملها، ثم قال: (قلت: و الأولي عندي في تأويل الحديث أنه محمول علي سدر الحرم، كما وقع في رواية الطبراني).

و رواية الطبراني كما اوردها في نفس المصدر ص 118:

(و قال الطبراني في الأوسط: ثنا أبومسلم، ثنا أبوعاصم، عن ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن سعيد بن محمد، عن عبدالله بن حبشي، قال: قال رسول الله عليه الصلاة و السلام: «من قطع سدرة صوب الله عز و جل رأسه في النار» يعني من سدر الحرم).

أقول: السدر: شجر النبق، واحدة سدرة، و الجمع سدرات بالسكون، حملا علي لفظ الواحدة، كما في مجمع البحرين ج 3 ص 327، و كل المحامل المتقدمة عن العامة ليس في محلها.

أما حمل السيوطي أن النهي في القطع عن سدر الحرم لرواية


الطبراني، ففيه: أن التفسير بسدر الحرم من الراوي، و لا أقل من الاحتمال و به يبطل الاستدلال.

و أما حمل المزني أنه نهي عن قطع سدر قوم أو يتيم أو شخص تحامل ظالم عليه ففيه: أنه بحاجة الي قيد، و هو مفقود في الأخبار، بل بعض الأخبار المتقدمة ينفيه، لما ورد من الأمر من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو علي فراش الموت لعلي عليه السلام: بأن ينادي بأن اللعن من الله لا من رسوله لمن يقطع السدرة، و هو ظاهر أنه نهي عن قطع سدرة مخصوصة و ليس مطلق السدر، و كونه علي فراش الموت و المنادي علي مشعر بأن قطع السدرة له علاقة بما يهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في مستقبل الدعوة الاسلامية، لا بما يهمه من أجوبة عن أسئلة خاصة، و لو كان جوابا عن سؤال خاص فلا داعي لأمر علي عليه السلام بأن ينادي باللعن لمن يقطع.

و منه تعرف ضعف حمل اللعن علي من يقطع سدرة في فلاة تستظل بها البهائم أو الانسان خوفا من حر الشمس.

و النهي عن سدرة خاصة لا عن مطلق السدر تعرف ضعف الحمل علي سدر مكة أو المدينة.

هذا فضلا الي أن اضافة قيد (الا من زرع) غير موجود في غالب الأخبار المتقدمة، و لعل زيادتها كاختلاف متن الخبر من سدرة و السدر و السدرة ناشئة من تلاعبهم في الحديث كما هو دينهم في الموارد التي لها علاقة بعلي و بنيه المعصومين عليهم السلام.

و عليه فالصحيح ما فهمه جرير بن عبدالحميد أن الخبر لم يمكن فهمه الي زمن الرشيد، فعندما قطع السدرة عند القبر الشريف فهم معني الحديث النبوي، و جرير عالم أهل الري كما تقدم.