بازگشت

ما حكمه؟


ذهب الجمهور الي عدالة كل صحابي، و استدلوا بالكتاب و السنة و الاجماع.

أما الكتاب فبآيات، منها: قوله تعالي: (محمد رسول الله، و الذين معه أشداء علي الكفار، رحماء بينهم، تراهم ركعا سجدا، يبتغون فضلا من الله و رضوانا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوي علي سوقه، يعجب الزارع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و أجرا عظيما) الفتح آية 29.


فاستدلوا بصدرها بعموم قوله تعالي: (و الذين معه)، الذي يشمل كل صحابي.

و فيه: أن ذيلها مختص بالذين آمنوا و عملوا الصالحات، فلابد من حمل الصدر علي الذيل لئلا يلزم التناقض.

بالاضافة الي أن الصدر (و الذين معه) موصوف بأوصاف ذكرتها الآية من الشدة علي الغير و الرحمة بينهم و الركوع و السجود و ابتغاء فضل الله و رضوانه، و هذه صفات لا تنطبق علي كل صحابي.

و منها: قوله تعالي: (لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم، فانزل الله السكينة عليهم و أثابهم فتحا قريبا) الفتح آية 18.

و هذه الآية نزلت في بيعة الرضوان، المسماة ببيعة الشجرة و استدلوا بها علي رضا الله تعالي عن كل المبايعين.

و فيه: أن الرضا للمؤمنين المبايعين، و ليس الرضا عن كل المبايعين، لأن فيهم منافقين.

و منها: قوله تعالي: (و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار، و الذين اتبعوهم باحسان، رضي الله عنهم و رضوا عنه، و أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، ذلك الفوز العظيم) التوبة آية 100.

استدلوا بعمومها، و فيه: أنها مختصة بالسابقين من الصحابة، فضلا عن أن عمومها مخصص، بدليل ذكر التابعين فيها، فلو كانت عامة لدلت علي عدالة كل تابعي و هم لا يلتزمون به، و عليه فلابد من تخصيصها بالايمان و العمل الصالح كما هو مفاد الآيات الباقية.


و منها: قوله تعالي: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم، يبتغون فضلا من الله و رضوانا، و ينصرون الله و رسوله أولئك هم الصادقون، و الذين تبوءا الدار و الايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم، و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، و يؤثرون علي أنفسهم و لو كان بهم خصاصة، و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) الحشر آية 9 - 8.

و فيه: أنها مدحت المهاجرين بوصفهم يبتغون الفضل من الله مع نصرتهم لله و رسوله، و مدحت الأنصار بشرط ايمانهم و محبتهم لمن هاجر، و بذلهم المال للمهاجر المحتاج، و عيه فالآية لم تمدح الصحابي مهما كانت حالته.

و منها: قوله تعالي: (و الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله و الذين آووا و نصروا أولئك هم المؤمنون حقا، لهم مغفرة و رزق كريم) الأنفال آية 74.

و فيه: أنها مدحت الصحابي بشرط ايمانه و هجرته و مجاهدته اذا كان مهاجرا، و بشرط ايوائه المهاجرين و نصرته اذا كان أنصاريا، و عليه فلم تمدح مطلق الصحابي.

و منها: قوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) آل عمران آية 110.

و قوله تعالي: (كذلك جعلناكم أمة وسطا) البقرة آية 143.

وجه الاستدلال أن الخطاب للمشافهين، و هم الصحابة، و عليه فهم خير أمة و الأمة الوسط، و هذا يقتضي تعديلهم جميعا.

و فيه: أن الخطاب لجميع المسلمين في كل العصور، لا


خصوص الصحابة في زمن النبي صلي الله عليه و آله و سلم.

و لو سلم، فانهم خير أمة لوجود المعصوم فيهم، و هو أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

و أما السنة فبأخبار، منها: النبوي: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم و لا نصيفه) صحيح البخاري ج 5 ص 10، باب فضائل الصحابة.

و النبوي الآخر: (خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) نفس المصدر ص 3 - 2.

و النبوي الثالث: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) نفس المصدر، ص 3.

و فيه أن هذه الأخبار مردودة أولا: لمعارضتها الكتاب، حيث يقول تعالي:

(و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفأن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم، و من ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين) آل عمران آية 144.

و الآية أثبتت ارتداد قسم من الصحابة بعد انتقال النبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم الي الرفيق الأعلي، و معه كيف يحكم بعدالة من يرتد بعد وفاة النبي صلي الله عليه و آله و سلم.

و ثانيا: لمعارضتها الكتاب أيضا، حيث جعل المدار علي التقوي و ليس علي مطلق الصحبة، قال تعالي: (ان أكرمكم عندالله أتقاكم) الحجرات آية 13.

و ثالثا: لمعارضتها الكتاب أيضا لوجود آيات تصرح بوجود


منافقين بين الصحابة، بل نزلت سورة باسمهم، و هي سورة المافقون، و كذلك سميت سورة التوبة بالفاضحة، لأنها فضحت أحوال المنافقين من الصحابة، قال تعالي:

(و ممن حولكم من الأعراب منافقون، و من أهل المدينة، مردوا علي النفاق، لا تعلمهم نحن نعلمهم، سنعذبهم مرتين، ثم يردون الي عذاب عظيم) التوبة آية 101.

و قال تعالي: (اذا جاءك المنافقون قالوا: نشهد انك لرسول الله، و الله يعلم أنك لرسوله، و الله يشهد أن المافقين لكاذبون، اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله، انهم ساء ما كانوا يعلمون، ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع علي قلوبم فهم لا يفقهون) المنافقون آية 3.

و في صحيح البخاري ج 9 ص 72، كتاب الفتن، عن حذيفة اليماني، قال: (ان المنافقين اليوم شر منهم علي عهد النبي صلي الله عليه و سلم، كانوا يومئذ يسرون و اليوم يجهرون).

و في نفس المصدر، عنه قال: (انما كان النفاق علي عهد النبي صلي الله عليه و سلم، فأما اليوم فانما هو الكفر بعد الايمان).

و في هذين دلالة علي أن النفاق في عهد النبي صلي الله عليه و آله و سلم بقي بعد ارتحاله النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي الرفيق الأعلي، و أنهم جهروا بنفاقهم، بعد الوفاة، و مع الجهر كفروا، و عليه فكيف يحكم بعدالة هؤلاء من الصحابة.

رابعا: لمعارضتها لنصوص نبوية، منها:

ما في صحيح البخاري ج 7 ص 148، باب في الحوض، عن


النبي صلي الله عليه و سلم، قال:

(أنا فرطكم علي الحوض، و ليرفعن رجال منكم، ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: انك لا تدري ما أحدثوا بعدك).

و في نفس المصدر ص 50 نبوي آخر:

(اني فرطكم علي الحوض، من مر علي شرب، و من شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام، أعرفهم و يعرفوني، ثم يحال بيني و بينهم، - الي أن قال - فأقول: انهم مني، فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول:

سحقا سحقا لمن غير بعدي).

و في نفس المصدر نبوي ثالث:

(يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤن عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، انهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري).

و في نفس المصدر، نبوي رابع، قريب من ألفاظ الثالث، و في آخره:

(انهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم).

و هذه الطائفة صريحة في أن الارتداد بعد وفاة النبي صلي الله عليه و سلم، هو السبب في الاختلاج و الحيلولة بينهم و بين النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و لا يبقي منهم الا القليل، لأن همل النعم هي: الأنعام المهمولة و الضالة، و هي قليلة بالنسبة لباقي القطيع.


و عليه فلأخبار التي تمسكوا بها علي خيرية القرن الأول أو خيرية مطلق الصحابة مكذوبة علي رسول الله عليه و آله و سلم لمخالفتها القرآن و السنة النبوية القطعية.

و أما الاجماع، قال ابن حجر العسقلاني في الاصابة ج 1 ص 162:

(اتفق أهل السنة علي أن الجميع عدول، و لم يخالف في ذلك الا شذوذ من المبتدعة).

و قال الخطيب البغدادي في الكفاية ص 49، في عدالتهم:

(هذا مذهب كافة العلماء و من بعدهم أبد الآبدين).

و فيه: أن اجماعهم بما هو اتفاق ليس بحجة، حيث لا دليل عقلي و لا نقلي علي عصمتهم، كيف و قد أجمعوا علي أمور في العقائد و المفاهيم و الأحكام مخالفة للكتاب و السنة النبوية و العقل.

و عليه فالحق ما ذهبت اليه الشيعة أعزهم الله من أن الصحابة علي أقسام:

قسم: مؤمن علي مراتب الايمان، منهم قوي الايمان و منهم دون ذلك.

و قسم: منافق كما صرحت به الآيات القرآنية و الأخبار النبوية.

و قسم: رجع عن الدين كما صرح به القرآن و الخبر النبوي.

و قسم: مجهول الحال عندنا.

هذا من جهة و من جهة أخري لما كان النفاق مستورا بين الصحابة في عهد النبي صلي الله عليه و آله و سلم فلابد من علامة يعرف بها المنافق عن


غيره، فلذا جعل حب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام علامة للايمان و بغضه علامة للنفاق، ففي صحيح الترمذي ج 5 ص 634، باب 21 من أبواب كتاب المناقب، عن أم سلمة:

(كان رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول: لا يحب عليا منافق و لا يبغضه مؤمن).

و في صحيح مسلم ج 1 ص 61، باب: الدليل علي أن حب الأنصار و علي رضي الله عنهم من الايمان:

(قال علي: و الذي فلق الحبة و برأ النسمة أنه تعهد النبي الأمي صلي الله عليه و سلم الي: أنه لا يحبني الا مؤمن، و لا يبغضني الا منافق).

و في مستدرك الصحيحين للنيسابوري ج 3 ص 139، كتاب معرفة الصحابة، رقم الحديث (4643)، عن أبي ذر رضي الله عنه قال:

(ما كنا نعرف المنافقين الا بتكذيبهم الله و رسوله، و التخلف عن الصلوات، و البغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه).

و في صحيح الترمذي ج 5 ص 635، باب 21 من كتاب المناقب، عن أبي سعيد الخدري، قال: (انا كنا نعرف المنافقين - نحن معاشر الأنصار - ببغضهم علي بن أبي طالب).

و من جهة ثالثة لما كان الارتداد - بمعني مطلق الرجوع - سيحدث بعد انتقال النبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم، فلابد من مائز يعرف به المرتد بالمعني المذكور عن غيره، فلذا كان التمسك بالقرآن و بالعترة النبوية علامة علي المتمسك يدينه، و المعرض عن القرآن و العترة النبوية


علامة عن المرتد المذكور.

ففي صحيح الترمذي ج 5 ص 662، كتاب الماقب، عن جابر بن عبدالله قال: (رأيت رسول الله صلي الله عليه و سلم في صحبته يوم عرفة، و هو علي ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس، اني قد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله و عترتي أهل بيتي).

و في نفس المصدر ص 6633، عن زيد بن أرقم و أبي سعيد، قالا:

(قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الي الأرض، و عترتي أهل بيتي، و لن يتفرقا حتي يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)

و في مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري ج 3 ص 148، عن زيد بن أرقم قال: (قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، و أنهما لن يتفرقا حتي يردا علي الحوض)، و أخرجه عن زيد بن أرقم في نفس المصدر ص 110 - 109، بتفاوت يسير، و في مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 17، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلي الله عليه و سلم، قال:

(اني أوشك أن أدعي فأجيب، و اني تارك فيكم الثقين: كتاب الله عز و جل و عترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء الي الأرض، و عترتي أهل بيتي، و ان اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فانظروني بم تخلفوني فيهما).


و أخرجه عن أبي سعيد الخدري بتفاوت يسير في نفس المصدر ص 59.

و لما أعرض الناس عن الثقلين بعد وفاة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فاعرضوا عن الثقل الأصغر حتي وصل أمر الخلافة الي يزيد الكافر السكير، و أعرضوا عن الثقل الأكبر حتي وصل أمر الشريعة الي ضياع، ففي صحيح البخاري ج 1 ص 141، باب تضييع الصلاة عن وقتها، عن غيلان، عن أنس، قال:

(ما أعرف شيئا مما كان علي عهد النبي صلي الله عليه و سلم، قيل: الصلاة؟ قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها).

و في نفس المصدر: سمعت الزهري يقول: (دخلت علي أنس بن مالك بدمشق، و هو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئا ما أدركت الا هذه الصلاة، و هذه الصلاة قد ضيعت).

و في صحيح البخاري ج 1 ص 166، باب فضل صلاة الفجر في جماعة، عن الأعمش، قال: سمعت سالما، قال: سمعت أم الدرداء تقول: دخل علي أبوالدرداء و هو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمد صلي الله عليه و سلم شيئا الا أنهم يصلون جميعا).

و في صحيح البخاري، ج 2 ص 22، باب الخروج الي المصلي بغير منبر، عن أبي سعيد الخدري قال:

(كان رسول الله صلي الله عليه و سلم يخرج يوم الفطر و الأضحي الي المصلي، فأول شي ء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس، و الناس جلوس علي صفوفهم، فيعظهم و يوصيهم و يأمرهم - الي أن قال -:


فلم يزل الناس علي ذلك، حتي خرجت مع مروان، و هو أمير المدينة، في أضحي أو فطر، فلما أتينا المصلي اذا منبر بناه كثير بن الصلت، فاذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة.

فقلت له: غيرتم و الله، فقال: أباسعيد، قد ذهب ما تعلم.

فقلت: ما أعلم و الله خير مما لا أعلم، فقال: ان الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة).

و هي صريحة في تغيير أحكام الدين، هذا كله في عهد الصحابة، فأي عدالة ثابتة للجميع، مع العلم لم نورد كل النصوص المتعلقة بالأبحاث المتقدمة و انما اكتفينا ببعضها و من أوثق كتبهم.

و بعد هذا العرض فاذا كان مقتل الامام الحسين عليه السلام فيه كشف لزيف حركة النفاق و حركة الارتداد، و هذا ما حدث فعلا فأي ضير في قراءة المقتل و تعليم الأجيال ذلك.