بازگشت

في محراب العبادة


في محراب العبادة عبادة الخالق والقرب منه هي المرتكز والمحور في الشخصية الإيمانية، بل هي مقياس الأنسانية والتحرر في شخصية الأنسان، فالبديل عن التعبد لله والخضوع له هو العبودية للشهوات وللمصالح المادية الزائلة.

إن التعبد لله يعني انسجام الأنسان مع فطرته النقية، واستجابته لنداء عقله الصادق بأن للحياة خالقاً يمسك بأزمتها واليه مصيرها.

والتعبد لله هو النبع الذي يروي منه الأنسان ظمأه الروحي، ويتزود من دفقاته بدوافع الخير ونوازع الصلاح.

فكلما أقبل الأنسان علي ربه، وأخلص في عبادته، تجلت انسانيته أكثر وتجسدت القيم الخيرة في شخصيته.

ففي الحديث القدسي الذي ينقله الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) عن الله (سبحانه) أنه قال:

«لا يزال عبدي يتقرب اليّ بالنوافل حتي أحبه فأكون أنا سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، فاذا


دعاني أجبته، واذا سألني أعطيته» [1] .

والسيدة زينب وهي العالمة بالله و (إنما يخشي الله من عباده العلماء) [2] وهي الناشئة في أجواء الأيمان والعبادة والتقوي كانت قمة سامقة في عبادتها خضوعها للخالق (عز وجل).

كانت ثانية أمها الزهراء في العبادة. وكانت تؤدي نوافل الليل كاملة في كل أوقاتها حتي أن الحسين (عليه السلام) عندما ودع عياله الوداع الأخير يوم عاشوراء قال لها: «يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل». كما ذكر ذلك البيرجندي، وهو مدون في كتب السير [3] .

وعن عبادة السيدة زينب ليلة الحادي عشر من المحرم يقول الشيخ محمد جواد مغنية: وأي شيء أدل علي هذه الحقيقة من قيامها بين يدي الله للصلاة ليلة الحادي عشر من المحرم، ورجالها بلا رؤوس علي وجه الأرض تسفي عليهم الرياح، ومن حولها النساء والأطفال في صياح وبكاء ودهشة وذهول، وجيش العدو يحيط بها من كل جانب... إن صلاتها في مثل هذه الساعة تماماً كصلاة جدها رسول الله في المسجد الحرام، والمشركون من حوله يرشفونه بالحجارة، ويطرحون عليه رحم شاة، وهو ساجد لله (عز وعلا)، وكصلاة أبيها أمير المؤمنين في قلب المعركة بصفين، وصلاة أخيها سيد الشهداء يوم العاشر والسهام تنهال عليه كالسيل.

ولا تأخذك الدهشة ـ أيها القارئ الكريم ـ اذا قلت: ان صلاة السيدة زينب ليلة الحادي عشر من المحرم كانت شكراً لله علي ما أنعم، وانها كانت تنظر الي تلك الأحداث علي أنها نعمة خص الله بها أهل بيت النبوة من دون الناس أجمعين، وانه لولاها لما كانت لهم هذه المنازل والمراتب عند الله والناس [4] .


وروي عن ابنة أخيها فاطمة بنت الحسين قولها: «وأما عمتي زينب فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة في محرابها تستغيث الي ربها فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رنة» [5] .

أما كيف كانت تتخاطب السيدة زينب مع ربها؟ وبماذا كانت تناجيه؟ فإن المصادر التاريخية قد احتفظت لنا ببعض القطع والفقرات من أدعيتها ومناجاتها نذكر منها ما يلي:

«يا عماد من لا عماد له، ويا ذخر من لا ذخر له، ويا سند من لا سند له، ويا حرز الضعفاء، ويا كنز الفقراء، ويا سميع الدعاء، ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا كاشف السوء، ويا عظيم الرجاء، ويا منجي الغرقي، ويا منقذ الهلكي، يا محسن، يا مجمل، يا منعم، يا متفضل، أنت الذي سجد لك سواد الليل، وضوء النهار، وشعاع الشمس، وحفيف الشجر، ودوي الماء، يا الله يا الله الذي لم يكن قبله قبل، ولا بعده بعد، ولا نهاية له، ولا حد ولا كفؤ ولا ند، بحرمة اسمك الذي في الآدميين معناه المرتدي بالكبرياء والنور والعظمة، محقق الحقائق، ومبطل الشرك والبوائق، وبالأسم الذي تدوم به الحياة الدائمة الأزلية، التي لا موت معها ولا فناء، وبالروح المقدسة الكريمة، وبالسمع الحاضر والنظر النافذ، وتاج الوقار، وخاتم النبوة، وتوثيق العهد، ودار الحيوان، وقصور الجمال، ويا لله لا شريك له» [6] .

ومن الأدعية والتسبيحات التي كانت تواظب علي قراءتها هو:

«سبحان من لبس العز وتردي به، سبحان من تعطف بالمجد والكرم، سبحان من لا ينبغي التسبيح الا له (جل جلاله)، سبحان من أحصي كل شيء عدداً بعلمه وخلقه وقدرته، سبحان ذي العزة والنعم، اللهم، إني اسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهي الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وجدك


الاعلي، وكلماتك التامات التي تمت صدقاً وعدلاً، أن تصلي علي محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين، وأن تجمع لي خيري الدنيا والآخرة، بعد عمر طويل، اللهم أنت الحي القيوم، أنت هديتني، وأنت تطعمني وتسقيني، وأنت تميتني برحمتك يا أرحم الراحمين [7] .

ومن أدعية أبيها التي كانت تدعو بها بعد صلاة العشاء:

«اللهم أني اسألك يا عالم الأمور الخفية، ويامن الأرض بعزته مدحية، ويامن الشمس والقمر بنور جلاله مشرقة مضيئة، ويا مقبلاً علي كل نفس مؤمنة زكية، ويا مسكّن رعب الخائفين وأهل التقيّة يا من حوائج الخلق عنده مقضية، يا من ليس له بواب ينادي، ولا صاحب يغشي، ولا وزير يؤتي، ولا غير رب يدعي، يا من لا يزداد علي الإلحاح إلا كرماً وجوداً، صل علي محمد وآل محمد واعطني سؤلي انك علي كل شيء قدير» [8] .



پاورقي

[1] (ميزان الحکمة) الري شهري ج 8 ص 111.

[2] سورة فاطر آية 28.

[3] (أدب الطف) جواد شبر ج 1 ص 242.

[4] (مع بطلة کربلاء) مغنية ص 42.

[5] (زينب الکبري) النقدي ص 62.

[6] (عقيلة الطهر والکرم) موسي محمد علي ص 70.

[7] (عقيلة بني هاشم) علي الهاشمي ص 15.

[8] المصدر السابق ص 16.