بازگشت

امام الفاجعة الكبري


لا يمكن أن تمر علي انسان لحظة أقسي وأصعب من تلك اللحظات الأليمة التي مرت علي السيدة زينب حينما وقع أخوها الحسين شهيداً، ووقفت علي مصرعه..

إنها تعرف قيمة الحسين ومكانته عند الله (سبحانه) وعند جده رسول الله (صلي الله عليه وآله) وفي البيت العلوي.. وهي تدرك عظمة الحسين من خلال صفاته الفريدة ومميزاته الخاصة.. وهي تعي موقعية الحسين كامتداد للنبوة ومجسد للامامة وحجة لله علي الخلق..

وتعلم السيدة زينب أن قتل الحسين يمثل انتهاك أعظم حرمة، وارتكاب أكبر جريمة، وإن ذلك يعني الوصول الي قمة الارتداد عن الدين والتنكر للرسالة..

ثم ان قتل الحسين يعني اغتيال أعز شيء علي قلبها وأقرب شيء الي نفسها في هذه الحياة.. والحسين هو الولي لها المحامي لخدرها، وبقتله تصبح تحت رحمة الأعداء الظلمة الجفاة.. فمن سيحمي خدرها، ويصون عزها ويدافع عمّن معها من نساء وأطفال؟.

والحسين لم يقتل بالشّكل المتداول في معارك القاتل، بل أمعن القوم في تمزيق جسمه بمختلف أدوات الحرب.. جسمه بمختلف أدوات الحرب..

فقد أصاب سهم فمه الطاهر فتفجر دمه الشريف.. وأصاب سهم جبهته الشريفة المشرقة بنور الإمامة.. ورماه رجس بسهم محدد له ثلاث شعب فاستقر في قلبه الشريف وأخرج الإمام السهم من قفاه فانبعث دمه كالميزاب فأخذ الإمام من دمه الطاهر ولطخ به وجهه ولحيته، وهو يقول: «هكذا أكون حتي ألقي الله وجدي رسول الله وأنا مخضب بدمي».

وهجمت علي ريحانة رسول الله تلك العصابة المجرمة من كل جانب وهم يوسعونه ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح، فضربه أحدهم بالسيف علي كفه اليسري، وضربة آخر علي عاتقه، وكان من أحقد أعدائه عليه الخبيث سنان بن


أنس، فقد أخذ يضربه تارة بالسيف وأخري طعنة بالرمح!!.

يقول بعض المؤرخين: انه لم يضرب أحد في الإسلام كما ضرب الحسين فقد وجد فيه مائة وعشرون جراحة ما بين ضربة سيف وطعنة رمح، ورمية سهم [1] .

أما كيف ومتي علمت السيدة زينب بمقتل أخيها الحسين؟ فإن المصادر التاريخية تشير الي أن فرس الحسين بعد أن وقع الحسين من علي ظهره الي الأرض، ومزقته سيوف القوم ورماحهم صبغ ناصيته بدم الإمام الشهيد وركض مسرعاً نحو خيمة الحسين، كأنه يريد اعلام النساء بمقتل الإمام.. وبالفعل كان رجوع فرس الإمام من دون الإمام نذير سوء لمن في الخيام بأنهم قد فقدوا عزهم وزعيمهم..

وهنا خرجت العقيلة زينب مهرولة نحو مصرع أخيها الحسين.. فمن يا تري يستطيع وصف تلك اللحظات القاسية والموقف الصعب؟.

لقد وجدت العقيلة نفسها أمام لحظة تاريخية حساسة خطيرة، وأمام موقف عظيم، لابد وأن تسجل شهادتها عليه للتاريخ..

فصاحت هاتفة من أعماق قلبها:

«وامحمداه! وأبتاه! واعلياه! واجعفراه! واحمزتاه!.

هذا حسين بالعراء صريع بكربلاء!.

ليت السماء أطبقت علي الأرض! وليت الجبال تدكدكت علي السهل!!».

وانتهت نحو الحسين وقد دنا منه عمر بن سعد قائد الجيش الأموي في جماعة من أصحابه، والحسين يجود بنفسه!.

فصاحت السيدة زينب: اي عمر أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر اليه؟.

فصرف وجهه عنها، ودموعه تسيل علي لحيته!!.


والتفتت السيدة زينب الي حشود الجيش الأموي صارخة بهم: ويحكم أما فيكم مسلم؟.. فلم يجبها أحد [2] .

إن هول المصيبة وعظم الفاجعة وقسوة الحدث، لم يشغل كل ذلك العقيلة زينب عن أداء دورها الرسالي الخطير في اعلان الظلامة، وتأجيج العواطف، والهاب المشاعر حتي في نفوس الأعداء الظالمين..


پاورقي

[1] المصدر السابقص 284 ـ 289.

[2] (مقتل الحسين) السيد عبد الرزاق المقرم ص 284.