بازگشت

رائدة المعرفة


بالعلم ميز الله الانسان علي سائر المخلوقات حتي الملائكة: (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم علي الملائكة فقال أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) [1] .

وبالعلم يتمايز بنو آدم فيما بينهم: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) [2] .

(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [3] .

و «العلم رأس الخير كله» و «أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً»، «وأقل الناس قيمة أقلهم علماً»، كما يقول الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) [4] .


أو كما يقول الإمام علي (عليه السلام): «قيمة كل امرئ ما يحسنه» [5] .

فالعلم ساحة سباق وتنافس بين أبناء البشر يتقدم فيها من حاز منه بنصيب أوفر.

والمرأة كانسانة معنية بهذا السباق في ميدان العلم، ولها حضورها في ساحة، وقيمتها كالرجل تتحدد بما تحسنه من العلم والمعرفة.

لذلك قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة».

واذا ما رأينا الجهل معشعشاً أكثر في أوساط نسائنا فذلك دليل علي تخلفنا وانحرافنا عن هدي الرسالة.

لقد اثبتت المرأة في الماضي والحاضر أنها لا تقل عن الرجل استعداداً للمعرفة وكفاءة في طلب العلم.. فحتي العلوم التخصصية الهامة أحرزت فيها المرأة تفوقاً وتقدماً.. وكذلك المجالات العلمية التي تحفها المخاطر والصعوبات فحادثة «تشالنجر» لازالت ماثلة أمام الأذهان حينما تحطمت المركبة الفضائية المتطورة بعد (73) ثانية من انطلاقها في الجو بسبب شرخ في خزان الوقود بتاريخ (28 ـ 1 ـ 1986 م) وكان ضمن طاقمها المكون من ستة أفراد فتاتان تعملان في أبحاث الفضاء هما «كريستا مكوليف» و «جودث رثنك».

وقبل سنتين نشرت وسائل الإعلام تحقيقاً عن امرأة عربية متخصصة في فيزياء «البلازما» وهي الحال الرابعة للمادة التي يقال أن كتلة الكون تتألف منها.

تلك المرأة هي «مها عاشور عبدالله» أستاذة الفزياء في جامعة «لوس أنجلس» في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تجاوزت هذه المرأة كل المستحيلات، فاختارتها وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» مستشارة رئيسية في وضع خطة الأبحاث الأساسية في فيزياء الفضاء، وقد منحت جائزة نساء العلم الأميركية.


وذكرت «مهي» المعروفة بأبحاثها المشتركة مع أبرز علماء فيزياء الفضاء من فرنسا واليابان والصين والأتحاد السوفيتي (سابقاً) والمانيا أنها غالباً ما تجد نفسها المرأة الوحيدة في المؤتمرات العلمية الدولية، وتعتقد أن النساء العربيات أكثر أقداماً علي العلوم من الغربيات، وان نسبتهن في الكليات العلمية العربية لا تقل كثيراً عن الرجال، وانهن لو أعطين الفرصة فسيحققن الكثير.

وتعد «مهي» العالمة المصرية التي أصدرت الي الآن (210) بحثاً من أبرز المتخصصين في ظاهرة «الشفق القطبي» الجوية المحاطة بالغموض والأساطير.

واضافة الي اللجنة الأستشارية في «ناسا» تشغل عضوية «هيئة علوم الكمبيوتر المتقدمة» وهي مسؤولة التنسيق عن الأفادة من علوم فيزياء الفضاء في «المؤسسة القومية للعلوم» التي تعتبر من أهم مراكز اعداد القرار العلمي في الولايات المتحدة.

و «مهي» حفيدة فلاح من قرية «مطوبس» غير البعيدة عن الأسكندرية في مصر [6] .

فساحة العلم مفتوحة أمام المرأة، وميدان المعرفة متسع لمشاركتها، واهتمامها بطلب العلم وتلقي المعرفة واجب شرعي عليها أكثر مما هو حق لها، كما ينص الحديث الشريف: «طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة».

لكن ظروف التخلف والأنحطاط هي التي جعلت المرأة عندنا أسيرة الجهل محرومة من نعمة المعرفة والعلم (غالباً).

وقراءة شخصية السيدة زينب تعطي لأمتنا دفعة انطلاق لتجاوز هذا الواقع الخاطئ.

فقد اهتمت السيدة زينب بتلقي العلم والمعرفة منذ نعومة أظفارها وفي وقت مبكر من حياتها، فانها روت عن أمها فاطمة الزهراء [7] .


وقال الطبرسي: انها روت أخباراً كثيرة عن أمها الزهراء [8] .

بالطبع كان عمرها عند وفاة أمها السادسة.

وفي طليعة ما روت عن أمها الزهراء خطبتها العظيمة في الأحتجاج علي الخليفة الأول أبي بكر حول منطقة فدك التي كانت تحت يد الزهراء فصادرها الخليفة وضمها الي بيت المال.. وخطبة الزهراء هذه طويلة مفصلة تتضمن زيادة علي موضوعها الأساس حول فدك الكثير من المفاهيم والتعاليم الإسلامية، وكل أسانيد هذه الخطبة تنتهي الي السيدة زينب فهي التي حفظت خطبة أمها وانتقلت عبرها الي الأجيال.

وقد أشار ابن أبي الحديد المعتزلي الي أسانيد الخطبة المنتهية كلها الي السيدة زينب نقلاً عن أبي بكر الجوهري، والذي وصفه بقوله. عالم محدث، كثر الأدب، ثقة ورع، أثني عليه المحدثون، ورووا عنه مصنفاته [9] .

ويذكر أبو الفرج الأصفهاني لخطبة الزهراء سنداً آخر عن ابن عباس بروايته عن السيدة زينب قال: والعقيلة هي التي روي ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك، فقال: «حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي» [10] .

وكما روت عن أمها الزهراء، فقد روت أيضاً عن أبيها علي، وعن أخويها الحسنين [11] .

وروت عن مولي لجدها رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذكر ابن عساكر ان اسمه طهمان أو ذكوان [12] .

لكن الشيخ النقدي نقل عن كتاب (الورع) لأحمد بن حنبل أن اسم ذلك


المولي ميمون أو مهران، فقال: ومن ذلك ما في كتاب (الورع) لاحمد بن حنبل المطبوع بمصر حديثاً عن عطاء بن السائب قال: حدثتني أم كلثوم ابنة علي ـ هي زينب ـ قال: أتيتها بصدقة كان أمر بها.

قالت: احذر شبابنا فإن ميموناً أو مهران أخبرني أنه مر علي النبي (صلي الله عليه وآله)، فقال: يا ميمون أو يا مهران إنا أهل بيت نهينا عن الصدقة وإن موالينا من أنفسنا فلا تأكل الصدقة [13] .

وروت أيضاً عن فضليات نساء عصرها كأم أيمن مولاة النبي وحاضنته، وأم سلمة زوج رسول الله، وأم هاني بنت أبي طالب [14] ، وأسماء بنت عميس أم عبدالله بن جعفر [15] .

ولم تختزن السيدة زينب العلم لنفسها أو تحتكره لذاتها بل أفاضت من معارفها ومروياتها علي أبناء الأمة، فكانت تتحدث ليس فقط للنساء بل حدثت العديد من رجالات بيتها وسائر الأصحاب والتابعين.. فقد روي عنها جابر، وعباد العامري [16] ، وابن اخيها علي بن الحسين زين العابدين [17] ، وروي عنها حبر الأمة عبدالله بن عباس [18] ، وزوجها عبدالله بن جعفر [19] ، وروي عنها محمد بن عمرو الهاشمي، وعطاء بن السائب [20] ، وروي عنها أحمد بن محمد بن جابر، وزيد بن علي بن الحسين [21] .


وروت عنها بنت أخيها فاطمة بنت الحسين [22] ، وقد مر علينا سابقاً أنها كانت مهتمة بتعليم النساء وتثقيفهن ضمن مجالسها العلمية.

ويكفي لأدراك مقام زينب الريادي في ميدان المعرفة والعلم أن نتأمل ما رواه الصدوق محمد بن بابويه (طاب ثراه) من أنه كانت لزينب نيابة خاصة عن الإمام الحسين (عليه السلام) بعد شهادته، وكان الناس يرجعون اليها في الحلال والحرام حتي برئ زين العابدين [23] .

كما أن شهادة الإمام زين العابدين في حقها لم تكن جزافاً ولا مبالغة وهو الإمام المعصوم حيث قال لها: «أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة» [24] .


پاورقي

[1] سورة البقرة آية 31.

[2] سورة الزمر آية 9.

[3] سورة المجادلة آية 11.

[4] (ميزان الحکمة) الري شهري ج 6 ص 451 ـ 455.

[5] (نهج البلاغة) الإمام علي (قصار الحکم) رقم: 81.

[6] جريدة (الحياة) اليومية، تصدر في لندن تاريخ: (22 ـ 12 ـ 1411 هـ).

[7] (معجم رجال الحديث) الخوئي ج 23 ص 19.

[8] (أدب الطف) جواد شبر ج 1 ص 243.

[9] (شرح نهج البلاغة) ابن أبي الحديد ج 16 ص 210 ـ 211.

[10] (مقاتل الطالبيين) الأصفاني ص 91.

[11] (زينب الکبري) النقدي ص 35.

[12] (تاريخ مدينة دمشق) «تراجم النساء» ابن عساکر ص 119.

[13] (زينب الکبري) النقدي ص 38.

[14] المصدر السابق ص 35 ـ 41.

[15] (تراجم النساء) ابن عساکر ص 119.

[16] (معجم رجال الحديث) الخوئي ج 23 ص 190.

[17] (أدب الطف) جواد شبر ج 1 ص 238.

[18] (مقاتل الطالبيين) الأصفهاني ص 91.

[19] (زينب الکبري) النقدي ص 35.

[20] (تراجم النساء) ابن عساکر ص 119.

[21] (زينب الکبري) النقدي ص 37.

[22] (تراجم النساء) ابن عساکر ص 119.

[23] (زينب الکبري) النقدي ص 35.

[24] المصدر السابق ص 34.