المغفرة المزعومة لجيش مدينة قيصر
و أقول: (أن جيش القسطنطينية مغفور له، و يزيد أميرهم).
أما الحديث فقد أورده البخاري في صحيحه ج 4 ص 51، باب ما قيل في الروم من باب فضل الجهاد و السير قال:
(حدثني اسحاق بن يزيد الدمشقي، حدثنا يحيي بن حمزة قال: حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان: أن عمير بن الأسود العنسي حدثه: أنه أتي عبادة بن الصامت و هو نازل في ساحة حمص، و هو في بناء له، و معه أم حرام قال عمير: فحدثتنا أم حرام: أنها سمعت رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا، قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله، أنا فيهم؟
قال: أنت فيهم.
ثم قال النبي صلي الله عليه و سلم: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا).
و أورده ابن عساكر كما في مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج 5 ص 116، عن ثور بن يزيد بسنده عن عمر بن الأسود العنسي، قال: (أتينا عبادة بن الصامت أيام أرواد، فاذا هو قائم يركع، فقالت
له أم حرام: يا أباالوليد، هؤلاء اخوانك جاؤوك تحدثهم، فقال لها: ان كنت صحبت فقد صحبت، و ان أكن سمعت فقد سمعت، فحدثيهم أنت.
فقالت: أتانا النبي صلي الله عليه و سلم فقال: أين أبوالوليد؟
فقلت: الساعة يأتيك، فألقيت له و سادة فجلس عليها، فضحك، فقلت: ما أضحكك؟ قال: أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا، فقلت: أدع الله لي أن أكون معهم، قال: اللهم اجعلها معهم
قالت: ثم ضحك، فقلت: ما الذي أضحكك؟ قال: أول جيش من أمتي يرابطون مدينة قيصر مغفور لهم).
و قد أورده المتقي الهندي في كنز العمال ج 4 ص 455 تحت رقم (11357).
و أرواد جزيرة في البحر قرب مدينة قيصر، غزاها المسلمون و فتحوها سنة 54 للهجرة مع جنادة بن أمية في أيام معاوية بن أبي سفيان كما في معجم البلدان ج 1 ص 162.
و لفظ (قد أوجبوا) أي أوجبوا لأنفسهم المغفرة و الرحمة بسبب أعمالهم الصالحة كما هو مضمون شرح ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري ج 6 ص 408.
و علي فرض صحة الخبر و صحة وجود يزيد في هذا الجيش أميرا و قائدا أو لا، فالخبر لا يدل علي غفران ذنوبه و حسن حاله كما (استدل به المهلب علي ثبوت خلافة يزيد و أنه من أهل الجنة لدخوله في عموم قوله: مغفور لهم) كما في ارشاد الساري لشرح صحيح
البخاري ج 6 ص 408.
حيث ان القسطلاني في نفس المصدر السابق قال: (و أجيب: بأن هذا جار علي طريق الحمية لنبي أمية، و لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص، اذ لا خلاف أن قوله عليه الصلاة و السلام: مغفور لهم، مشروط بكونه من أهل المغفرة، حتي لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقا، قاله ابن المنير.
و قد أطلق بعضهم فيما نقله المولي سعد الدين اللعن علي يزيد، لما أنه كفر حين أمر بقتل الحسين، واتفقوا علي جواز اللعن علي من قتله، أو أمر به، أو أجازه و رضي به، و الحق أن رضا يزيد بقتل الحسين و استبشاره بذلك و اهانته أهل بيت النبي صلي الله عليه و سلم مما تواتر معناه، و ان كان تقاصيلها آحادا، فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في ايمانه، لعنة الله عليه و علي أنصار و أعوانه).
و قال العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري ج 6 ص 128 - 127 بعد ايراده الخبر: (قال المهلب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، و منقبة لولده يزيد، لأنه أول من غزا مدينة قيصر.
و تعقبه ابن التين و ابن المنير بما حاصله: أنه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص، اذ لا يختلف أهل العلم أن قوله صلي الله عليه و سلم: مغفور لهم، مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة، حتي لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقا، فدل علي أن المراد: مغفور لم وجد شرط المغفرة فيه منهم).
و قال السبط ابن الجوزي عن جده أبي الفرج عن القاضي أبي يعلي في تذكيرة الخواص ص 258:
(فان قيل: فقد قال النبي صلي الله عليه و سلم: أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له، و يزيد أول من غزاها. قلنا: فقد قال النبي صلي الله عليه و سلم: لعن الله من أخاف مدينتي، و الآخر ينسخ الأول.
قال أحمد في المسند - و ذكر السند الي السايب بن خلاد - أن رسول الله صلي اله علي و سلم قال: من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله و عليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا.
و قال البخاري - و ذكر السند الي عائشة - قالت: سمعت سعدا، يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول: لا يكيد أهل المدينة الا أن ماع كما يماع الملح في الماء.
و أخرجه مسلم أيضا بمعناه، و فيه: لا يريد أهل المدينة أحد بسوء الا أذابه الله في النار ذوب الرصاص.
و لا خلاف أن يزيد أخاف أهل المدينة، و سبي أهلها و نهبها و أباحها، و تسمي وقعة الحرة.
و سببه ما رواه الواقدي و ابن اسحاق و هشام بن محمد: أن جماعة من أهل المدينة و فدوا علي يزيد سنة اثنين و ستين، بعدما قتل الحسين، فرأوه يشرب الخمر و يلعب بالطنابير و الكلاب، فلما عادوا الي المدينة، أظهروا سبه و خلعوه، و طردوا عامله عثمان بن محمد بن أبي سفيان، و قالوا: قدمنا من عند رجل، لا دين له، يسكر و يدع الصلاة، و بايعوا عبدالله بن حنظلة الغسيل - غسيل الملائكة -، و كان حنظلة يقول: يا قوم و الله ما خرجنا علي يزيد، حتي خفنا أن
نرمي بالحجارة من السماء، رجل ينكح الأمهات و البنات و الأخوات، و بشرب الخمر و يدع الصلاة، و يقتل أولاد النبيين، و الله لو يكون عندي أحد من الناس لأبلي الله فيه بلاء حسنا.
فبلغ الخبر الي يزيد، فبعث اليهم مسلم بن عقبة المري، في جيش كثيف من أهل الشام، فأباحها ثلاثا، و قتل ابن الغسيل و الأشراف، و أقام ثلاثا ينهب الأموال و يهتك الحريم.
قال ابن سعد: و كان مروان بن الحكم يحرض مسلم بن عقبة علي أهل المدينة، فبلغ يزيد، فشكر مروان، و قربه و أدناه و وصله.
و ذكر المدايني في كتاب (الحرة)، عن الزهري، قال: كان القتلي يوم الحرة سبعمائة من وجوه الناس، و من قريش و الأنصار و المهاجرين و وجوه الموالي، و أما من لم يعرف من عبد أو حر أو امرأة فعشرة آلاف، و خاض الناس في الدماء حتي وصلت الدماء الي قبر رسول الله صلي الله عليه و سلم، و امتلأت الروضة و المسجد
قال مجاهد: و التجأ الناس الي حجرة رسول الله و منبره و السيف يعمل فيهم.
و كانت وقعة الحرة سنة ثلاث و ستين في ذي الحجة، فكان بينها و بين موت يزيد ثلاثة أشهر، ما أمهله الله، بل أخذه الله أخذ القوي، و هي ظالمة (كذا)، و ظهرت فيه الآثار النبوية و الاشارات المحمدية.
و ذكر أبوالحسن المدايني، عن أم الهيثم بنت يزيد قالت: رأيت امرأة من قريش تطوف بالبيت، فعرض لها أسود، فعانقته و قبلته، فقلت لها: ما هذا منك؟ قالت: هذا ابني من يوم الحرة وقع علي أبوه فولدته.
ذكر أيضا المدايني، عن أبي قرة، قال: قال هشام بن حسان: ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج، و غير المدايني يقول: عشرة آلاف امرأة.
و قال الشعبي: أليس قد رضي يزيد بذلك، و أمر به و شكر مروان بن الحكم علي فعله، ثم سار مسلم بن عقبة من المدينة الي مكة، فمات في الطريق، فأوصي الي الحصين بن نمير، فضرب الكعبة بالمجانيق، و هدمها و أحرقها، و جاء نعي يزيد لعنه الله في ربيع)
و لا بأس بصرف عنان الكلام في شرح أحوال أبي أيوب الأنصاري و مشاركة يزيد في غزوة مدينة قيصر.