بازگشت

الحفاظ علي مهابة زينب وصونها


حدّث يحيي المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين (عليه السلام) في المدينة مدة مديدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً، وكانت اذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله (صلي الله عليه وآله) تخرج ليلاً، والحسن عن يمينها، والحسين عن شمالها، وأمير المؤمنين أمامها، فاذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخمد ضوء القناديل.

فسأله الحسن مرة عن ذلك؟.

فقال: أخشي أن ينظر أحد الي شخص أختك زينب [1] .

سيدة بيت أبيها تزوج الإمام علي (عليه السلام) بعد فقد الزهراء (عليها السلام) أكثر من زوجه، لكن أياً من زوجاته لم تكن لتأخذ مكان السيدة زينب وموقعها في بيت أبيها فهي سيّدة البيت بما تمثله من امتداد لأمها الزهراء وبما تمتلكه من صفات ومؤهلات، وبما تتمتع به من محبة واحترام متبادل مع أبيها وأخويها الحسنين.


وحتي بعد زواجها بابن عمها عبدالله بن جعفر فإنها لم تنقطع عن بيت أبيها، ولم تشغلها التزاماتها الزوجية والعائلية عن أداء دورها المميز في بيت علي.

يقول السيد بحر العلوم: ورغم أن زينب عاشت في بيت الزوجية، لكن الزواج لم يشغلها عن تحمل مسؤليات بيت أبيها علي، فهي بنت الزهراء، وحفيدة خديجة، وتحمّل المسؤلية من خصال ربّات هذا البيت. وزينب عقيلة بني هاشم، وسيدة البيت العلوي، وزعميت القوم، رغم أنها تزوجت، وانتقلت الي بيت ابن جعفر الا أنها لم تتخل عن المسؤولية، لتدير بيت أبيها، وتهتم بشؤون أخويها، وتصبح المسؤولة عنهم أولاً وآخراً [2] .

وتقول بنت الشاطيء: ولم يفرق الزواج بين زينب وأبيها واخوتها، فقد بلغ من تعلق الإمام علي بابنته وابن أخيه أن أبقاها معه، حتي إذا ولي أمر المسلمين وانتقل الي الكوفة، انتقلا معه، فعاشا في مقر الخلافة، موضع رعاية أمير المؤمنين واعزازه، ووقف عبدالله بجانب عمه في نضاله الحربي، فكان أميراً بين أمراء جيشه في صفين.

وعرف الناس مكانة عبدالله من بيت النبوة، فكانوا يلتمسون لديه الوسيلة الي أمير المؤمنين، والي ولديه الحسن والحسين، فلا يردّ له طلب ولا يخيب رجاء.

جاء في (الأصابة) (ج 4 ص 48) نقلاً عن محمد بن سيرين: أن دهقاناً من أهل السواد كلّم ابن جعفر في أن يكلم علياً في حاجة، فكلّمه، فقضاها، فبعث اليه الدهقان أربعين ألفاً فردّها قائلاً: إنا لا نبيع معروفاً [3] .


في موكب أبيها الي الكوفة:

بعد أن اختارته جماهير الأمة حاكماً وخليفة، وبايعه الناس برغبتهم واختيارهم، وبشكل لا شبيه له في تاريخ المسلمين، وذلك في شهر ذي الحجة سنة (35 هـ) في أعقاب مقتل الخليفة عثمان بن عفان.

قرر الإمام علي الأنتقال الي الكوفة لمواجهة التطورات السياسية حيث نكث بعض مبايعيه بيعته كطلحة والزبير واستقطبوا معهم السيدة عائشة زوج رسول الله (صلي الله عليه وآله) واتخذوا البصرة بؤرة لتمردهم عليه، كما كان معاوية يعبّيء أهل الشام ضدّ خلافة الإمام.

وكان الإمام مدركاً لما ينتظره من أوضاع خطيرة في عاصمة خلافته الجديدة «الكوفة» ولكنه قرّر أن يصطحب معه ابنته زينب، فهو يريدها الي جانبه في الظروف الحساسة والحرجة، وهي تصعب عليها مفارفة أبيها والابتعاد عنه.

وهكذا ودعت السيدة زينب مسقط رأسها ومرتع طفولتها ومثوي جدّها وأمها المدينة المنورة ورافقت اباها في رحلته الي الكوفة بمعية زوجها عبدالله بن جعفر.

ويصف الشيخ النقدي ظروف سفر السيدة زينب في موكب أبيها بقوله: سافرت زينب هذه السفرة وهي في غاية العز، ونهاية الجلالة والأحتشام يسير بها موكب فخم رهيب من مواكب المعالي والمجد، محفوف بأبّهة الخلافة، محاط بهيبة النبوة، مشتمل علي السكينة والوقار، فيه أبوها الكرار أمير المؤمنين، واخوتها الحسنان سيدا شباب أهل الجنة، وحامل الراية العظمي محمد بن الحنفية، وقمر بني هاشم العباس بن علي، وزوجها الجواد عبدالله بن جعفر، وأبناء عمومتها عبدالله بن عباس، وعبيد الله وأخوتهما، وبقيّة أبناء جعفر الطيار، وعقيل بن أبي طالب، وغيرهم من فتيان بني هاشم، وأتباعهم من رؤساء القبائل، وسادات العرب مدجّجين بالسلاح، غاصّين في الحديد، والرايات ترفرف علي رؤوسهم،


وتخفق علي هاماتهم، وهي في غبطة وفرح وسرور [4] .


پاورقي

[1] (زينب الکبري) جعفر النقدي ص 22.

[2] (في رحاب السيدة زينب) بحر العلوم ص 37.

[3] (السيدة زينب) عائشة عبد الرحمن بنت الشاطيء ص 50.

[4] (زينب الکبري) جعفر النقدي ص 92.