بازگشت

شخصية عبدالله بن جعفر


هو أكبر أولاد أبيه، وقد ولد في الحبشة عندما هاجر اليها والداه، وهو أول مولود ولد في الاسلام بأرض الحبشة، وبعد شهادة أبيه في مؤتة أخذه رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حجره قائلاً:

«أما عبدالله فشبيه خلقي وخُلقي، اللهم اخلف جعفراً في أهله، وبارك لعبدالله في صفقة يمينه».

وخاطب رسول الله (صلي الله عليه وآله) أسماء زوجة جعفر والتي كانت متأثرة ليتم ابنائها قائلاً: «لا تخافي عليهم أنا وليهم في الدينا والآخرة» [1] .

وطبيعي أن يرعاه عمه علي بعد شهادة أبيه.

وصحب عبدالله بن جعفر النبي، وحفظ الحديث عنه، ولازم عمه أمير المؤمنين، وابني عمّه الحسن والحسين، وأخذ العلم عنهم.

قال عبدالعزيز سيد الأهل: راي النبي وكانت له به صحبة وكرمه رسول الله


فأردفه يوماً في ركوبه ثم شرّفه فاسرّ اليه حديثاً حين أركبه فاردفه [2] .

وكان أغني بني هاشم وايسرهم، وكانت له ضياع كثيرة، ومتاجر واسعة وكان أسخي رجل في الإسلام، وله حكايات في الجود كثيرة وعجيبة [3] .

وجاء في كتاب (الاستيعاب): أن عبدالله بن جعفر كان كريماً جواداً ظريفاً خليقاً عفيفاً سخياً، يسمي بحر الجود.

وذكر ابن عساكر قال: روي الحافظ: أن معاوية كان يقول: بنو هاشم رجلان رسول الله لكل خير ذكر، وعبدالله بن جعفر لكل شرف، والله لكأن المجد نازل منزلاً لا يبلغه أحد وعبدالله بن جعفر نازل وسطه [4] .

ومن جود ابن جعفر وكرمه، ما ذكره ابن عساكر في (تاريخه) قال: جاء شاعر الي عبدالله بن جعفر فأنشده:



رأيت أبا جعفر في المنام

كساني من الخزّ دراعة



نقلت الي صاحبي أمرها

فقال ستئوتي بها الساعة



سيكسوكها الماجد الجعفري

ومن كفه الدهر نفاعة



ومن قال للجود لا تعدني

فقال: لك السمع والطاعة



فقال عبدالله لغلامه: ادفع اليه جبتي الخزّ.

ثم قال له: ويحك كيف لم تر جبّتي الوشي التي اشتريتها بثلاثمائة دينار منسوجة بالذهب.


فقال: اغفي غفية اخري فلعلي أراها في المنام.

فضحك منه عبدالله وقال لغلامه: ادفع اليه جبتي الوشي أيضاً [5] .

وقال ابن حيان: كان يقال لعبدالله بن جعفر قطب السخاء، وكان له عند موت النبي عشر سنين [6] .

وقال ابن حجر في (الأصابة): أخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي بسند حسن إلي محمد بن سيرين: ان دهقاناً من أهل السواد كلم ابن جعفر في أن يكلم علياً في حاجة، فكلمه فيها، فقضاها فبعث اليه الدهقان أربعين ألفاً، فردها وقال: إنا لا نبيع معروفاً [7] .

ومضي اليه رجل يدعي أنه ابن سبيل، قد راهن الناس علي ان عبدالله أجود الناس، فقالوا: أرنا.

فجاء اليه وعبدالله علي راحلته يريد ضيعة له، فقال الرجل:

يا ابن عم رسول الله.

قال: قل ما تشاء.

قال: انا ابن سبيل قد انقطع بي.

فأخرج عبدالله رجله من ركابه ونزل عن راحلته، وقال له: ضع رجلك، واستو علي الناقة، وخذ ما في الحقيبة، وايّاك أن تخدع عن السيف فانه من سيوف علي بن أبي طالب.

ثم ترك الرجل ورجع.

أما الرجل فقد وضع رجله في الركاب واستوي علي الناقة ومدّ يده الي الحقيبة


فوجدها ممتلئة بمطارف الخزّ، وبها اربعة آلاف دينار، وكان سيف علي أنفس من المطارف وأجل من الدنانير [8] .

وخرج عبدالله بن جعفر يوماً الي ضيعة له فنزل علي حائط به نخيل لقوم وفيه غلام اسود يقوم عليه، فأتي بقوته ثلاثة اقراص فدخل كلب فدنا من الغلام، فرمي اليه بقرص فأكله، ثم رمي اليه بالثاني والثالث فأكلهما، وعبدالله ينظر اليه.

فقال: يا غلام كم قوتك كل يوم؟.

قال: ما رأيت.

قال: فلم آثرت هذا الكلب؟.

قال إن أرضنا ما هي بأرض كلاب، وان هذا الكلب جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت أن أردّه.

قال: فما أنت صانع اليوم؟.

قال: أطوي يومي هذا.

فقال عبدالله بن جعفر: ءألام علي السخاء وهذا العبد أسخي مني؟.

ثم اشتري الحائط وما فيه من النخيل والآلات، واشتري الغلام ثم أعتقه ووهبه الحائط بما فيه من النخيل [9] .

ويشير السيد بحر العلوم الي أن الخيرات والبركات قد انهالت علي عبدالله بن جعفر عند زواجه بالسيدة زينب (عليها السلام) فيقول: وزحفت البركة علي ابن جعفر مع زينب فوفد عليه الرزق من المال والولد، وامتلاك الضياع، وفاضت أرضه بالثمار والغلات، ووفد أهل المدينة وأبناء السبيل في حاجاتهم علي


بابه: باب زينب بنت الزهراء [10] .

وكان عبدالله بن جعفر منقطعاً الي عمه أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم الي الحسنين (عليهما السلام) وله في الجمل وصفين والنهروان ذكر مشهور.

واشار ابن عبد ربه الأندلسي الي أن عبدالله بن جعفر كان كاتباً لعمه الإمام علي فترة خلافته [11] .

ويقول السيد الخوئي (قده) عن شخصية عبدالله بن جعفر: جلالة عبدالله بن جعفر الطيار بن أبي طالب بمرتبة لا حاجة معها الي الأطراء. ومما يدل علي جلالته أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يتحفظ عليه من القتل كما كان يتحفظ علي الحسن والحسين (عليهما السلام) ومحمد بن الحنفية [12] .

أما عدم خروجه مع الحسين (عليه السلام) الي كربلاء فقد قيل: انه كان مكفوف البصر، ولما نعي اليه الحسين، وبلغه قتل ولديه عون ومحمد كان جالساً في بيته، ودخل عليه الناس يعزونه فقال غلامه أبو اللسلاس: هذا ما لقينا من الحسين.

فحذفه عبدالله بنعله، وقال له: يابن اللخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لما فارقته حتي أقتل معه، والله انهما لمّما يسخي بالنفس عنهما: ويهون عليّ المصاب بهما انهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه.

ثم انه أقبل علي الجلساء فقال: الحمد لله اعزز عليّ بمصرع الحسين إن لم أكن واسيت الحسين بيدي فقد واسيته بولدي [13] .

بقي أن نشير الي عبدالله بن جعفر قد تزوج في حياة السيدة زينب بنساء


أخريات منهن: الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة من بني بكر بن وائل، ومنها ولده محمد الشهيد في كربلاء، وكذلك أخوه عبيدالله الذي ذكرت بعض المصادر أنه الشهيد الثالث من أولاد عبدالله بن جعفر في كربلاء [14] .

تلك هي بعض الملامح والمعالم من حياة عبدالله بن جعفر قرين السيدة زينب وشريك حياتها.

وقد توفي سنة (80 هـ) أو أربع أو خمس وثمانين، في خلافة عبد الملك بن مروان، وصلي عليه السجاد أو الباقر (عليهما السلام) وأمير المدينة يومئذٍ أبان بن عثمان بن عفان، والذي أبّنه بقوله: كنت والله خيراً لا شرّ فيك، وكنت والله شريفاً واصلاً براً [15] .



پاورقي

[1] (مع بطلة کربلاء) محمد جواد مغنية ص 32.

[2] (زينب عقيلة بني هاشم) عبد العزيز سيد الأهل ص 20.

[3] (مع بطلة کربلاء) محمد جواد مغنية ص 33.

[4] (عقيلة بني هاشم) الهاشمي ص 34.

[5] (عقيلة بني هاشم) الهاشمي ص 34.

[6] (زينب الکبري) جعفر النقدي ص 81.

[7] المصدر السابق ص 86.

[8] (زينب عقيلة بني هاشم) عبد العزيز سيد الأهل ص 22.

[9] زينب الکبري ص 88.

[10] (مقاتل الطالبيين) الأصفهاني ص 91 ـ 92.

[11] (العقد الفريد) الاندلسي ج 4، ص 164.

[12] (معجم رجال الحديث) السيد الخوئي ج 10، ص 138.

[13] المصدر السابق ص 88.

[14] (في رحاب السيدة زينب) بحر العلوم ص 36.

[15] (زينب الکبري) جعفر النقدي ص 90.