بازگشت

تأثير زينب والسبايا في الكوفة


كان هدف السلطة الأموية من التشهير بسبايا أهل البيت ارعاب الناس حتي لا يفكر أحد في معارضة السلطة أولاً، وتعبئة الجمهور ضد الإمام الحسين وثورته ثانياً، باظهاره خارجياً متمرداً قد شق عصا المسلمين طمعاً في السلطة والحكم.

لكن وجود العارفين بفضل أهل البيت في الأمة، والحالة المأساوية للسبايا والتي كانت تثير مشاعر التعاطف معهم، والدور الرسالي الذي قامت به السيدة زينب في الإعلام الصادق للثورة الحسينية وكذلك الإمام زين العابدين وبعض نساء العائلة الحسينية كأم كلثوم وفاطمة بنت الحسين.. كل ذلك أفشل مخطط السلطة بل وجعل آثاره ونتائجه معكوسة، حيث تأججت روح الثورة والرفض في أوساط الجماهير المسلمة ضد السلطة، وتعاطف الناس مع أهل البيت (عليهم السلام).

ففي الكوفة ينقل لنا التاريخ بعض الأحداث والمشاهد الرافضة لسياسات السلطة الأموية والمتعاطفة مع أهل البيت علي إثر دخول السبايا.

وقد تحدث راوي خطاب السيدة زينب عن تأثير خطابها علي الناس ـ كما سبق ـ.

وحينما خطبت السيدة فاطمة بنت الحسين علي صغر سنها فقد أثار خطابها مشاعر الناس «فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب وقالوا: «حسبك يا ابنة الطاهرين فقد حرقت قلوبنا وأنضجت نحورنا وأضرمت أجوافنا» [1] .

وعلي أثر خطاب السيدة أم كلثوم أيضاً: «ضج الناس بالبكاء ونشرن الشعور


وخمشن الوجوه، ولطمن الخدود، ودعون بالويل والثبور، ولم ير أكثر باك ولا باكية من ذلك اليوم» [2] .

ولما سمع الناس خطاب الإمام علي بن الحسين قالوا بأجمعهم: «نحن يا ابن رسول الله سامعون مطيعون، حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنا حرب لحربك، وسلم لسلمك، نبرأ ممن ظلمك وظلمنا» [3] .

وزيد بن أرقم وهو صحابي معروف أعلن احتجاجه واعتراضه علي ابن زياد لما رأي عبثه برأس الحسين (عليه السلام) ـ كما سبق ـ.

وكان في مجلس ابن زياد رجل من بكر بن وائل يقال له جابر، آلمه ما حصل لأهل البيت وأذهلته التصرفات الطائشة لابن زياد، فانتفض معلناً معلناً معارضته، وهو يقول مخاطباً ابن زياد: «لله عليّ أن لا أصيب عشرة من المسلمين خرجوا عليك الا خرجت معهم» [4] .

من أهم مواقف الرفض والمعارضة التي برزت في الكوفة ذلك اليوم، انتفاضة عبدالله بن عفيف الأزدي الغامدي، وكان ضريراً ذهبت احدي عينيه يوم الجمل، والأخري بصفين مع الإمام أمير المؤمنين وكان لا يفارق المسجد يتعبد فيه.

وعند دخول السبايا الي الكوفة اعتلي عبيدالله بن زياد منبر مسجد الكوفة ليعلن فرحته وانتصاره بمقتل الحسين قائلاً:

«الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب» الحسين بن علي وشيعته!.


وحينما طرقت هذه الكلمات الفاجرة مسامع عبدالله بن عفيف، انفتل من عبادته وصاح بابن زياد من وسط المسجد غاضباً:

ياابن مرجانة الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك، والذي ولاك وابوه، ياابن مرجانة، أتقتلون أولاد النبيين، وتتكلمون بكلام الصديقين؟!.

وطاش لب الطاغية، فقد كانت هذه الكلمات كالصاعقة علي رأسه فصاح بأعلي صوته: من هذا المتكلم؟.

فأجابه ابن عفيف بكل شجاعة وبسالة: أنا المتكلم يا عدو الله أتقتلون الذرية الطاهرة التي أذهب الله عنهم الرجس، وتزعم أنك علي دين الإسلام؟ واغوثاه أين أولاد المهاجرين والأنصار؟ لينتقموا من طاغيتك اللعين ابن اللعين علي لسان محمد رسول رب العالمين.

فصاح ابن زياد وقد امتلأ غضباً: عليّ به.

فبادرت الجلاوزة لإلقاء القبض عليه، فنادي بشعار أسرته «يا مبرور» وكان في المجلس سبعمائة رجل من الأزد، وثبوا اليه وأنقذوه من أيدي الجلاوزة، ثم حصلت مناوشات بين جنود ابن زياد وأسرة عبدالله بن عفيف انتهت بإلقاء القبض عليه، وأمر ابن زياد بقتله وصلبه [5] .

وأشار الطبري الي مواقف مشابهة لموقف ابن عفيف، قال: وثب اليه عبدالله بن عفيف الأزدي، ثم الغامدي، ثم أحد بني والبة [6] .

وحتي عائلة ابن زياد واسرته ظهرت في اوساطهم أصوات ومواقف رافضة لقتل أهل البيت، حيث ينقل عن أم عبيدالله بن زياد وهي مرجانة أنها سخطت عليه ووبخته قائلة:


يا خبيث قتلت ابن رسول الله لا رايت وجه الله أبداً [7] .

وأخوه عثمان بن زياد أيضاً أعلن رفضه وانكاره لما حصل وخاطب أخاه عبيدالله بن زياد معنفاً.

والله لوددت أنه ليس من بني زياد الا وفي أنفه خزامة الي يوم القيامة وان الحسين لم يقتل [8] .



پاورقي

[1] المصدر السابق ص 315.

[2] المصدر السابق ص 316.

[3] المصدر السابق ص 317.

[4] (حياة الإمام الحسين) القرشي ج 3 ص 343، نقلاً عن (مرآة الزمان في تواريخ الأعيان) ص 98.

[5] (تاريخ الأمم والملوک) الطبري ج 6 ص 263. (حياة الإمام الحسين) القرشي ج 3 ص 348.

[6] (تاريخ الأمم والملوک) الطبري ج 6 ص 263.

[7] (حياة الإمام الحسين) القرشي ج 3 ص 358 نقلاً عن عدة مصادر.

[8] (تاريخ الأمم والملوک) الطبري ج 6 ص 268.