بازگشت

التسيير بالاغراء


في الكوفة كما في كل اقليم آخر عدد من الوجهاء البارزين الذين كانوا يسمونهم آنذاك الأشراف. و من هؤلاء عدد انتهازي وصولي مصلحي.. حتي أن مراسلتهم للامام الحسين عليه السلام كانت انسياقا مع جو المراسلة و أملا بالحظوة عند الامام فيما لو حكم البلاد، و حبا بالدنيا و ما تدره من عطاء رخيص لا يلبث أن يفني و يزول.. فهؤلاء البشر كان من السهل عليهم أن يتخلوا عن عهودهم المكتوبة في الرسائل قبل أيام، طالما نالوا ما يحبون من الدنيا و استلموه نقدا من يد ابن زياد الذي قدم لهم الرشاوي و أشبع المطامع، حيث عني بهم نظرا لتأثيرهم علي عموم الجمهور... تلك الزمرة من الخونة المرتزقة المأجورة هي التي ذكرها المؤمنون الذين استقبلوا الامام في الطريق و كان معهم الطرماح الطائي فيما أخبروا الامام قائلين: «أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، و ملئت غرائرهم، و يستمال ودهم. يستخلص به نصيحتهم، فهم الب واحد عليك.. و أما سائر الناس بعد، فان أفئدتهم تهوي اليك و سيوفهم غدا مشهورة عليك.» [1] .

لا غرو، فتلك طبيعة السياسة الأموية.. و صاحبها الذي سنها «معاوية بن ابي سفيان» كان من (حلمه) و دهائه و انفاقه أنه يشتري الأديان و الضمائر بأموال بيت المال الاسلامي و كأنه خزانة ورثها عن أبيه.. و هذا خلفه يزيد يكتب الي زياد وقت الأزمة بدعم عمليات الاحباط بالدارهم و الدنانير فيهرج ابن زياد قائلا بعد مدحه لمعاوية:

«ان يزيد ابنه المتقيل (أي المتشبه) له السالك لمناهجه المحتذي لمثاله، قد زادكم مأة مأة في أعطياتكم». [2] .

و يهش ابن زياد لهذه الرسالة و هذه الأساليب الخادعة المضللة فيأمر بجمع الناس في رحبة مسجد الكوفة الأعظم، و يحشرهم حشرا و يخطب قائلا: «أيها الناس، انكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون. و هذا أميرالمومنين يزيد


قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسنا الي الرعية، يعطي العطاء في حقه. وقد أمنت السبل علي عهده، و كذلك كان أبوه معاوية في عصره. و هذا ابنه يزيد يكرم العباد و يغنيهم بالأموال و قد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، و أمرني أن أوفرها عليكم، و أخرجكم الي حرب عدوه الحسين فاستمعوا له و أطيعوا..» [3] .

و بالرغم من كل هذا فان الجميع جميع جمهور الكوفة سوف لا ينخرطون بمجرد الاغراء بالدراهم، لذا كان لا بد من استخدام أسلوب أشد روعة و ألما و وقعا علي قلوب الضعفاء، و هو الدفع بقوة الجگبر و القسر و الاكراه..


پاورقي

[1] تاريخ الطبري، ج 4 ص 236 و ابن الأثير ج 3 ص 281.

[2] أنساب الأشراف، ج 3 ص 178.

[3] حياة الامام الحسين ج 3 ص 115 و أنساب الأشراف للبلاذري، ج 3 ص 178.