بازگشت

الدور المنتظر


قضية كربلاء بأحداثها المروعة لم تكن مفاجئة للسيدة زينب، ودورها في تلك الواقعة لم يكن عفوياً ولا من وحي الصدفة. فقد كانت مهيأة نفسياً وذهنياً لتلك الواقعة، وكانت تعلم منذ طفولتها الباكرة بأن تلك الحادثة ستقع وأنها ستلعب فيها دوراً رئيسياً بارزاً.

صحيح أن أحداث كربلاء قبل وقوعها كانت في رحم الغيب ولا يعلم الغيب الا الله، ولكن من الصحيح أيضاً أن الله (تعالي) قد كشف لنبيه الأعظم أستار الغيب، وأظهره عليه، يقول تعالي: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحداً إلا من ارتضي من رسول) [1] .

وثابت عند المسلمين أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد أخبر أصحابه بالعديد من المغيبات، وأنبأهم بأنها ستقع، وأدركوا وقوعها بالفعل، وذلك مما لا نقاش في ثبوته بين المسلمين.

ومن المغيبات التي تحدث عنها رسول الله (صلي الله عليه وآله) واقعة كربلاء كما أشارت الي ذلك العديد من المصادر الموثوقة عند المسلمين من كتب الحديث.


وأهل البيت المعنيون بتلك الواقعة كانوا في طليعة من أحاطهم الرسول بها علماً كما تؤكد ذلك مختلف المصادر الحديثية والتاريخية.

فطبيعي إذاً أن تكون السيدة زينب في أجواء تلك النبوءة، وعلي معرفة بالخطوط العامة للحادثة، بل وببعض تفاصيلها وجزئياتها.

وقد صرحت العقيلة زينب بمعرفتها المسبقة بواقعة كربلاء في الحديث الذي نقله الشيخ الأقدم أبو القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسي بن قولوية القمي (المتوفي سنة: 367 هـ أو 368 هـ) في كتابه (كامل الزيارة) وهو كتاب اعتمد كبار العلماء علي رواياته وأسانيده.

والحديث مروي بسند متصل الي الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) قال:

«إنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا، وقتل أبي (عليه السلام)، وقتل من كان معه من ولده واخوته وساير أهله، وحملت حرمه ونساؤه علي الأقتاب يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر اليهم صرعي، ولم يواروا، فيعظم ذلك في صدري، ويشتد لما اري منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبري، فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي واخوتي؟.

فقلت: وكيف لا أجزع ولا أهلع، وقد اري سيدي وأخوتي وعمومتي، وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم مرملين بالعراء، مسلبين لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، وكأنهم أهل بيت من الديلم والخزر؟.

فقالت: لا يجزعنك ما تري: فوالله ان ذلك لعهد من رسول الله (صلي الله عليه وآله) الي جدك وابيك وعمك.. ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معرفون في أهل السماوات، إنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة، وينصبون لهذا الطف


علماً لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يصفو رسمه، علي كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر، أشياع الضلالة، في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره الا ظهوراً، وأمره الا علواً.

فقلت: وما هذا العهد وما هذا الخبر؟.

فقالت: حدثتني أم أيمن ـ مولاة رسول الله ـ أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) زار منزل فاطمة في يوم من الأيام. وتستمر السيدة زينب في حديثها الطويل لابن أخيها زين العابدين نقلاً عن أم أيمن وهي تعدد ما يجري علي أهل البيت من حوادث بعد رسول الله (ص) حسب ما أخبر به رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومن بين تلك الحوادث واقعة كربلاء.

ثم تعقب السيدة زينب علي ما نقلته عن أم أيمن بقولها:

«فلما ضرب ابن ملجم (لعنه الله) أبي (عليه السلام) ورأيت أثر الموت منه.

قلت: يا أبة حدثتني أم أيمن بكذا وكذا، وقد أحببت أن أسمعه منك.

فقال: يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن وكأني بك وببنات أهلك سبايا بهذا البلد ـ أي الكوفة ـ اذلاء خاشعين» [2] .



پاورقي

[1] سورة الجن، الآيات (26 ـ 27).

[2] (بحار الأنوار) المجلسي ج 28، ص 55 ـ 60.