بازگشت

من نظم الشعراء


وقد أجاد فطاحل العلماء والاُدباء والشعراء في نظم ما جادت به قرائحهم بهذه المناسبة الميمونة المباركة.

أذكر بعضاً منهم علي سبيل المثال لا الحصر وما هو أسرع إلي السمع وأوقع في القلب منهم:

العالم الأديب أبو الحسن علاء الدين عليّ بن الحسين الحلّي، من العلماء الشعراء في القرن الثامن الهجري، يقول في قصيدة داليّة طويلة:



أم هل تري في العالمين بأسرهم

بشراً سواه ببيت مكّة يولَدُ؟



في ليلة جبريل جاء بها مع

الملأ المقدّس حوله يتعبّدُ



فلقد سما مجداً عليّ كما علا

شرفاً به دون البقاع المسجدُ



ومنهم العالم المتكلّم المحدّث الفقيه المولي محمّد طاهر بن محمّد حسين القمّي، صاحب المؤلّفات القيّمة النافعة، المتوفّي سنة 1098 هـ في لاميّته البديعة التي مطلعها:



سلامة القلب نحَّتني عن الزللِ

وشعلة العلم دلَّتني علي العملِ



إلي أن يقول:



طوبي له كان بيت الله مولده

كمثل مولده ما كان للرسلِ



ومنهم الفقيه المحدّث الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104 هـ) صاحب (وسائل الشيعة) قال في اُرجوزة له في تواريخ المعصومين (عليهم السلام):



مولده بمكّة قد عُرفا

في داخل الكعبة زيدت شرفا



علي رُخامة هناك حمرا

معروفة زادت بذاك قدرا



فيا لها مزيّة عليّة

تخفضُ كلّ رتبة عليّة



ما نالها قط نبيّ مرسل

ولا وصيّ آخرٌ وأوّل



ثمّ شرع بنظم حديث يزيد بن قعنب المشهور.

ومنهم الشيخ الفقيه حسين نجف التبريزي النجفي (1159 - 1251 هـ) حيث يقول في قصيدته الهائية:



جعل الله بيته لعليّ

مولداً يا له عُلا لا يُضاهي



لم يشاركه في الولادة فيه

سيّد الرسل لا ولا أنبياها



ومنهم العلاّمة السيّد علي نقي النقوي الهندي اللكهنوي في موشّحة ميلادية طويلة، منها قوله:



لم يكن في البيت مولودٌ سواه

إذ تعالي عن مثيل في عُلاه



اُوتي العلم بتعليم الإله

فغذاه درّه قبل الفطام



يرتوي منه بأهني مشربِ

ومنهم آية الله السيّد محسن الأمين (1284 - 1371هـ) صاحب الموسوعة القيّمة (أعيان الشيعة) حيث ذكر في أوّل باب سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فصل في مولده، من موسوعته الآنفة الذكر:



وُلِدْتَ ببيت الله وهي فضيلة

خُصِصْتَ بها إذ فيك أمثالها كثرُ



وله أيضاً من مقصورة:



ووُلِدْتَ في البيت الحرام ولم يكن

هذا لغيرك مَن يكون ومَن مضي



ومنهم السيّد حسن بن محمود الأمين (1299 - 1368 هـ) في قصيدة بائية طويلة:



ولدتَ في البيت بيت الله فارتفعت

أركانه بك فوق السبعة الحُجُب



وتلك منزلةٌ لم يؤتها بشرٌ

بلي ومرتبةٌ طالت علي الرتبِ



ومنهم الفاضل الأديب الشيخ محمود عبّاس العاملي في قصيدته العلويّة المسمّاة بـ (الدرر السنيّة):



من مثله في بيت بارئهِ وُلِدْ؟

ذي خصلة قد خُصّ فيها مُذ وُجِدْ



أمعن بها يا صاحب فكراً واعتمد

وانظر لها النظر الصحيح ولا تحِدْ



من واضح المنهاج وُقِيت الضرر

وقال شهاب الدين الآلوسي - صاحب التفسير المشهور - في (الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية) لعبد الباقي أفندي العمري عند قول الشاعر:



أنت العليّ الذي فوق العُلي رُفِعا

ببطن مكّة عند البيت إذ وُضعا



وكون الأمير - كرّم الله وجهه - ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة... وما أحري بإمام الأئمة أن يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين، وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها، وهو أحكم الحاكمين.

وقال عند قول الشاعر العمري:



وأنت أنت الذي حطّت له قدم

في موضع يده الرحمان قد وضعا



وأحبَّ عليه الصلاة والسلام أن يكافئ الكعبة حيث ولد في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها.

وفي رواية أنّ أباه أبو طالب سمّاه عليّاً، وقال شعراً:



سمّيته بعليّ كي يدوم له

عزّ العُلا وفخر العزّ أدومه



وقد ذكرت قصّة صعود عليّ (عليه السلام) علي منكب النبيّ (صلي الله عليه وآله) ورميه الأصنام في باب مستقلّ يأتي إن شاء الله.

أمّا تفاصيل حادثة الولادة الميمونة فمرويّة في مصادر معتبرة كثيرة.

منها:

أمالي الشيخ الصدوق - المتوفّي سنة 381 هـ - الصفحة 114 الحديث 9 ط مؤسسة الأعلمي - بيروت.

ورواه في (علل الشرائع) الصفحة 135 ح 3 ط المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف.

وفي معاني الأخبار ص 62 ح 10 ط قم.

والشيخ الفقيه عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطبري - من أعلام القرن السادس - في كتابه (بشارة المصطفي) ص 7 ط المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف.

والشيخ الأديب بهاء الدين علي بن عيسي الإربلي، المتوفّي في بغداد سنة 692 هـ، في كتابه (كشف الغمّة) 1: 60 ط تبريز.

ومن بشائر المصطفي مرفوعاً إلي يزيد بن قعنب.

ومصادر اُخري كثيرة، يضيق المجال بذكرها. وإليك متن حديث الولادة المبارك:

روي هؤلاء جميعاً بإسنادهم إلي سعيد بن جبير قال: قال يزيد بن قعنب:

كنت جالساً مع العبّاس بن عبد المطّلب وفريق من بني عبد العزّي بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وكانت حاملا به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلق فقالت:

ربِّ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وإنّه بني البيت العتيق، فبحقّ النبيّ الذي بني هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني لمّا يسّرت عليَّ ولادتي.

قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا، والتزق الحائط، فرُمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمرٌ من أمر الله عزّ وجلّ.

ثمّ خرجت في اليوم الرابع وبيدها أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ قالت:

إنّي فُضِّلت علي من تقدَّمني من النساء، لأنّ آسية بنت مزاحم عبدت الله عزّ وجلّ سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد الله فيه إلاّ اضطراراً وأنّ مريم بنت عمران هزّت النخلة اليابسة بيدها حتّي أكلت منها رطباً جنيّاً.

وفي رواية: اُوحِيَ إليها أن اخرجي من بيت المقدس فإنّه بيت عبادة لا بيت ولادة، فإنّي دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف:

يا فاطمة، سمّيه عليّاً فهو عليّ، والله العليّ الأعلي يقول: إنّي شققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، ووقفته علي غامض علمي، وهو الذي يكسّر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذّن فوق ظهر بيتي ويقدّسني ويمجّدني، فطوبي لمن أحبّه وأطاعه، وويل لمن أبغضه وعصاه.

وتسابق الشعراء إلي نظم بدائع القصائد في هذه الحادثة الميمونة - كما سبق -، اخترنا منها من موشّحة الشاعر (ميرزا إسماعيل الشيرازي) المتوفّي سنة 1305 هـ، التي ذكرها العلاّمة الأميني في كتابه الغدير 6: 29 - 30 ومطلعها:



رغد العيش فزده رغداً

بسلاف منه تشفي سَقمي



حبّذا آناء اُنس أقبلت

أدركت نفسي بها ما أمّلت



وضعت اُمّ العلي ما حملت

طاب أصلا وتعالي محتدا



مالكاً ثقل ولاء الاُممِ

إلي آخر القصيدة.

أمّا نسبه فيتّصل بنسب رسول الله (صلي الله عليه وآله) مجداً ومحتداً، ولا يحتاج إلي تعريف، فقد سبق أن ذكرناه في سيرة النبيّ (صلي الله عليه وآله).

أمّا اُمّه: فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، يتّصل جدّها بجدّ رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما مباشرةً. وهي أوّل هاشميّة تلد هاشمياً وأوّل من ولّده هاشم مرّتين. وكانت من رسول الله (صلي الله عليه وآله) بمنزلة الاُمّ، ربّته في حجرها، وقدّمته علي أولادها، وكانت من السابقات إلي الإيمان، وهاجرت معه بصحبة ولدها والفواطم إلي يثرب يثرب (المدينة المنوّرة) ولمّا ماتت شيّعها النبيّ (صلي الله عليه وآله) وكفّنها بقميصه ليدرأ به عنها هوام الأرض، وتوسّد في قبرها لتأمن بذلك ضغطة القبر، ولقّنها الإقرار بولاية ابنها علي كما اشتهرت الرواية.

قالت فاطمة: فولدت عليّاً ولرسول الله (صلي الله عليه وآله) ثلاثون سنة، فأحبّه رسول الله (صلي الله عليه وآله) حبّاً شديداً، وقال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي، وكان (صلي الله عليه وآله) يلي أكثر تربيته، وكان يُطهّر علياً في وقت غسله، ويؤجره اللبن عند شربه، ويحرّك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويحمله علي صدره ورقبته، ويقول هذا أخي ووليّي، وناصري، وصفيّي، وذخري، وكهفي، وصهري، ووصيّي، وزوج كريمتي، وأميني علي وصيّتي وخليفتي، وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يحمله دائماً ويطوف به جبال مكّة وشعابها وأوديتها وفجاجها (صلّي الله علي الحامل والمحمول).