بازگشت

محاولة للتجنيد و الدعم


ففي الأيام الأخيرة أيضا، قام المجاهد حبيب بن مظاهر الأسدي بمحاولة لتجنيد بعض الأسديين الذين يقطنون منطقة قريبة من ساحة المعركة المرتقبة ليدعموا الثوار و ينجدوا الموقف. فاستأذن الامام بذلك فأذن له «فخرج حبيب اليهم في جوف الليل، و عرفهم بنفسه».. فهو زعيمهم و رئيسهم و شيخ عشيرتهم و سيد القبيلة الأسدية، و كان ينبغي لمثله أن يستنهضهم باسمه و باسم القبيلة أو بمنطق الصراع القبلي ليثير فيهم روحا تواقة للحرب، و يعلن بين صفوفهم النضير العام... ولكنه لم يفعل ذلك و لم يتكلم بلغة العصبية القبيلية و لم يثر تلك الروح، أو يستغل شخصيته و منزلته، فيلزم الجميع و يكرههم اكراها، بل قام فيهم خطيبا و خيرهم و كشف لهم عن ثمن الاسهام بالثورة و سمو النصرة لسبط سيد المرسلين فقال:

«اني قد أتيتكم بخير ما اتي به وافد الي قوم، أتيتكم أدعوكم الي نصرة ابن بنت نيبيكم، فانه في عصابة من المؤمنين الرجل منهم خير من ألف رجل، لن يخذلوه و لن يسلموه أبدا... و هذا عمر بن سعد قد أحاط به، و أنتم قومي و عشيرتي، و قد أتيتكم بهذه النصيحة فأطيعوني اليوم في نصرته، تنالوا بها شرف


الدنيا و الآخرة، فاني أقسم بالله لا يقتل أحد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله صابرا محتسبا الا كان رفيقا لمحمد صلي الله عليه و آله في عليين..» [1] فنهض عبدالله بن بشر الأسدي، كأول من استجاب، و قال: «أنا أول من يجيب الي هذه الدعوة.» ثم ارتجز:



قد علم القوم اذا تواكلوا

و أحجم الفرسان أو تثاقلوا



أني شجاع بطل مقاتل

كأنني ليث عرين، باسل [2] .



ثم اجتمع منهم سبعون، و في رواية (تسعون) رجلا قد أحاطوا بالزعيم حبيب بن مظاهر الأسدي.. الا أن أحد الذين سمعوا كلام حبيب قد راقب الوضع، حتي اذا ما تحرك حبيب برجاله، بادر ذلك الرقيب لابلاغ عمر بن سعد الذي أسرع بارسال أربعمائة فارس، مسلح لدحر التسعين.. و تم اللقاء و الاصطدام و وقعت مناوشات عنيفة بالاسلحة حتي عجز أولئك الأسديون. فتراجعوا و تقهقروا الي الوراء، فعاد حبيب و أخبر الامام بما جري فردد عليه السلام قوله «لا حول و لا قوة الا بالله» أو قال «الحمدلله كثيرا..» [3] .


ثم انتبه جند العدو فرابطوا علي المناطق التي يحتمل أن يجتازها من يريد نصرة الامام الحسين عليه السلام، اذ توقعت القيادة العسكرية الأموية وصول امدادات للحسين و نجدات للانضمام اليه، ففرضت الرقابة الشديدة و الحراسة المسلحة علي شواطي ء المنطقة «و كانت تقوم علي الشاطي ء بحصار حقيقي يتحاوز الحيلولة دون الماء: الي الحيلولة دون عبور قوات موالية للحسين، كانت فيما يبدو جاهزة للعبور، و لعلها كانت من الأسديين الذين فشلوا في الوصول الي معسكر الحسين حين قادهم حبيب بن مظاهر.» [4] بل لقد أصدر ابن زياد أمر ضبط المنطقة بالكامل حينما «بلغه ان الرجل و الرجلين و الثلاثة يتسللون الي معسكر الامام عن طريق الفرات، فأمر بضبط الجسر و حراسته، فلم يترك أحدا يجوزه.» [5] .

غير أن عمليات التسلل و الالتحاق لم تنته حتي ليلة المعركة، في الطريق، أو في كربلاء، مثني و فرادي، أو مع عوائلهم، أو عن طريق الاختفاء بين المعسكر الأموي، أولئك جميعا لم تكن ثمة عقبة تحول بينهم و بين بلوغ أسمي الأهداف طرا. فلم يكونوا رهن الظروف، بل لقد رهنوا الظروف بأيديهم فكانت هي المرهونة عندهم ولديهم، لم يقيدهم الارهاب و العنف و تهديدات العدو لمن ينصر الامام أو من يخرج اليه، و لم تقف العوائق في طريقهم سدودا أو عقبات، بل ضربوها جميعا بعرض الجدار... و عبروا... و اجتازوا.. وداسوا بأقدامهم كل حاجز، و سحقوا كل مانع، و لم يكونوا وسيلة للعدو.. و لم يتحكم بهم العدو رغم جميع وسائله الطاغية التي حاولت الوقوف في وجه بواعثهم الكريمة و دوافعهم الشريفة لنصرة الحق..

فقد التمسوا شتي الوسائل لنيل ما راموه، و كأنهم هم المخاطبون من السماء ب: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله. وابتغوا الي الوسيلة و جاهدوا في سبيله لعلكم


تفلحون.» 35:5. ألا ان أنصارالحسين و جنده حزب الله و هم المفلحون... أولئك الذين: «يبتغون الي ربهم الوسيلة أيهم أقرب، و يرجون رحمته و يخافون عذابه...» 57:17.



پاورقي

[1] بحارالأنوار ج 44 ص 387.

[2] نفس المصدر.

[3] أنساب الأشراف للبلاذري، ج 3 ص 180. تحقيق الشيخ المحمودي: و ربما توحي کلمة الامام التفاؤلية هذه [الحمد لله کثيرا] الي أمر هام من الأمور التي نتبني التأکيد عليها في هذه الدراسة. الا و هو عزوف الامام عن تحشيد رجال لم يبلغوا من توطين النفس مبلغا ما، و لم يتجاوزوا مراحل اختبارية و ابتلائية تکفل التصديق علي حقيقة مواصلتهم لحمل عب‏ء الجهاد الثقيل، و تضمن عدم تشويه معالم الأحرار الذين کان الامام منهم مطمئن الجانب... فمجي‏ء جماعة سواء من بني أسد أو أية قبيلة کطي‏ء مثلا، حسبما سبق أن نوهنا لذلک بموضوع اقتراح الطرماح فمجيئها دون تعبئة و اعداد، و بمعزل عن الابتلاء العسير، قد يؤدي الي حدوث ما لا يرضاه الحسين، و ما لا يتفق و الأمانة في تأدية الرسالة الجهادية الثوروية.. و عليه، فعندما اقترح حبيب و حصل علي الاذن و ذهب. کان الامام في يحفظ من استقبال الجند الأسديين، و قد يختبرهم تلافيا لمغبة العواقب، بيد أنه عندما عاد حبيب و أخبره بالأمر تنفس الصعداء و رأي يقينا أن المصلحة في عدم وصولهم فحمد ربه علي تسديده و تأييداته..

[4] أنصار الحسين ص 55.

[5] حياة الامام الحسين ج 3 ص 119.