بازگشت

المشهد الزينبي في القاهرة


بناءً علي الرواية التي تقول بأن السيدة زينب حينما غادرت المدينة المنورة بضغط من والي المدينة الأموي عمرو بن سعيد الأشدق فإنها توجهت الي مصر واستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد وأنزلها داره بالحمراء في القاهرة، وبعد احدي عشر شهراً وخمسة عشر يوماً توفيت في (15 ـ رجب ـ سنة 62 هـ)، وصلي عليها الوالي مسلمة بن مخلد، ودفنها بمخدعها من الدار حسب وصيتها [1] .

وعلي هذا يقع ضريح السيدة زينب في الجهة البحرية من دار مسلمة بن مخلد الأنصاري، وبمرور السنين والعهود علي هذه الدار اندثر جزء كبير منها الا ما كان من الضريح الطاهر فإنه كان معظماً مقصوداً بالزيارة، وموضع تبجيل وأحترام الخاصة والعامة من الناس، الذين كانوا يتعاهدونه بالتعمير والأصلاح، ويتناوب علي خدمة هذا المشهد أناس أنقطعوا لهذا العمل ويصرف عليهم من وجوه الخير ومن ريع الأعيان والممتلكات التي أوقفت علي هذا الضريح الطاهر.

وفي زمن دولة أحمد بن طولون (254 ـ 293 هـ) (868 ـ 905 م) اُجري علي هذا المشهد الطاهر ما اُجري علي المشاهد الأخري من عمارة وترميم.


فلما جاءت الدولة الفاطمية (358 ـ 567 هـ) (969 ـ 1171 م) كان أول من بني عمارة جليلة عظيمة علي هذا المشهد من خلفاء الفاطميين، أبو تميم معد نزاز بن المعز، وذلك في سنة (369 هـ).

وقد ذكر الرحالة الأديب، أبو عبدالله الكوهيني الفاسي الأندلسي، انه دخل القاهرة في (14 ـ محرم ـ 369 هـ) وأنه دخل مشهد السيدة زينب بنت علي، فوجده داخل دار كبيرة وهو في طرفها البحري، يشرف علي الخليج، قال: وعاينّا الضريح، وشممنا منه رائحة طيبة، ورأينا بأعلاه قبة من الجص، وفي صدر الحجرة ثلاثة محاريب، وعلي كل ذلك نقوش في غاية الأتقان، وعلي باب الحجرة مكتوب:

«هذا ما أمر به عبدالله ووليه أبو تميم أمير المؤمنين... أمر بعمارة هذا المشهد علي مقام السيدة الطاهرة بنت البتول زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله تعالي عليها وعلي آبائها الطاهرين وأبنائها المكرمين).

وفي أيام الحاكم بأمرالله أوقف علي المشهد الزينبي عدة ضياع وأسواق ومحال تجارية ليصرف ريعها علي خدمات المشهد.

وفي القرن السادس الهجري أيام المللك سيف الدين أبي بكر بن أيوب اجري الشريف فخر الدين ثعلب الجعفري أمير القاهرة ونقيب الأشراف الزينبيين بها عمارة واصلاحاً علي هذا المشهد.

واهتم الأمير علي باشا الوزير والي مصر من قبل السلطان سليمان خان بن السلطان سليم الفاتح بتعمير المشهد وتشييده وجعل له مسجداً يتصل به وذلك في سنة (956 هـ).

وفي سنة (1174 هـ) أعاد الأمير عبد الرحمن كتخدا القازدوغلي بناء المسجد وتشييد أركانه وأنشأ به ساقية وحوضاً للطهارة والوضوء، وبني مقام السيد محمد العتريس المتوفي أواخر القرن السابع والذي كان ملازماً لخدمة المشهد الزينبي.

وفي سنة (1210 هـ) جددت المقصورة الشريفة التي تحيط بالتابوت الطاهر


المقام فوق القبر، وصنعت من النحاس الأصفر، ووضع فوق بابها لوحة نحاسية كتب عليها.

«يا سيدة زينب يا بنت فاطمة الزهراء مددكِ 1210 هـ». وما زالت اللوحة علي الضريح الشريف حتي اليوم.

وحدث في سنة (1212 هـ) أن تصدعت جدران المسجد، فانتدبت حكومة المماليك، عثمان بك المرادي لتجديده واعادة بنائه، الا ان العمل توقف بسبب الحملة الفرنسية علي مصر، وبعدها استؤنف العمل الا انه لم يتم فأكمله بعد ذلك يوسف باشا الوزير سنة (1216 هـ) وأرخ ذلك بأبيات من الشعر خطت علي لوح من الرخام نصها:



نور بنت النبي زينب يعلو

مسجداً فيه قبرها والمزار



قد بناه الوزير صدر المعالي

يوسف وهو للعلي مختار



زاد اجلـاله كـما قلت وأرخ

مـسجد مشرق به أنوار



وبعد ذلك أصبح هذا المشهد محل رعاية الحكام مصر من أسرة محمد علي، ففي سنة (1270 هـ) شرع الخديوي عباس باشا الأول في اصلاحه ووضع حجر الأساس ولكن الموت عاجله، فقام الخديوي محمد سعيد باشا في سنة (1276 هـ) بأتمام ما بدأه سلفه وكتب علي باب المقام الزينبي هذا البيت من الشعر:



يا زائريها قفوا بالباب وابتهلوا

بنت الرسول لهذا القطر مصباح



وفي سنة (1291 هـ) أمر الخديوي اسماعيل بتحديد الباب المقابل لباب القبة وجعله من الرخام.. وفي هذه المناسبة قال السيد علي أبو النصر مؤرخاً تجديد هذا الباب:




مقام به بنت الإمـام كأنما

هو الروضة الفيحاء باليـمن مونقه



علي بـابها لاح القبول لزائر

ونور الهـدي أهـدي سنـاه ورونقه



بأمر الخديوي جددته يد العلا

فكانت بأسـبـاب الرضــا متوثقه



وفي حلية التجديد قلت مؤرخاً

شمموس الحلي في باب زينب مشرقه



(1294 هـ)

وفي نفس العام (1294 هـ) جدد الباب المقابل لباب الضريح علي الهيئة الموجودة الآن.

أما المسجد القائم حالياً فقد تم انشاؤه علي مراحل ثلاث. فبني الجزء الأول منه وهو المطل علي الميدان المعروف باسم ميدان السيدة زينب في عهد الخديوي توفيق سنة (1302هـ)، وكتب علي أبواب القبة الشريفة التي تضم الضريح أبياتاً من الشعر:



قف توسل بـباب بنت علي

بخضوع وسل آلـه الـسماء



تحظ بالعز والـقبول وأرخ

باب أخت الحسين باب العلاء



رفعوا لزينب بنـت طه قبة

علياء مـحكمة الـبناء مشيدة



نور القبول يقول في تاريخها

باب الرضا والعدل باب السيدة



باب لبنت المصطـفي صفوته

يدخل مـن يـشاء في رحمته



كماله بزينب أرخـه تـوفيق

بـانـي الـعز فـي دولتـه



وظل المسجد علي تلك الحال حتي تمت توسعته من الجهة القبلية بمساحة


(1500 متر مربع) تقريباً في عهد الملك فاروق الأول وافتتح للصلاة في يوم الجمعة (19 ـ ذي الحجة ـ 1360 هـ = 1942 م).

ولما رأت حكومة الرئيس جمال عبد الناصر زيادة اقبال الناس علي هذا المسجد حتي ضاق عن أن يتسع للآلاف منهم خاصة في أيام الجمع والأعياد أمرت باجراء توسعة عظيمة بلغت حوالي (2500) متر مربع من الجهة القبلية.. وبذلك اتصل المسجد الزينبي بمسجد الزعفراني المجاور له، كما أقيمت به دورة مياه كبيرة للطهارة والوضوء، ومكتبة ضخمة تضم عشرات الآلاف من المجلدات وألحق بها قاعة فسيحة للمطالعة، وأكتملت هذه التوسعة سنة (1389 هـ ـ 1969 م)، فأصبحت مساحة المشهد الزينبي وملحقاته تزيد علي (7000 آلاف متراً متربعاً مربعاً).

أما المئذنة التي تعتبر فريدة في نوعها لما تتحلي به من نقوش وزخارف عربية جميلة فان ارتفاعها يقرب من (45 متراً) [2] .



پاورقي

[1] (أخبار الزينبات) الصبيدلي، مجلة (الموسم) عدد: 4.

[2] علي أحمد الشلبي رئيس مجلس ادارة المسجد الزينبي بالقاهرة في مقاله له في مجلة (الموسم) العدد: 4 (من صفحة 865 الي صفحة 880). نقلنا عنه بتصرف واختصار.