بازگشت

ولادتها النبي


ولمّا كان الشهر التاسع من حملها، أراد الله تعالي خروج النبيّ (صلي الله عليه وآله) وما كان عليها أثر للحمل، إذ اختفي عنها منذ شهرها السادس، ولكنّها كانت تشعر بأيام حملها الأخير وكانت تحدّث نفسها: كيف يكون وضعي، ولم يعلم بي أحد من قومي.

فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال، تفوح منهن رائحة المسك والعنبر، وقد تنقّبن بأطمارهن، وبأيديهن أكواب من البلّور الأبيض.

قالت آمنة (سلام الله عليها): وجعلت أقول: من أين دخلن عليّ هؤلاء النسوة؟ وقد كنت أغلقت الباب خلفي فجعلت أنظر إليهن ولم أعرف واحدة منهن.

قالت آمنة (سلام الله عليها): فتقدّمن منّي وسلّمن عليّ وقلن لي: إشربي يا آمنة من هذا الشرب، فلمّا شربت، أضاء نور وجهي وعلاه نور ساطع وضياء لامع، وقلن: أبشري بسيّد الأوّلين والآخرين، محمّد المصطفي (صلي الله عليه وآله) وقلن لها: لا بأس عليك يا جارية، إنّا جئنا لنخدمك، فلا يهمّك أمرك.

وقعدت الحوريات واحدة إلي يمينها، وواحدة إلي شمالها، وواحدة بين يديها، وواحدة من ورائها، فهوّمت عين آمنة وغفت غفوة، ما كان من أمرها إلاّ أ نّها كانت نائمة عند خروج ولدها من بطنها، فانتبهت وقد وضع المولود الجديد جبينه علي الأرض، ساجداً لله رافعاً سبابته إلي السماء مشيراً بهما، وهو يقول: لا إله إلاّ الله.

قال عبد المطلب: كنت في الساعة التي ولد فيها محمّد أطوف بالكعبة، وإذا بالأصنام قد تساقطت وتناثرت، والصنم الكبير سقط علي وجهه، وسمعت قائلا يقول: الآن آمنة قد ولدت رسول الله (صلي الله عليه وآله) فلمّا رأيت ما حلّ بالأصنام تلجلج لساني، وتحيّر عقلي، وخفق فؤادي حتّي صرت لا أستطيع الكلام، فخرجت مسرعاً اُريد باب بني شيبة، وإذا الصفا والمروة يركضان بالنور فرحاً، ولم أزل مسرعاً إلي أن قربت من منزل آمنة، وإذا بغمامة بيضاء قد عمّت منزلها، فقربت من الباب وإذا روائح المسك الأذفر والندّ والعنبر قد عبقت بكلّ مكان حتّي عمّتني الرائحة.

فدخلت علي آمنة وإذا بها قاعدة، وليس عليها أثر النفاس، فقلت: أين مولودك؟ اُريد أن أنظر إليه.

قالت: قد حيل بيني وبينه، ولقد سمعت هاتفاً ينادي: لا تخافي علي مولودك، وسيردّ عليكِ بعد ثلاثة أيام.

فلمّا تمّت له ثلاثة أيام دخل عليه جدّه عبد المطّلب فلمّا نظر إليه قبّله وقال: الحمد لله الذي أخرجك إلينا، حيث وعدنا بقدومك، فبعد هذا اليوم لا اُبالي أصابني الموت أم لا، ثمّ دفعه إلي آمنة فجعل يهشّ ويضحك لجدّه واُمّه كأ نّه ابن سنة.

قال عبد المطّلب: يا آمنة، احفظي ولدي هذا، فسوف يكون له شأن عظيم.

وأقبل الناس من كلّ فج عميق يهنّئون عبد المطلب، وجاءت جملة النساء إلي آمنة، وقلن لها: لِمَ لم ترسلي إلينا لنساعدكِ في ولادتكِ بعد أن هنّأنها بالمولود وقد عبقت بهن جميعاً رائحة المسك، فكان يقول الرجل لزوجته: من أين لك هذا؟ فتقول: هذا طيب مولود آمنة.

فأقبلت القوابل ليقطعن سرّته فوجدنه مقطوع السرّة، فقلن لآمنة: ما كفاك أ نّك وضعت به حتّي قطعت سرّته بنفسك، فقالت لهن: والله لم أره إلاّ علي هذه الحالة، ولا مسسته، فتعجّبت القوابل من ذلك، وكانت تأتيها القوابل بعد ذلك وإذا به مكحولا مقموطاً.

فلمّا مضي له من الوضع سبعة أيام، أولم عبد المطلب وليمة عظيمة وذبح الأغنام ونحر الإبل، وأكل أهل مكّة والقادمون من الناس ثلاثة أيام، وما فضل من ذلك الطعام رمي به في البرية فأكلته الوحوش والسباع والطيور.

فلمّا كان بعد أيام التمس له مرضعة تربّيه علي عادة أهل مكّة، فقدمت حليمة بنت أبي ذؤيب في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء بمكّة.

إلي آخر الحديث الذي ذكرناه في موسوعة المصطفي والعترة (1: 64 - 71).