بازگشت

عند هجوم العسكر علي الخيام


هل كان متوقعاً أن يحصل لأهل البيت ما حصل لهم في كربلاء من المآسي، وعلي أيدي أناس يدعون الإسلام، ويمثلون السلطة الرسمية لحكم المسلمين؟ ولما يمضي علي وفاة الرسول أكثر من نصف قرن من الزمن، وهو الذي طالما أوصي


الأمة بذريته وعترته، بل اعتبرها الذكر الحكيم أجراً للرسالة (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربي) [1] .

لكن عسكر بني أمية قد جاوز كل الحدود والأعراف وتقاليد الحروب في تعامله مع أهل البيت.. حيث لم يكتفوا بقتل الحسين وأصحابه، وانما هجموا بعد ذلك علي خيام النساء والأطفال والتي كانت تضم حرائر الرسالة ومخدرات النبوة.

ويسجل السيد المقرم وصفاً لهذا الهجوم اعتماداً علي مصادر عديدة أشار اليها، ننقل منه ما يلي:

لما قتل أبو عبدالله (عليه السلام) مال الناس علي ثقله ومتاعه، وانتهبوا ما في الخيام وأضرموا النار فيها، وتسابق القوم علي سلب حرائر الرسول، ففررن بنات الزهراء حواسر مسلبات باكيات، وإن المرأة لتسلب مقنعتها من رأسها، وخاتمها من اصبعها، وقرطها من أذنها، والخلخال من رجلها.

أخذ رجل قرطين لأم كلثوم وخرم أذنها، وجاء آخر الي فاطمة ابنة الحسين فانتزع خلخالها وهو يبكي.

قالت له: مالك تبكي؟!.

فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله؟.

قالت له: دعني اذاً.

قال: أخاف أن يأخذه غيري [2] .

بهذه الروح العدوانية هجموا علي الخيمة التي كان فيها الإمام زين العابدين، وجروه من علي فراش مرضه، وجرد شمر بن ذي الجوشن سيفه يريد قتله! فنهره حميد بن مسلم قائلاً:


يا سبحان الله! أتقتل الصبيان؟ إنما هو صبي مريض!.

فأجابه شمر بدناءة: إن ابن زياد أمر بقتل أولاد الحسين. وكاد السيف أن يقع علي رقبة الإمام وينهي حياته، لو لا تدخل العقيلة زينب حيث تعلقت به لتحميه وتدفع عنه القتل صارخة بالظالمين القساة: «لا يقتل حتي أقتل دونه» [3] .

ولما رأوا السيف لا يصل الي زين العابدين الا عبر جسد السيدة زينب، اضطروا للتراجع عن قتله وكفوا عنه.

انقاذ الإمام من بطش ابن زياد:

أدار عبيدالله بن زياد بصره يتصفح وجوه السبايا وبقية أهل البيت حينما أوقفوا أمامه في قصره بالكوفة.

فرأي الإمام زين العابدين وقد أنهكته العلة فسأله: من أنت؟.

قال: أنا علي بن الحسين.

فقال ابن زياد: أولم يقتل الله علي بن الحسين؟.

أجابه الإمام بهدوء وأناة: كان لي أخ أكبر مني يسمي علياً قتله الناس فرد ابن زياد غاضباً: الله قتله.

أجابه الإمام بشجاعة وثبات: (الله يتوفي الأنفس حين موتها) [4] (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) [5] .

ولم يتحمل ابن زياد أن يرد عليه الإمام رداً قرآنياً منطقياً. يفحمه ويكشف جهله فصاح منفعلاً: وبك جرأة علي رد جوابي؟! وفيك بقية للرد عليّ؟!.

ونادي بأحد جلاديه: خذ هذا الغلام واضرب عنقه.


فتسابق الجلاوزة لأخذ الإمام للقتل، وأصبحت حياة الإمام في خطر حقيقي، وهنا تدخلت السيدة زينب لتمارس دورها في حماية الإمام وانقاذ حياته، حيث أخذت الإمام واعتنقته لتمنع الجلاوزة من أخذه، ثم التفتت الي ابن زياد قائلة: حسبك يابن زياد من دمائنا ما سفكت، وهل أبقيت أحداً غير هذا؟ فإن أردت قتله فاقتلني معه.

وأحبطت محاولة ابن زياد حيث اضطر للتراجع عن قرار قتل الإمام، وقال متعجباً: دعوه لها، يا للرحم ودت انها تقتل معه [6] .



پاورقي

[1] سورة الشوري، الآية (23).

[2] (مقتل الحسين) المقرم ص 300.

[3] (حياة الإمام الحسين) القرشي ج 3، ص 302، و (مقتل الحسين) المقرم ص 301.

[4] سورة الزمر، الآية (42).

[5] سورة آل عمران، الآية (145).

[6] (الکامل في التاريخ) ابن الأثير ج 4، ص 82. و (مقتل الحسين) المقرم ص 325.