بازگشت

اول من وضع الحديث


إنّ أوّل من وضع الأحاديث الشائنة في ابنة الإمام الحسين (عليه السلام) السيّدة الطاهرة سكينة، مصعب الزبيري المتوفّي سنة 236 هـ في كتابه (نسب قريش) لينصرف المغنّون والشعراء عن ابنتهم، سكينة بنت خالد بن مصعب ابن الزبير التي تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة الشاعر الخليع والمغنّيات يغنّين لهم [1] ، وزمّر بها مرافقه في بغداد المدائني [2] المتوفّي سنة 225، وزاد عليها الزبير بن بكار وابنه، وتلقّاها المبرّد المتوفّي سنة 285 عن هؤلاء الوضّاعين، وعنه أخذها تلميذه الزجّاجي وغيره من دون تمحيص وتحقيق فأضلّوا كثيراً من الكتّاب والمؤرّخين حتّي رووها بلا إسناد موهمين أ نّها من المسلّمات، ثمّ جاء من بعدهم أبو علي القالي تلميذ الزجاجي الاُموي الفكرة والعقيدة، فسجّل في أماليه ما تلقّاه من اُستاذه قصداً للحطّ من كرامة البيت العلوي [3] خصوصاً وقد تقلّب في نعمة الناصر عبد الرحمن الاُموي في الأندلس الذي استدعاه من بغداد، فأكرم مثواه، وعزّز منزلته، فأ لّف وكتب [4] ما يروق للاُمويين الذين نكّل بهم الهاشميون وبدّدوا ملكهم.

وحديث ولاّدة بنت المستكفي الخليفة الاُموي في الأندلس مشهورة، فإنّها كتبت علي تاجها:



أنا والله أصلح للمعالي

وأمشي مشيتي وأتيه تيها



واُمكن عاشقي من لثم ثغري

واُعطي قُبلتي من يشتهيها [5] .



بالإضافة إلي ذلك نقول إنّ لفظ سكينة في رواية الزجاجي، ولفظ سكين في رواية أبي علي القالي في الأمالي [6] لا إشعار فيه علي إرادة سكينة بنت الحسين(عليه السلام)، بل كان المقصود في شعر عمر بن أبي ربيعة هو (سكينة الزبيرية) فإنّ صاحب الأغاني يروي عن رجاله، إنّ سكينة بنت خالد بن مصعب بن الزبير، كانت تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة ومعها ابنتها [أمة المجيد] زوجة محمّد ابن مصعب بن الزبير وجاريتان كانتا تغنّيان عندهم يقال لإحداهن البغوم، وللاُخري أسماء [7] ، وقد تزوّج سكينة بنت خالد بن مصعب بكير بن عثمان بن عفّان، فولدت له بنتاً يقال لها اُمّ عثمان تزوّجها عبد الله العرجي [8] .

ويحدّث ابن كثير: إنّ مصعب بن الزبير أولد سكينة واُمّها فاطمة بنت عبد الله بن السائب [9] .

وإذا كان هذا حال سكينة بنت آل الزبير مع عمر بن أبي ربيعة والجواري المغنّيات فمن القريب جدّاً أن يزحزح آل الزبير ومن سار علي أثرهم من الرواة هذه الشائنة عن ابنتهم ويلصقوها بمن شابهتها في الاسم، خصوصاً مع العداء المحتدم بينهم وبين العلويين وقد عرفت فيما مرّ عليك أنّ روايات صاحب الأغاني في هذا الباب مرويّة عن الزبير بن بكّار، وعمّه مصعب بن الزبير، والمدائني والهيثم بن عدي الكوفي الكذّاب بنصّ جماعة من علماء الرجال، وكذلك صالح بن حسّان وأشعب الطامع، إلي غيرهم ممّن يفتعل الحديث أو مجهول الحال، الذي لا يركن إليه.

وحديث افتعال البيتين المنسوبة إلي الإمام الحسين (عليه السلام) هي سقطة اُخري باء بإثمها صاحب كتاب الأغاني، حيث لم تقنعه هاتيك السفاسف في خدش عواطف الخفرة فطفق يمسّ بكرامة أبيها المعصوم (عليه السلام)بما ينافي العصمة أو يصادم العظمة والحفاظ، فذكر في الرواية عن رجال مجاهيل لم يعرفهم علماء الرجال والتراجم، أنّ السيّدة سكينة قالت: عتب عمّي الحسن علي أبي في اُمّي الرباب، فقال أبي الحسين رادّاً عليه: [10] .



لعمرك إنّني لاُحبّ داراً

تحلّ بها سكينة والرباب



اُحبّهما وأبذل جلّ مالي

وليس لعاتب عندي عتابُ



وزاد ابن جرير الطبري في المنتخب من الذيل ضغثاً علي إبالة، فذيّلها بثالث.

وعلي فرض وقوع العتاب المزعوم، فسيّد الشهداء أبرّ وأتقي من أن يجابه حجّة الوقت وإمام عصره علي الاُمّة أجمع بنظم البيتين.

وممّا لا يلتئم مع حفاظ المرء ووقاره المزري بشمّ الرواسي وعظمته المشتقّة من النبوّة، مدح حليلته وابنته بشعر يعلم بطبع الحال أ نّه ستسير به الركبان ثمّ يبثّ ذلك بين الناس، فتلوكه الأشداق حتّي يغنّي به المغنّون في منتديات البطر، ومجتمعات الفجور.

وهذا البهت لم يكن بدعاً من مزاعم ذوي النفوس الخسيسة والباذلين أقلامهم لحكّام الجور في زمانهم لحقد في نفوسهم أو طمعاً في لعس فتات موائدهم والسحت من أموالهم.


پاورقي

[1] الأغاني 1: 67.

[2] الأغاني 11: 127.

[3] سکينة بنت الحسين للفکيکي: 15، حديث الشهر.

[4] ترجمة القالي في مقدّمة الأمالي / 3 شرح رسالة ابن زيدون بهامش لامية العجم 1: 11، ط مصر.

[5] نفس المصدر.

[6] ج 2: ص 305، ط دار الکتب العربية، بيروت.

[7] الأغاني 1: 67.

[8] الأغاني 1: 153.

[9] البداية والنهاية 8: 322.

[10] الأغاني 14: 157، ونسب قريش لمصعب الزبيري: 59.