بازگشت

في كربلاء


ووصلت الي قائد الفرقة الأموية رسالة من عبيدالله بن زياد، تأمره بإبقاء الحسين في فيافي الصحراء، وعدم اجباره علي الدخول الي الكوفة، خلافاً لقراره السابق، ولعله فكر في أن دخول الحسين الي الكوفة قد يؤدي الي تطورات غير محسوبة، فمواجهته في الصحراء وبعيداً عن الجمهور أفضل.

وعلي إثر الأمر الجديد أرادت الفرقة العسكرية أن تعرقل سير الإمام وتمنعه بينما كان الإمام يريد مواصلة السير، ومع المشادة وتوتر الأجواء وصلوا الي منطقة علي شاطئ الفرات، وسأل الإمام عن اسم تلك المنطقة، فأجيب انها كربلاء، فأمر بالنزول فيها، فهي الأرض التي اختارها الله لتكون مسرح ثورته، وميدان


شهادته، وموضع قبره.

وإذا كانت كربلاء في الجغرافيا مجرد بقعة محدودة من الأرض.

وإذا كانت في التاريخ قد سجلت باعتبارها مسرحاً لأهم حدث ديني سياسي في الأمة الإسلامية بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله).

وإذا كانت قد أصبحت قبلة للمؤمنين يؤمونها ويقصدونها بقلوبهم وعواطفهم وأبدانهم.

وإذا كانت كربلاء قد أضحت وتراً حزيناً تعزف عليه قرائح الشعراء والأدباء وملحمة بطولية يستلهم منها الثوار والمصلحون.

فانها عند أهل البيت (عليهم السلام) أعمق من كل ذلك وأكبر.

فليست هناك قضية أو حادثة نالت من الأهتمام والتركيز لدي أهل البيت ما نالته قضية كربلاء.

فقبل وقوع الحادثة كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يتحدث عنها ويشرح بعض تفاصيلها ويبين أهميتها وابعادها.. وكذلك الإمام علي والسيدة الزهراء والإمام الحسن.. وبعد الحادثة كان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يجددون ذكراها ويحيون وقائعها ويأمرون الناس بتخليدها وتعظيمها.

روي أن النبي (صلي الله عليه وآله) أعطي أم سلمة تراباً من تربة الحسين حمله اليه جبرئيل، فقال النبي (صلي الله عليه وآله) لأم سلمة:

اذا صار هذا التراب دماً فقد قتل الحسين.

فحفظت أم سلمة ذلك التراب في قارورة عندها، فلما قتل الحسين صار التراب دماً، فأعلمت الناس بقتله أيضاً [1] .

وأخرج ابن سعد عن أم سلمة أيضاً قالت: قال رسول الله (صلي الله عليه


وآله): «أخبرني جبريل أن الحسين يقتل بأرض العراق، فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل فيها، فجاء فهذه تربتها» [2] .

وأخرج ابن سعد أيضاً والطبراني في (الكبير) عن عائشة عنه (صلي الله عليه وآله) انه قال: «أخبرني جبريل ان ابني الحسين يقتل بعدي بارض الطف، وجاءني بهذه التربة وأخبرني ان فيها مضجعه» [3] .

وأخرج البغوي، وابن السكن، والباوردي، وابن مندة، وابن عساكر، والطبراني في (الكبير) باسناد رجاله ثقات عن أم سلمة:

«ان ابني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بارض من أرض العراق يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره» [4] .

وأخرج أحمد، وابو يعلي، والبزاز، والطبراني في الكبير (الكيبر) باسناد رجاله ثقات، عن نجي الحضرمي انه سار مع علي، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذي نينوي، وهو منطلق الي صفين، فنادي عليّ: أصبر أبا عبدالله، اصبر عبدالله بشط الفرات.

قلت: وما ذاك؟.

قال: دخلت علي النبي (صلي الله عليه وآله) ذات يوم واذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي الله أأغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟.

قال: بل قام من عندي جبريل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فهل لك أن أشممك من تربته؟ قلت: نعم! فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني ان فاضتا [5] .


وفي (تذكرة الخواص) (ص 260) أنه لما قيل للحسين هذه أرض كربلاء أخذ ترابها فشمه: وقال: والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول الله أنني أقتل فيها.

وجاء في (حياة الحيوان) للدميري (ج 1 ص 60) ان الحسين سأل عن اسم المكان: فقيل له: كربلاء.

فقال: ذات كرب وبلاء، لقد مر أبي بهذا المكان عند مسيره الي صفين وأنا معه، فوقف وسأل عنه فأخبروه بإسمه، فقال: هاهنا محط رحالهم، وهاهنا مهراق دمائهم!.. فسئل عن ذلك؟ فقال: نفر من آل محمد ينزلون هاهنا.. ثم أمر بأثقاله فحطّت في ذلك المكان.

وكذلك جاء في (مختصر صفة الصفوة) [6] .

وكان وصول الإمام الحسين الي كربلاء في اليوم الثاني من شهر المحرم (سنة 61 هـ).


پاورقي

[1] (الکامل في التاريخ) ابن الأثير ج 4، ص 93.

[2] (درّ السحابة في مناقب القرابة والصحابة) محمد بن علي الشوکاني ص 294.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] المصدر السابق ص 297.

[6] (حياة الإمام الحسين) القرشي ج 3، ص 91.