بازگشت

في دمشق الشام


تشير بعض الروايات الي أن عبدالله بن جعفر رحل عن المدينة وأنتقل مع السيدة زينب زوجته الي ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق في قرية يقال لها «راوية» وقد توفيت السيدة زينب في هذه القرية ودفنت في المرقد المعروف بإسمها.

وتختلف الروايات في سبب هجرة عبدالله بن جعفرالي هذه القرية وفي تاريخ تلك الهجرة ووفاة السيدة زينب، لكن العديد من المؤلفين ذكروا أن ذلك بسبب


مجاعة حصلت في المدينة وإن ذلك كان في سنة (65 هـ) وبعضهم قال إن ذلك في سنة (62 هـ).

يقول العلامة الشيخ فرج العمران ـ خلال بحث له عن الموضوع ـ: فالأرجح عندي أنها (عليها السلام) توفيت في الشام في النصف من شهر رجب من العام الخامس والستين من الهجرة وهو عام المجاعة، وذلك بمحضر زوجها الجواد عبدالله بن جعفر، ودفنت في احدي قراه المعروفة براوية من غوطة دمشق المشتهرة الآن بقرية الست [1] .

ويقع مقام السيدة زينب في الجهة الشرقية الجنوبية علي بعد سبعة كيلو مترات من دمشق، وقد أصبحت المنطقة تعرف كلها باسم «السيدة زينب».

وتبلغ مساحة المقام وملحقاته حوالي الـ (15000 متر مربع)، ويتسع لخمسة آلاف شخص.

وقد زار هذا المشهد الرحالة الشهير ابن جبير المتوفي سنة (614 هـ)، وقال عنه في رحلته المعروفة عند ذكر المزارات عند ذكر المزارات الشامية: «ومن مشاهد أهل البيت مشهد أم كلثوم بنت علي ويقال لها زينب الصغري وأم كلثوم كنية أوقعها عليها النبي لشبهها بابنته أم كلثوم ومشهدها الكريم قبلي البلد يعرف براوية علي مقدار فرسخ وعليه مسجد كبير وخارجه أوقاف وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الست ومشينا اليه وبتنا به وتبركنا برؤيته [2] .

كما زار هذا المشهد الرحالة ابن بطوطة المتوفي (770 هـ)، وقال عند ذكر مزارات دمشق: بقرية القبلي وعلي فرسخ منها مشهد أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة، ويقال أن اسمها زينب وكناها رسول الله لشبهها بخالتها أم كلثوم بنت رسول الله وعليه مسجد كبير وله مساكن وله أوقاف ويسميه أهل دمشق


قبر الست أم كلثوم [3] .

وذكر هذا المشهد الباحث الدمشقي عثمان بن أحمد السويدي الحوراني المتوفي سنة (970 هـ ـ أو 1003 هـ) في كتابه:

(الأشارات الي أماكان الزيارات) قال: ومنها قرية يقال لها «راوية» بها السيدة زينب أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب توفيت بغوطة دمشق عقيب محنة أخيها الحسين، ودفنت في هذه القرية ثم سميت القرية باسمها وهي الآن معروفة بـ «قبر الست» [4] .

وقال العلامة السيد محسن الأمين العاملي: يوجد في قرية تسمي «راوية» علي نحو فرسخ من دمشق الي جهة الشرق قبر ومشهد يسمي «قبر الست» ووجد علي هذا القبر صخرة رأيتها وقرأتها كتب عليها: هذا قبر السيدة زينب المكناة بأم كلثوم بنت سيدنا علي (رضي الله عنه) وليس فيها تاريخ وصورة خطها تدل علي أنها كتبت بعد الستمائة من الهجرة» [5] .

وإن كان السيد الأمين يرجّح أن القبر لزينب الصغري أخت السيدة زينب الكبري.

وورد أن السيدة نفيسة صاحبة المقام المعروف في القاهرة بنت حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب قد زارت هذا المشهد في قرية «راوية» سنة (193 هـ) [6] .

وقرب سنة (500 هـ) شيد رجل قرقوبي من أهل حلب بمشهدها جامعاً كبيراً من أشهر جوامع دمشق [7] .


وزار هذا المشهد الرحالة أبو بكر الهروي المتوفي (611 هـ) وذكره في كتابه المعروف بـ (الأشارات الي معرفة الزيارات) [8] .

وفي سنة (768 هـ) أوقف علي هذا المشهد ـ باعتباره مرقداً للسيدة زينب الكبري ـ نقيب الأشراف السيد حسين الموسوي من كبار أعلام دمشق في زمانه جميع ما كان يملكه من البساتين والأراضي وكتب صكاً طويلاً عليه شهادات سبعة من قضاة دمشق الكبار في زمانهم، ونسخة هذا الصك محفوظة عند سدنة المقام ومذكور نصه في بعض المؤلفات [9] .

وقد جدد السيد حسين الموسوي عمارة هذا المشهد سنة (768 هـ) وفي سنة (1302 هـ) جدد القبة الكريمة السلطان عبد العزيز خان العثماني باعانة التجار والأثرياء. وفي سنة (1354 هـ) أنشأ سادة آل نظام غرفاً كثيرة حول المقام لاراحة الزائرين وجددوا المدخل الشريف بنفقتهم.

وفي سنة (1370 هـ) شكل الإمام السيد محسن الأمين العاملي لجنة من خيار التجار وأهل الثروة لتعميرالحرم والصحن والأروقة برئاسته (رحمه الله) [10] .

وكان للحاج محمد مهدي البهبهاني (رحمه الله) دور أساسي في هذه العمارة والتجديد.

وفي سنة (1370 هـ) أهدي التاجر الباكستاني محمد علي حبيب مؤسس المصرف المعروف باسمه «حبيب بنك» أهدي قفصاً ثميناً وزنه اثنا عشر طنا لينصب علي قبرها لأن الله قد شفا ولده الوحيد من الشلل بعد أن عجز عنه الأطباء ببركة السيدة زينب، وقد نصب هذا القفص الفضي المذهب المحلي بالجواهر الكريمة النادرة في احتفال رسمي وشعبي.


وأرخه الخطيب الشيخ علي البازي النجفي بقوله:



هـذا ضريح زيـنب قف عنـده

واستغفـر الله لـكل مذنب



تري الملا طراً وأملاك السما

ارخ «وقوفاً في ضريح زينب»



(1370 هـ) [11] .

وفي سنة (1373 هـ) أهدي جماعة من التجار الأيرانيين صندوقاً ثميناً من أورع أمثلة الصناعة الأيرانية المعروفة، ومن صنع الفنان الأيراني الحاج محمد سميع، والذي بقي في صنع هذا الصندوق ثلاثين شهراً، وقدر ثمنه بمآءتي ألف ليرة سورية آنذاك، وعليه غطاء من البلور أحضرته بعثة ايرانية برئاسة ضابط ايراني كبير، وأقيم يوم وصوله ونصبه علي قبرالسيدة زينب احتفال مهيب ترأسه السيد صبري العسلي رئيس وزارة سوريا.

وارخه الشاعر النجفي السيد محمد الحلي بقوله:



صندوق زينب قد بدت

للفن فيه علائم



صنعته أيدي المخلصين

فحار فيه العالم



حيث احتوي جثمانها

ارّخت راق الخاتم



(1373 هـ) [12] .

وأهدي بعض تجار ايران سنة (1380 هـ) لمشهدها باباً ذهبياً رائعاً [13] .

وللمقام مئذنتان شامختان بارتفاع (54 متراً).

وفي عام (1380 هـ) أهدي للحرم باب ذهبي للمدخل الغربي وبابان مذهبان بالميناء للمدخل الشمالي والقبلي كما تم في هذا العام (1413 هـ) اكساء قبة المقام من الخارج بالذهب.



پاورقي

[1] (وفاة زينب الکبري) الشيخ فرج العمران ص 65.

[2] (مرقد العقيلة زينب) محمد حسنين السابقي ص 109، نقلاً عن رحلة ابن جبير ص 269.

[3] المصدر السابق ص 110 عن (رحلة ابن بطوطة) ج 1 ص 61.

[4] المصدر السابق، نقلاً عن (الأشارات) ص 18 طبع دمشق: (1302 هـ).

[5] (أعيان الشيعة) محسن الأمين ج 7 ص 136.

[6] (مرقد العقيلة زينب) السابقي ص 141 ث.

[7] المصدر السابق.

[8] المصدر السابق.

[9] المصدر السابق ص 145.

[10] المصدر السابق ص 227.

[11] (أدب الطف) جواد شبر ج 1 ص 251.

[12] (مرقد العقيلة) السابقي ص 231.

[13] المصدر السابق.