بازگشت

امتيازات الخلافة والحكم


الوصول الي سدّه الخلافة والحكم يعني الحصول علي الأمتيازات والمكاسب المادية والسياسية والإجتماعية، فالحكم تتمركز بيده القوة وتكون تحت تصرفه الثروة والامكانات فيعيش في أعلي درجة من الراحة والرفاه، وتنعم عائلته واقرباؤه واعوانه بصنوف النعم والأمتيازات من مناصب واقطاعات وعطاءات وهبات.

هذا ما ينقله التاريخ لنا من تلاعب الحكام الأمويين والعباسيين وغيرهم في الماضي بثروات الأمة، وبناء القصور بها والأستيلاء علي الأراضي واكتناز الثروات، وبسط الموائد الفاخرة.

فقد كان شباب بني مروان ايام حكمهم يرفلون في الوشيئ كأنهم الدنانير الهرقلية، وكان مروان بن ابان بن عثمان يلبس سبعة اقمص كأنها درج بعضها أقصر من بعض، وفوقها رداء عدني بألفي درهم، أما نساؤهم فقد كنّ يلبسن الديباج والحرير [1] .


ولما تزوج مصعب بن الزبير بعائشة بنت طلحة أمهرها بألف ألف درهم واهدي لها ثماني حبّات من اللؤلؤ قيمتها عشرون ألف دينار، وكانت تحج ومعها ستون بغلة عليها الهوادج والرحائل [2] .

وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: الأرض لله وأنا خليفة الله فما آخذ من مال الله فهو لي وما تركته كان جائزاً لي [3] .

وكتب معاوية الي زياد بن أبيه عامله علي العراق أن يصطفي له الصفراء والبيضاء، فأوعز زياد الي عماله بذلك، وأمرهم أن لا يقسموا بين المسلمين ذهباً ولا فضة [4] .

وكذلك كان الحال لدي حكام بني العباس، فقد ورد أن هارون الرشيد كان ينفق كل يوم علي موائد طعامه عشرة آلاف درهماً، وربما اتخذ له الطباخون ثلاثين لوناً من الطعام [5] .

وقد شغف هارون الرشيد بالجواهر والأحجار الثمينة فاشتري خاتماً بمائة ألف دينار، وكان عنده قضيب زمرد أطوال من ذراع، وعلي رأسه تمثال طائر من ياقوت أحمر لا تقدير لثمنه، نظراً لنفاسته وقد قُيّم الطائر وحده بمائة ألف دينار [6] .

ويتحدث التاريخ عن ترف واسراف زوجته زبيدة، فقد اشترت غلاماً ضرّاباً علي العود مجيداً بثلاثمائة ألف درهم، واتخذت الخفاف ـ الأحذية ـ المرصعة بالجوهر تلبسها في قصرها، واتخذت سبحة من يواقيت رمانية كالبنادق اشترتها بخمسين ألف دينار. وصنعت لها بساطاً من الديباج جمع صورة كل حيوان من جميع الأجناس، وصورة كل طائر من الذهب وأعينها من يواقيت وجواهر يقال أنها أنفقت عليها نحواً من ألف ألف دينار، واتخذت آله من الذهب المرصع


بالجوهر، والثوب من الوشي الرفيع يزيد ثمنه علي خمسين ألف دينار [7] .

ولم تقتصر مظاهر البذخ وحياة الترف علي الخلفاء والحاكمين وعوائلهم بل شملت وزراءهم وأعوانهم، فقد كانت لأم جعفر الوزير البرمكي للعباسيين مائة وصيفة لباس كل واحدة وحليها خلاف لباس الأخري وحليها [8] .

هكذا يعيش الخلفاء ونساؤهم وعوائلهم فكيف كان يعيش علي بن أبي طالب مع نسائه وعائلته أيام خلافته؟ وماذا نالت ابنته زينب من امتيازات الخلافة والحكم؟ وهي كبري بنات الخليفة، وحبيبة قلبه، وسيدة بيته؟.

لنستعرض بعض ما ينقله لنا التاريخ عن حياة علي أثناء خلافته لنري الظروف والأوضاع التي عايشتها السيدة زينب في ظل خلافة أبيها في الجانب الحياتي المادي.

كان علي يوزع ما في بيت المال اسبوعياً كل جمعة، ثم يكنس بيت المال وينضحه بالماء، ثم يصلي فيه ركعتين ويقول: «أشهد لي يوم القيامة أني لم أحبس فيك المال علي المسلمين» [9] .

وعن الشعبي قال: دخلت الرّحبة وأناغلام في غلمان فاذا أنا بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علي صرتين من ذهب وفضة، فقسمه بين الناس حتي لم يبق منه شيء ورجع ولم يحمل الي بيته منه شيئاً، فرجعت الي أبي فقلت: لقد رأيت خير الناس أو أحمق الناس.

قال: ومن هو يا بني؟

قلت: رأيت أمير المؤمنين علياً فقصصت عليه الذي رأيته يصنع فبكي وقال:


يا بني بل رأيت اليوم خير الناس [10] .

وعن أبي رجاء يزيد بن محجن أن علياً أخرج سيفاً له الي السوق فقال: من يشتري مني سيفي هذا؟ فوالذي نفسي بيده لو أن معي ثمن إزار لما بعته!.

قال أبو رجاء: فقلت: يا أمير المؤمنين أنا أبيعك ازاراً وأنسئك ثمنه الي عطائك.

فبعته ازاراً الي عطائه، فلما قبض عطاءه أعطاني حقي [11] .

وعن سويد بن غفلة قال: دخلت علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فاذا بين يديه قعب لبن أجد ريحه من شدة حموضته، وفي يده رغيف تري قشار الشعير علي وجهه، وهو يكسره ويستعين أحياناً بركبته، وإذا جاريته فضة قائمة علي رأسه، فقلت لها:

يا فضة أما تتقون الله في هذا الشيخ؟ لو نخلتم دقيقه.

فقالت: إنا نكره أن يؤجر ونأثم، وقد أخذ علينا أن لا ننخل له دقيقاً ما صحبناه.

فقال علي: ما يقول؟

قالت: سله.

فقلت له: ما قلت لها: لو ينخلون دقيقك.

فبكي ثم قال: بإبي واُمي من لم يشبع ثلاثاً متوالية من خبز برّ حتي فارق الدنيا، ولم ينخل دقيقه ـ يعني رسول الله (صلي الله عليه وآله) ـ [12] .


وعن الإمام جعفر بن محمد قال: اُتي علي بخبيص فأبي أن يأكله.

قالوا: تحرّمه؟.

قال: لا ولكني أخشي أن تتوق اليه نفسي.

ثم تلا: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) [13] [14] .

هكذا كانت السيدة زينب تري حياة أبيها الخليفة، وكانت سياسة أبيها تنعكس بالطبع علي حياتها فقد روي أن زوجها عبدالله بن جعفر أصابته حاجة وهو ثري لكنه ينفق أمواله كرماً وجوداً.

فجاء الي عمه أمير المؤمنين علي ليطلب منه معونة من بيت المال، وعبدالله عزيز علي قلب عمه، وهو زوج ابنته العزيزة الأثيرة زينب، فبماذا أجابه علي؟..

لنقرأ نص الرواية:

قال عبدالله بن جعفر بن أبي طالب لعلي: يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة فوالله ما عندي الا أن أبيع بعض علوفتي.

وفي رواية: الا أن أبيع دابتي.

قال له علي: لا والله ما أجد لك شيئاً الا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك!! [15] .

فعلي لا يجد لابن أخيه العزيز وزوج ابنته العزيزة عطاءً أكثر من حصته المقرّرة كسائر المسلمين، ويعتبر أي عطاء اضافي نوعاً من السرقة من بيت المال!!.


وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): إن علياً ولي الخلافة خمس سنين وما وضع آجرة ولا لبنة علي لبن ولا أقطع قطيعاً ولا أورث بيضاء ولا حمراء [16] .

وقصة أخري ينقلها التاريخ تحكي عن وضع بنات الإمام علي وعائلته اثناء خلافته، وكيف انهم لم يستفيدوا أي شيء مادي من امتيازات الخلافة والسلطة:

عن علي بن أبي رافع قال: كنت علي بيت مال علي بن أبي طالب وكاتبه، وكان في بيت المال عقد لؤلؤ.

قال: فأرسلت اليّ بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقالت لي: بلغني أن في بيت مال أمير المؤمنين عقد لؤلؤ وهو في يدك، وأنا أحب أن تعيرنيه أتجمل به في أيام عيد الأضحي. فأرسلت اليها، وقلت: عارية مضمونة يا ابنة أمير المؤمنين..

فقالت: نعم عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام..

فدفعته اليها.. وإن أمير المؤمنين رآه عليها فعرفه، فقال لها: من أين صار اليك هذا العقد؟..

فقالت: استعرته من ابن أبي رافع خازن بيت مال أمير المؤمنين لأتزين به في العيد ثم أردّه..

قال: فبعث اليّ أمير المؤمنين فجئته، فقال: أتخون المسلمين يابن أبي رافع؟.

فقلت: معاذ الله أن أخون المسلمين.

فقال: كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير اذني ورضائي؟.

فقلت: يا أمير المؤمنين إنها ابنتك، وسألتني أن أعيرها إياه تتزين به، فأعرتها


إياه عارية مضمونة مردودة، وضمنته في مالي، وعليّ أن أردّه مسلّماً الي موضعه.

فقال: ردّه من يومك وإياك أن تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي، ثم اولي لإبنتي لو كانت أخذت العقد علي غير عارية مضمونة مردودة لكانت أذن أول هاشمية قطعت يدها في سرقة.

قال: فبلغ مقالته ابنته، فقالت له: يا أمير المؤمنين أنا ابنتك وبضعة منك فمن أحق بلبسه مني؟.

فقال لها أمير المؤمنين: يا بنت علي بن أبي طالب لا تذهبي بنفسك عن الحق، أكل النساء المهاجرين تتزين في هذا العيد بمثل هذا؟.

قال ابن أبي رافع: فقبضته منها ورددته الي موضعه [17] .

من كانت تلك البنت؟ هل هي زينب؟ أم احدي أخواتها؟ لعلها لم تكن زينب لأن تقواها ومعرفتها بسياسة أبيها تمنعها من ذلك.

والمهم أن نعرف أن زينب لم تنل من امتيازات الخلافة والحكم شيئاً، حتي بمقدار سدّ عوز وحاجة بيتها، أو في حدود استعارة شيء من بيت المال كعارية مضمونة مردودة.



پاورقي

[1] (حياة الإمام الباقر) باقر شريف القرشي ج 2، ص 151.

[2] المصدر السابق ص 152.

[3] (حياة الإمام موسي بن جعفر) باقر شريف القرشي ج 1، ص 301.

[4] المصدر السابق ص 301.

[5] المصدر السابق ج 2، ص 39.

[6] المصدر السابق ص 46.

[7] المصدر السابق ص 48.

[8] المصدر السابق ص 50.

[9] (الغارات) أبو اسحاق الثقفي (المتوفي: 283 هـ) ج 1، ص 49.

[10] المصدر السابق ص 54.

[11] المصدر السابق ص 63.

[12] المصدر السابق ص 87.

[13] المصدر السابق ص 90.

[14] سورة الأحقاف، الآية (20).

[15] (الغارات) أبو اسحاق الثقفي ج 1، ص 66.

[16] (علي من المهد الي اللحد) القزويني ص 140.

[17] (بحار الأنوار) المجلسي ج 40 ص 338.