معني التشيع و الشيعة
لفظ الشيعة - بحسب اللغة - هم القوم الذين اجتمعوا علي أمر، قال ابن منظور في لسان العرب ج 4 ص 2377: (و كل قوم اجتمعوا علي أمر فهم شيعة).
و علي هذا المعني اللغوي ورد قوله تعالي: (سلام علي نوح في العالمين، انا كذلك نجزي المحسنين، انه من عبادنا المؤمنين، ثم أغرقنا الآخرين، و ان من شيعته لابراهيم، اذ جاء ربه بقلب سليم). الصافات آية 84 - 79.
أي: أن ابراهيم من شيعة نوح، لأنهما اجتمعا علي أمر واحد، و هو الدين.
و ورد قوله تعالي حكاية عن موسي عليه السلام: (فوجد فيها رجلين يقتتلان، هذا من شيعته، و هذا من عدوه، فاستغاثه الذي من شيعته علي الذي من عدوه، فوكزه موسي فقض عليه) القصص آية 15.
أي: أن موسي عليه السلام و الاسرائيلي من شيعة واحدة، لأنهما مجتمعان علي الايمان بيعقوب عليه السلام.
و لفظ الشيعة - بحسب الوضع الشرعي - باعتبار صدوره من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم هم: من آمن بامامة أميرالمؤمنين عليه السلام و بنيه المعصومين
عليهم السلام، و لازمه الحب لهم و متابعتهم في أقوالهم و أفعالهم.
قال ابن منظور في لسان العرب، المصدر السابق:
(و قد غلب هذا الاسم علي من يتوالي عليا و أهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين، حتي صار لهم اسما خاصا، فاذا قيل: فلان من الشيعة، عرف أنه منهم، و في مذهب الشيعة كذا: أي عندهم.
الي أن قال -: قال الأزهري: و الشيعة قوم يهوون هوي عترة النبي صلي الله عليه و سلم و يوالونهم).
و قال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه (أصل الشيعة و أصولها) الطبعة الثانية المحققة، ص 187:
(و من الغني عن البيان أنه لو كان مراد صاحب الرسالة من شيعة علي عليه السلام من يحبه، أو لا يبغضه - بحيث ينطبق علي أكثر المسلمين، كما تخيله بعض القاصرين - لم يستقم لفظ «شيعة»، فان صرف محبة شخص لآخر، أو عدم بغضه لا يكفي في كونه شيعة له، بل لابد هناك من خصوصية زائدة، و هي: الاقتداء و المتابعة له، بل و مع الالتزام بالمتابعة) انتهي.
أقول: المتابعة و الالتزام بها مما لها الدخل في تحقق الشيعي الكامل، و الا - كما عرفت - يكفي نفس الاعتقاد بالامامة.
و علي كل مما تقدم تعرف ضعف ما قاله صبحي الصالح في كتابه (النظم الاسلامية) ص 96:
(و اذا فرضنا أن كل من أحب عليا أو فضله من الصحابة متشيع له، فقد كان بين الصحابة حتي في عهد النبي شيعة لربيبة علي، منهم أبوذر الغفاري و المقداد بن الأسود، و جابر بن عبدالله، و أبي بن
كعب، و أبوياسر، و أبوأيوب الأنصاري.
و في وسعنا أن نتصور أن الفكرة بدأت محبة، و أن المحبة أصبحت هياما، و الهيام استحال عشقا، و العشق غلو و تقديسا، و من خلال هذه المعاني بدأت الأفكار العاشقة الولهي تتخذ صورا حزبية و عصبية).
و وجه الضعف أنه جعل مدار التشيع علي الحب ثم زيد فيه من قبل معتنقيه حتي جلوه حزبا، و قد عرفت أن التشيع قائم علي الاعتقاد بالامامة كما هو مفاد نصوص حديث الغدير، و الشيعة لم يزيدوا شيئا علي التشيع، بل هو عين ما أسسه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.
و الأعجب منه قول ابن تيميه في منهاج السنة ج 2 ص 116:
(لا نسلم أن الأمامية اخذوا مذهبهم من أهل البيت، لا الاثنا عشرية و لا غيرهم، بل هم مخالفون لعلي رضي الله عنه، و أئمة أهل البيت في جميع أصولهم، التي فارقوا فيها أهل السنة و الجماعة، توحيدهم و عدلهم و امامتهم).
و قول ابن حجر الهيثمي في الصواعق الحرقة في ذيل الآية الثامنة من الآيات الواردة في آل البيت عليهم السلام ص 235:
(و لا تتوهم الرافضة و الشيعة - قبحهم الله - من هذه الأحاديث أنهم يحبون أهل البيت، لأنهم أفطروا في محبتهم حتي جرهم ذلك الي تكفير الصحابة و تضليل الأمة - الي أن قال - و هؤلاء الضالون الحمقي أفرطوا فيه و في أهل بيته فكانت محبتهم عارا عليهم و بوارا، قاتلهم الله أني يؤفكون).
و قال في نفس المصدر ص 236:
(و شيعته هم أهل السنة، لأنهم أحبوهم كما أمر الله و رسوله، و أما غيرهم فاعداؤه في الحقيقة، لأن المحبة الخارجة عن الشرع الحائدة عن سنن الهدي هي العداوة الكبري).
و الحاصل: أن السبب الذي اعتمدوا عليه في عدم كون الأمامية شيعة لأهل البيت عليهم السلام أحد أمرين، اما لأن الأمامية لم يأخذوا عقائدهم و أحكامهم من أئمة أهل البيت عليهم السلام.
و اما لأن الأمامية كفروا الصحابة و لا يحبونهم، و يخصون الحب لعلي و بنيه المعصومين عليهم السلام.