بازگشت

الاعلام للثورة


لقد واكب الإمام الحسين معركة اأبيه الإمام علي ضد التسلط الأموي الذي كان يتمثل في معاوية بن أبي سفيان... ورأي الإمام الحسين كيف بالغ معاوية واجتهد في استخدام أساليب التضليل الإعلامي والفكري ليربح المعركة علي الإمام علي.. ومع أن الإمام علي يمثل الخلافة الشرعية للمسلمين، ومع ما لشخصيته من مميزات وتاريخ عظيم لا يمكن انكاره، ومع أن معاوية كان في موقع المتمرد والمنشق علي جماعة المسلمين.. مع كل ذلك الا أنه استطاع التأثير علي قطاع واسع من ابناء الأمة ليقفوا الي جانبه ويدعموه في صراعه ضد الشرعية.. واستمراره في الولاية علي الشام رغم عزله من قبل الخليفة الشرعي، بل وتمكنه من تحشيد الجيوش لمحاربة الإمام علي في صفين، وبعد ذلك اتساع رقعة سيطرته ونفوذه في العديد من الأقطار وحسمه الموقف مع الإمام الحسن لصالح استئثاره بالسلطة وتخلي الإمام الحسن عنها عبر مسألة الصلح المعروف.

كل ذلك دليل علي نجاح وتأثير الأساليب والخطط والممارسات التي قام بها معاوية بن أبي سفيان، ومن أبرزها محاولات الخداع والتضليل الديني والإعلامي، فقد شجع طبقة من الوضاعين وصناع الأحاديث الملفقة الكاذبة في مدح معاوية وبني أمية وسلطتهم، وذم الإمام علي وأهل البيت، وبذل لهم


الأموال علي ذلك.

يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: وذكر شيخنا أبو جعفر الأسكافي (توفي: 240 هـ) (رحمه الله تعالي): أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين علي رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم علي ذلك جُعلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما ارضاه، منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير [1] .

قال: وقد صح أن بني أمية منعوا من اظهار فضائل علي (عليه السلام)، وعاقبوا علي ذلك الراوي له، حتي إن الرجل اذا روي عنه حديثاً لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر عن ذكر اسمه ـ أي اسم علي ـ فيقول: عن أبي زينب [2] .

وكتب معاوية الي عماله في جميع الأفاق: ان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم واكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته.

ففعلوا ذلك، حتي أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه اليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة الا كتب اسمه وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حيناً.

ثم كتب الي عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فاذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس الي الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب ـ يعني


الإمام علي ـ الا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب اليّ وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد اليهم من مناقب عثمان وفضله.

فقرئت كتبه علي الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجري، حتي أشادوا بذكر ذلك علي المنابر، وألقي الي معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتي رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتي علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله [3] .

والي جانب الأحاديث الملفقة الموضوعة فقد استخدم معاوية وسيلة اعلامية اخري هي توظيف القصاصين الذين يحدثون الناس بالقضايا والوقائع التي تريد السلطة الترويج لها.

قال الأستاذ أحمد أمين: وأما قصص الخاصة فهو الذي جعله معاوية، ولي رجلاً علي القصص فاذا سلم من صلاة الصبح جلس وذكر الله (عز وجل) وحمده ومجده وصلي علي النبي (صلي الله عليه وسلم)، ودعا للخليفة ولأهل ولايته وحشمه وجنوده ودعا علي أهل حربه وعلي المشركين كافة [4] .

ولابد أن هذا الدعاء كان استهلالاً يبتدئ به القاص ثم يأخذ بعده في قصصه [5] .

كما أحاط معاوية سلطته بمجموعة من الشعراء المرتزقة كالأخطل ومسكين الدارمي، يقول «بروكلمان»: وكان.. ـ معاوية ـ أبداً قادراً علي أن يفيد مما كان لشعراء عصره من تأثير عظيم في الرأي العام بسبيل مصالحه العائلية [6] .

ولمعرفة الامام الحسين بهذه السياسة الأموية في تضليل الناس وخداعهم كان


لابد له من التفكير في مستقبل ثورته المقدسة، وكيفية حمايتها وصيانتها من تأثير الاعلام الأموي الحاكم...

فالأمويون لن يكتفوا بقتل الامام الحسين، وهم يعلمون بمكانته لدي الأمة، بل سيلجأون لتشويه ثورته واسقاط شخصيته بمختلف وسائلهم وأساليبهم الماكرة كما صنعوا مع أبيه الإمام علي من قبل..

فكيف يفشل الامام الحسين مخططهم الإعلامي المضاد؟.

وكيف يجهض محاولاته في تشويه صورة الثائرين؟.

وكيف تصل أهداف ثورته ومنطلقاتها الي أسماع الجمهور المسلم؟.

وكانت اجابة الامام الحسين علي هذه التساؤلات إجابة حكيمة قوية هي استعانته باخته السيدة زينب لتقوم بذلك الدور العظيم..

فالحسين بنفسه كان يوضح للأمة أسباب ثورته وأهداف حركته، وكان يكشف للناس انحرافات الحكم الأموي وفساده، ويؤكد علي المسؤولية الملقاة علي كاهل المسلمين للتصدي لهذا الجور والظلم.. لقد تصدي الامام بنفسه للقيام بالمهمة الاعلامية يوم كان في المدينة المنورة وحين انتقل الي مكة المكرمة والتقي بجموع الحجيج، وأثناء سيره الي العراق، وفي أرض كربلاء وحتي قبيل شهادته بلحظات كان يخاطب الجيش الأموي محرضاً وموجهاً..

لكن حاجة الثورة الي الاعلام بعد شهادته ستكون أشد وأكبر، لأن الأمويين ستأخذهم نشوة الانتصار الظاهري، وسيجعلون من سحق المعسكر الحسيني مثلاً وعبرة لارهاب من يفكر في معارضتهم والوقوف أمام بغيهم وفسادهم..

فالاعلام بعد الشهادة أكثر أهمية منه قبلها..

ومن غير السيدة زينب تُسند اليه هذه المهمة الخطيرة؟.

ومن سواها يجيد القيام بهذا الدور العظيم؟.



پاورقي

[1] (شرح نهج البلاغة) ابن أبي الحديد (ج 4 ـ ص 63).

[2] المصدر السابق ص 73.

[3] المصدر السابق ج 11 ص 44 ـ 45.

[4] (فجر الإسلام) أحمد أمين ص 159.

[5] (ثورة الحسين) محمد مهدي شمس الدين ص 119.

[6] (تاريخ الشعوب الإسلامية) کارل بروکلمان ص 124.